إذا عبرت الحدث ووصلت لمنطقة لا يستطيع الضوء الهروب منها، فلا عودة إذن فهذه الرحلة أحادية الاتجاه؛ ذهاب بلا عودة
متى تتحول النجوم لثقوب سوداء
ويُعتقد بأن الثقوب السوداء توجد عادةً في مراكز معظم المجرات، ويطلق عليها اسم “الثقوب السوداء الهائلة”. لأن كثافتها يمكن أن تصل لتعادل كثافة مليارات الشموس. ولكن بالنسبة للثقوب السوداء النجمية التي هي عبارة عن بقايا النجوم المحتضرة المنهارة، فإنها أصغر حجمًا من الثقوب الهائلة. وهذا النوع من الثقوب هو الشائع في جميع المجرات، وأقرب ثقب أسود نجمي لنظامنا الشمسي يبعد عنا مسافة تصل إلى 6,000 سنة ضوئية. وحتى يتحول النجم إلى ثقب أسود في نهاية حياته يجب أن يتمتع بكتلة كبيرة، فالشمس مثلاً في نهاية حياتها سوف تستهلك وقودها النووي وتنطفئ بهدوء، ولن تتحول إلى ثقب أسود لأن وزنها غير كاف لذلك. وربما نجد في كتاب الله تعالى إشارة لطيفة إلى هذا التحول في قوله تعالى: (إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير: 1]. إذن ليس هنالك أي انهيار للشمس إنما انطفاء بطيء، وهذا ما عبّر عنه القرآن بكلمة (كُوِّرَتْ). فكلمة (كوَّر) أي أدخل بعضه في بعض، وهذا ما سيحدث للشمس حيث تتداخل مادتها بعضها في بعض حتى تستهلك وقودها وتنطفئ. ويتميز الثقب الأسود بجاذبية فائقة، ولذلك فإن أي غاز قريب منه سينجذب إليه ويدور في دوامه عنيفة مولداً حرارة عالية نتيجة هذا الدوران مثل الإعصار السريع، هذه الحرارة تبث الأشعة السينية باستمرار، وهذه الأشعة يمكن للفلكيين التقاطها بسهولة بواسطة أجهزتهم، ولذلك يعلمون بأن هذه المنطقة تحوي ثقباً أسود.
إذا وجدت نفسك في ثقب أسود فلا تستلم، فسيكون هناك مفر، وقد تجد نفسك في عالم آخر لكنك لن تعود لعالمنا مرة أخري
ولقد صمم العلماء واحدًا من أكثر برامج المحاكاة دقة حتى الآن، ويحاكي الطبيعة الفيزيائية للغازات والجاذبية المحيطة بالثقب الأسود. وبالجمع بين قدرات 11 جهاز تلسكوب حول العالم.. يعمل المختصون على التوصل لتلسكوب بحجم الكرة الأرضية ليتمكن من رصد ظل الثقب الأسود والهلال والحلقة اللذان يميزانه، ويقول “شيب دويليمان” عالم الفلك بمعهد “ماساشوسيتس” للتكنولوجيا الذي يقود مشروع التلسكوب العملاق: “إن معرفة ماهية ظل الثقب الأسود من كوكب الأرض يشبه رؤية حبة الليمون الهندي على سطح القمر”. وتختلف أحجام الثقوب السوداء من مكان إلى آخر، وتمكّن علماء من قياس حجمها باستخدام “نصف قطر شفارتزشيلد” حيث يحدد الحجم الأفقي لأفق الحدث (حدود منطقة الزمان والمكان حول نقطة أو مركز جاذبية والتي لا يمكن للضوء الإفلات منها) ويحدد الحدود الكروية للثقب الأسود، فكلما زادت كتلة الجرم، كان الحجم الأفقي لأفق الحدث لهذا الثقب أكبر، وكان نصف قطره أكبر أيضًا، ويوصف مركز الثقب الأسود باسم “التفرّد” وهو المكان الذي تصبح فيه كثافة المادة لا نهائية.
وعلي الرغم من أن الفضاء كله مظلم إلا أن هذه الثقوب شديدة الإظلام، وهى ذات كثافة هائلة حتى أن المادة والضوء لا يستطيعان الإفلات منها، وتمتصهما. وبالرغم من قوة جاذبيتها وتأثيرها على حركة المادة تبقى الثقوب مخفية خلف أفق الحدث ومحاطة بمنطقة لا تسمح مطلقاً للضوء بالخروج منها. وتعمل هذه المنطقة كالعدسة، وبحسب النظرية النسبية العامة لأينشتاين فإن جاذبية ثقب أسود تقوّس الفضاء حوله مما يجعل شعاع ضوء يسير فيه بشكل منحني بدلاً من سيره في خط مستقيم.
لو سافرت بسرعة الضوء فستحتاج لآلاف من السنين الضوئية لتصل لأقرب ثقب أسود؛ حيث يبعد أقرب واحد منها عن الأرض قرابة 1600 سنة ضوئية.
وعلى غير طبيعية الضوء الذي يسير في حزم ضوئية مستقيمة إلا أنه قرب الثقوب السوداء يصبح -بسبب قوة الجاذبية الهائلة- منحنياً ومنحرفًا حولها وذلك بسبب شفط الخلايا الضوئية (الفوتونات) وجعلها تدور حول الثقوب في مدارات محددة. وقد تتمكن بعض الخلايا الضوئية من الإفلات من الجاذبية، وتصل إلى عينيك، (أو إلى التلسكوب)، وما ستراه هو حلقة ساطعة على حدود ذلك الظل، وليحدث صورة بصرية للمواد المحيطة به (ظل الثقوب السوداء) فالثقوب السوداء تعمل على انحناء الضوء “كعدسة كونية مكبرة” مما يتيح إمكانية رؤية أي مجرة ورائها وأبعد منها، ولن يمكن رؤيتها بشكل مباشر، بل “سيزيغ” عنها بصره، ويتم تخطي حدودها “مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى” (النجم:17).
القرآن الكريم وإشاراته العلمية
يخبرنا علماء اليوم حقيقة أن الثقوب السوداء (تسير، وتجري، وتكنس) كل ما تصادفه في طريقها. وجاء في دراسة (عام 2006) عن الثقوب السوداء:إنها تخلق قوة جاذبية هائلة تعمل مثل مكنسة كونية لا تُرى، عندما تتحرك تبتلع كل ما تصادفه في طريقها، حتى الضوء لا يستطيع الهروب منها. وقد اختصر القرآن ما قاله العلماء عن الثقوب السوداء بثلاث كلمات: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ*الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) [التكوير: 15-16]. ونحن أمام ثلاث حقائق عن مخلوقات أقسم الله تعالى بها وهي:
1- الْخُنَّسِ : أي التي تختفي ولا تُرى أبداً.
2- الْجَوَارِ: أي التي تجري وتتحرك بسرعات كبيرة.
3- الْكُنَّسِ: أي التي تكنس وتبتلع كل ما تصادفه في طريقها.
ومنذ القرن السابع الميلادي لم يكن أحد يتصور أن في السماء نجومًا تجري وتكنسُ وتجذب إليها كل ما تصادفه في طريقها، ولم يكن أحد يتوقع وجودها مع العلم أنها لا تُرى أبدًا. ولكن القرآن العظيم أشار إلي هذه المخلوقات بدقة علمية مذهلة.
“عبور” الثقوب السوداء
إذا كنت تستقل سفينة فضاء، وسافرت بها عبر أحد الثقوب السوداء، فكيف سيبدو الأمر؟ لو سافرت بسرعة الضوء، فستحتاج لآلاف من السنين الضوئية لتصل لأقرب ثقب أسود؛ حيث يبعد أقرب واحد منها عن الأرض قرابة 1600 سنة ضوئية. والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في السنة الأرضية وتساوي 9,46 ألف بليون كيلو متر علمًا بأن الضوء يقطع مسافة 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة.
قديمًا.. اعتقد العلماء أنه إذا سقط الإنسان في منطقة الثقوب السوداء فلن يبقى على قيد الحياة، حيث يمكنها -لجاذبيتها الهائلة- ابتلاع كل شيء وسحقه، لكن في دراسة لجامعة “بيركلي” بولاية كاليفورنيا الأمريكية، استنتجت أن الإنسان يمكنه النجاة إذا دخل الثقب الأسود، وبإمكان الثقب محو ماضي الإنسان وإدخاله لعالم موازٍ ومستقبل أبدي لا نهاية له. فالكون في هذا العالم الموازي لا تحكمه قواعد السبب والنتيجة والزمان والمكان التي تنطبق على كوننا، ويمكن للإنسان العيش للأبد. وقال قائد فريق البحث، الفيزيائي بيتر هينتز “إنه إذا دخل الإنسان إلى ثقب أسود، فسيخرج من دائرة سيطرة القوانين الفيزيائية المتعارف عليها على كوكب الأرض”.
ووضع العلماء نظرية افترضت وجود حاجز أسموه بـ”أفق كوتشي” عندما يتم تخطيه داخل الثقب الأسود تسقط جميع القوانين الفيزيائية، فهذه الرحلة أحادية الاتجاه؛ ذهاب بلا عودة، فأنت إذا عبرت الحدث ووصلت لمنطقة لا يستطيع الضوء الهروب منها فلا عودة إذن. وتمكن علماء كـ “جورج بولن” و”رودولفو جامبيني” و”جيرارد هوفت” من إثبات أن الطاقة يمكنها الهروب من داخل الثقوب وتجاوزها، لتمثل بابًا لعالم أخر. وقد ودعم عالم الفيزياء الراحل “ستيفن هوكنيج” هذا الرأي وأوضح أن هناك مخرجًا من الثقب السود عندما قال مقولته الشهيرة: “إذا وجدت نفسك في ثقب أسود فلا تستلم، فسيكون هناك مفر، وقد تجد نفسك في عالم آخر لكنك لن تعود لعالمنا مرة أخري”.
بقلم/ ناصر أحمد سنه
المصدر: مجلة حراء