تقرير: ياوز أجار
إسطنبول (زمان التركية) – يتهم عدد لا يستهان به من المحللين المسلسلات التركية، خصوصًا مسلسلي “دولة السلطان عبد الحميد الثاني” و”قيامة أرطغرل”، المذاعين على قنوات تي آر تي الرسمية، بالسعي لتسويق أفكار وإجراءات الحكومة وشرعنتها.
وممّا دل على صحة هذا الادعاء أن القناة الرسمية أذاعت لقطات من الحلقة الأخيرة للمسلسل، يتحدث فيها بطل المسلسل السلطان عبد الحميد الثاني قائلاً: “هذا الوطن يقود معركة البقاء أو الزوال”، ثم يوبخ المقصرين في مهامهم من الوزراء والمسؤولين في قصره قائلاً: “أنتم مستشارو القصر، ولديكم علم بكل شيء. لكنكم ساعدتم بتصرفاتكم، بعلم أو بدون علم، الأعداء الذين يسعون لاجتثاث جذورنا من هذه الأراضي. لقد فشلتم في حراستكم لهذا الوطن. لذا عزلتكم جميعا عن الوظيفة، فأنتم جميعًا معتقلون، إذ لا يمكن العفو عن الإهمال في وظائف الدولة”.
ومن اللافت أن ما قاله السلطان عبد الحميد الثاني في المسلسل يشبه تمامًا الخطاب الانتخابي الذي تبناه الرئيس رجب طيب أردوغان قبل وبعد الانتخابات المحلية، حيث زعم في اللقاءات الجماهيرية التي عقدها قبل الانتخابات أن تركيا تواجه خطر البقاء أو الزوال، وأن أعداءً داخليين وخارجيين يحاولون تقسيم البلاد.
كما اتهم أردوغان في تلك اللقاءات تحالف الشعب المكون من أحزب “الشعب الجمهوري” و”الخير” و”السعادة” و”الشعوب الديمقراطي” الكردي، بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية، والسعيِ إلى تدمير حكومة حزب العدالة والتنمية التي هي ضمان بقاء تركيا، على حد تعبيره.
وانطلاقًا من أن الإعلام الموالي لأردوغان يقدم كلاً من البطلين أرطغرل في مسلسل “قيامة أرطغرل”، وعبد الحميد الثاني في المسلسل الذي يحمل اسمه، وكأنهما يجسّدان دور الرئيس أردوغان في أرض الواقع، اعتبر مراقبون ورواد الإعلام الاجتماعي أن المشرفين على مسلسل عبد الحميد الثاني بعثوا رسالة إلى المشاهدين، عبر حديث السلطان العثماني عن حراسة الوطن ومعاقبة المقصرين، مفادها أن الذين قصّروا في مهامهم الخاصة بحماية صناديق الاقتراع، وسمحوا للمعارضة بالتزوير والتلاعب بالنتائج، وتسببوا في خسارة حزب العدالة والتنمية كبرى البلديات، سيدفعون الثمن بالعزل والطرد عن الوظيفة والزجّ بهم في السجون.
وكما يبدو أن حديث عبد الحميد الثاني في المسلسل يستهدف إعداد أذهان المشاهدين لتقبّل العملية التي بدأت قيادة حزب العدالة والتنمية تنفّذها بعد أن تأكدت خسارتها للعاصمة الإدارية أنقرة والعاصمة الاقتصادية إسطنبول، حيث بدأت تتهم الأحزاب المعارضة، التي وصفتها في دعايتها الانتخابية بـ”الإرهابيين” و”أعداء تركيا” و”خونة الوطن”، بسرقة الأصوات والتلاعب بنتائج الانتخابات واستقدام ناخبين من خارج المدينة.
وبعد التمهيد على مدار أسبوع كامل عبر المسلسلات والإعلام الموالي للسلطة، شنّت قوات الأمن أمس عملية داهمت خلالها أحد المنازل في منطقة بويوك تشاكماجا التابعة لإسطنبول، بحجة “التلاعب بنتائج الانتخابات”، بالتزامن مع رفض مجلس الانتخابات الأعلى إعادة عملية التصويت في انتخابات المحليات الخاصة بمدينة إسطنبول.
ومن الظاهر أن قيادة الحزب الحاكم تسعى من خلال هذه العمليات إلى إقناع الرأي العام، أو مؤيديها فقط على أقل تقدير، بأن المعارضة كسبت الانتخابات في إسطنبول عن طريق التزوير والتلاعب بالنتائج، وبالتالي ينبغي إعادة الانتخابات في عموم إسطنبول.
ومن الممكن أن تمتد هذه العمليات والاعتقالات خلال الأيام القادمة إلى إقالة واعتقال كبار أعضاء مجلس الانتخبات الأعلى ممّن يرفضون إعادة الانتخابات في عموم إسطنبول؛ إذ قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية علي إحسان ياوز مؤخرًا: “يثير فضولي ما إذا كان بين رؤساء صناديق الاقتراع من فُصلوا بتهمة “الانتماء إلى منظمة فتح الله كولن!”، مما يدل على أن أردوغان يستعد لتنفيذ عملية، سواء ضد المعارضة أو أعضاء مجلس الانتخابات، في مسعى لاسترداد إسطنبول بهذه الحجة؛ المفتاح السحري الذي فتح كل الأبواب أمام أردوغان حتى اليوم!
ويرى مراقبون أن الرئيس أردوغان أفضل من يعرف أن خسارة إسطنبول تعني خسارة تركيا كلها، لذا سيفتح كل أوراقه من أجل استردادها.