بقلم: مايسترو
(زمان التركية)-تؤكد الأحداث العالمية أن الإرهاب لا ينحسر في دين أو جنس أو جنسية أو عرق بعينه.. فالإرهاب القائم على انحراف فكري وهو ما نطلق عليه التطرف، نشاهد نماذجه موجودة في كافة الفئات السابق ذكرها، ولعل أهم الجرائم الإرهابية التي وفعت في الآونة الأخيرة هو ما ارتكبه الإرهابي الأسترالي اليميني المتطرف برينتور تارنت يوم الجمعة 15مارس 2019 من جرم أدى لقتل 50 مصلياً من المسلمين داخل مسجدين بمدينة (كرايست تشيرش) بنيوزيلاندا، وأصاب العشرات أيضاً مستخدماً بندقية رصاص، مرتدياً خوذة ونظارة وسترة عسكرية، وفككت الشرطة عبوات ناسفة عُثر عليها في سيارته.
تشير أصابع تارنت لـ “علامة القوة” لتفوق العرق الأبيض
وأدانت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن الحادث في أول تعليق رسمي على الهجوم، ولكنها لم تعتبره عملاً إرهابياً.. !!!
واليمين المتطرف في أوربا وأمريكا لا يقبل الآخر كمبدأ عام، وقد ارتكب هؤلاء المتطرفون العديد من الجرائم الشائنة التي لا تقل وحشية عما يفعله إرهاب داعش، ونشير بإيجاز لجانب من جرائم أصحاب الصور عاليه : * أندرس بريفك ـــ 32 سنة، نرويجي، التحق عام 1999 بحزب “التقدم” اليميني المتطرف، ثم تركه عام 2006 لانفتاح الحزب على التعددية الثقافية ــــ وفي 22 يوليو 2011 قتل بريفك (8) أشخاص وجرح (209) في أوسلو بعد أن استهدف مقر الحكومة النرويجية بتفجير قنبلة، ثم قتل (67) وجرح (33) مشاركاً في مخيم صيفي لشباب ينتمون للحزب الحاكم بجزيرة أوتويا، وحكم عليه بالسجن 21 عاماً.
* ديلان رووف أمريكي (21 سنة)، هاجم يوم الأربعاء 17 يونيو 2015 كنيسة في الثامنة مساء تقريبا بالتوقيت المحلي لمدينة شارلستون بساوث كارولينا وقتل تسعة من المصلين أصحاب البشرة السمراء رمياً بالرصاص، وحُكم عليه بالإعدام.
* روبرت باورز، أمريكي، 48 سنة، قتل 11 يهودياً في كنيس يهودي بولاية بنسلفانيا الأمريكية في 27 أكتوبر 2018، وحُكم عليه بالإعدام.
وجدير بالذكر أن جانباً من هؤلاء اليمينيين المتطرفين يرون ضرورة تنقية بلادهم من كل ما هو غير أبيض البشرة، لتعود خالصة لهذا الجنس وحده، وآخرين يدعون لإخراج اليهود والمسلمين من بلادهم، ومنهم أيضاً ــــ تارانت ــــ من ينادي بعودة تركيا إلى ما وراء البسفور (أي تخرج من أوروبا) مع أخذ الثأر مما فعله السلطان محمد الفاتح قبل مئات السنين عندما توجه بجيوشه فأسقط بيزنطة.. وتعهد الإرهابي بأن كنيسة آيا صوفيا ستعود لأصحابها وستتم إزالة المسجد الذى أقيم بها. ولقد كانت إشارة التوعد والتهديد بالقوة التي رسمها تارانت بأصابعه وهو يَمثُل أمام قاضى التحقيق أبلغ من أي حديث.. فالرجل مقتنع بما اقترفت يداه ولا يشعر بالندم، بل يحسب أن له مهمة مقدسة، هذه هي سمات الشخصية اليمينية المتطرفة.. .
وحيث صدرت إدانات من قيادات دول العالم بشكل عام، نجد الرئيس التركي أردوغان يدين الجرم بطريقته الخاصة أمام تجمع انتخابي، حيث رد الرئيس التركي على العبارات المتطرفة التي وردت في رسالة تارانت قبل تنفيذ الهجوم على المسجدين قائلا ” لقد جاء أجدادك وعادوا في توابيت، فإذا أتيت تركيا، فتأكد أنك ستعود مثلهم”، ولم يكتف أردوغان بالرد على عبارات تارانت المتطرفة، بل استغل الهجوم على المسجدين في نيوزيلندا خلال خطابه، وعرض فيديو المجزرة ــــ الذي بثه الإرهابي عبر الإنترنت ــــ عرضاً متكرراً خلال كلمته، على الرغم من قيام “فيس بوك” وشركات عدة أخرى بحذفه بسبب بشاعته.. !!! لهذا وجه وزير الخارجية النيوزيلندي وينستون بيترز رسالة استهجان لأردوغان لاستخدامه فيديو الهجوم على المسجدين، مشيراً إلى أنه أخبر وزير خارجية تركيا مولود أوغلو بخطورة ذلك على نيوزيلندا. ونقلت وكالة ” الأناضول ” الرسمية عن أردوغان قوله مخاطبا منفذ الهجوم “عليك أن تدفع ثمن ما اقترفت يداك، وإن لم تحاسبك نيوزيلندا، فنحن نعرف كيف نحاسبك بشكل من الأشكال “.
وعلى جانب آخر معاكس ظهرت رئيسة الوزراء النيوزيلاندية بمظهر مشرف لقيادة سياسية محترفة وواعية، حيث أدانت الحادث بأشد العبارات، ووعدت بمحاكمة حاسمة للمجرم، وانتقلت لمقابلة أسر الضحايا مرتدية حجاباً وواستهم بصدق ظهر واضحاً على أدائها، ولم تذكر اسم الإرهابي في كل خطاباتها عن الواقعة، بل ووجهت بأن تقوم وسائل الإعلام ببث مباشر لآذان الجمعة التالية مباشرة للحادث، وشاركت الأسر المكلومة تأبين ضحاياها، وألقت خطاباً مؤثراً أمام البرلمان واختتمته بتحية الإسلام.. فأين أنت يا أردغان من هذا الأداء، للأسف ظهر رئيس تركيا بمظهر لا يليق ببلده العظيم.. ولم يفلح في تغيير صورته القاتمة رغم كل محاولاته التالية لتصحيح السقطات المشينة التي وقع فيها.. .