كيف تحدث عملية التعرق؟
يحتوي الجسم على أكثر من مليوني غدة عرقية، وهي نوعان: غدد عرقية ناتحة أو خارجية الإفراز “الإكرين” Eccrine، وهذه تغطي معظم الجسم، وغدد مفترزة الأبوكرين Apocrine، وهي غدة عرقية مكانها المغبن أو المنطقة الإربية أي أصل الفخذ (Groin) والإبط. وتعمل غدد العرق الناتحة كمنظم للحرارة، في حين أن الغدد المفترزة تستجيب للشدة العاطفية، وهي الغدد المنتجة للرائحة.
يخرج العرق من الجسم عبر أحد هذين النوعين من الغدد، فعندما يصبح الجسم والجلد حارًا جدًا، ترسل مجسات الحرارة رسالة إلى الدماغ بدرجة الحرارة، وهناك في الدماغ تقوم منطقة (تحت المهاد) التي هي عبارة عن تجمع صغير للخلايا التي تتحكم في شعورنا بالجوع والعطش والنوم ودرجة حرارة الجسم، بإرسال رسالة إلى خلايا الأبوكرين (المفترزة)، وخلايا الإكرين التي تبدأ بدورها في إفراز العرق.
والعرق مادة حمضية، يتكون بشكل أساسي من الماء مع بعض الأملاح والفيتامينات الذائبة فيه والتي تتحدد بشكل أساسي بناء على النظام الغذائي للفرد، من أمثلة هذه الأملاح البوتاسيوم، الصوديوم، فيتامين ج.
هناك نوع أخر من العرق يسمى العرق البارد وهذا النوع يحدث عند التوتر أو العصبية أو الخوف الشديد، أما إذا كان يحدث باستمرار خاصة أثناء النوم فلابد من استشارة الطبيب فورًا، لأنه قد يكون أحد الأعراض التي تشير إلى الإصابة بأمراض خطيرة، خاصة إذا ترافق مع أعراض أخرى كالدوار والغثيان.
ما هو السبب في الرائحة واللون المصاحب للعرق؟
يحتوي العرق الناتج علي بروتين وأحماض دهنية مما يجعله أكثر سماكة ويعطيه لون مصفر. وهذا ما يفسر ظهور بقع صفراء في الملابس تحت الإبط، فالعرق نفسه ليس له رائحة، ولكن تقوم البكتيريا الموجودة في الجلد والشعر بعملية التمثيل الغذائي Metabolism مما يتسبب في تلك الرائحة الكريهة، وهذا هو السبب الذي يجعل مزيلات العرق يتم وضعها تحت الإبطين وليس في الجسم كله.
لماذا كان بعض الناس أغزر عرقاً من سواهم؟
يتساوي الناس تقريبًا من حيث عدد وحجم الغدد العرقية في أجسامهم، ولكن هنالك قدرًا كبيرًا من التنوع الفردي في كمية العرق الذي تفرزه غددهم العرقية، غير أن الجهاز العصبي المستقل في الشخص يطلق رسائل إلى الغدد العرقية، ويبدو أن غدد بعض الناس أشدُّ تحسسًا بتلك الرسائل من غدد سواهم. والظاهر أن مقدار هذا التحسس هو شيء وراثي يسري في الأُسر.
ماهو معدل إنتاج العرق؟
يحتوى جسم الإنسان على حوالي مليونين من الغدد العرقية، وتقوم هذه الغدد بإفراز كمية كبيرة من العرق في اليوم الواحد تقدر بحوالي نصف لتر في الشخص الذي يقضي وقته دون نشاط جسدي ملحوظ، وحوالي عدة لترات في الشخص الذي يقوم بنشاط جسدي ملحوظ، ولذا فإن كمية العرق التي يفرزها الجسم تعتمد على مدى النشاط الجسدي الذي يقوم به، بالإضافة إلى تأثير درجة الحرارة ودرجة الرطوبة في الجو.
أهمية العرق وفوائده لجسم الإنسان
أغلب الناس ينظر إلى العرق على أنه وسيلة لتبريد الجسم فقط وأنه مع وجود مكيفات الهواء الحديثة في المكاتب والمنازل والأسواق والمساجد والسيارات فإن التعرق صار أمرا غير مرغوب فيه فهل هذا الاعتقاد صحيح ؟
من الواضح أن في توزيع هذه الغدد العرقية بهذا الشكل نعمة كبيرة من المولى عز وجل، صحيح أن الفائدة الرئيسية للعرق هى تبريد الجسم عند القيام بمجهود إلا أن لها وظائف أخرى تقوم بها منها:
1- تخليص البشرة من البثور والحبوب، فالعرق يُخرج جميع الأتربة والغبار الموجودة بداخل المسامات معه.
2-تخليص الجسم من العناصر الخطيرة والمضرة به كالألومنيوم، والمنغنيز، والزئبق، والرصاص، التي إذا بقيت أدّت لتسمّم في الدم.
3-تخليص الجسم من البكتيريا والفطريات التي غالبًا ما تتواجد على سطح الجلد، فعند خروجه يدفعها معه للخارج.
4-المساعدة على فقدان الوزن وتحقيق الوزن المثالي للجسم، فكثير من طرق حرق الدهون تعتمد على إخراجها على شكل عرق من الجسم.
لكل إنسان خاصية في رائحة عرقه لا تتكرر في آخر
توصلت دراسة حديثة قام بها فريق دولي من العلماء بقيادة النمساوية إليزابث أوبرزوشر تؤكد أن رائحة العرق الإنساني تختلف إختلافًا جذريًا وكاملاً من إنسان لآخر، كما تختلف حتى بين التوائم، وكذلك بين النساء والرجال، ما يُمكن من اعتمادها كوسيلة للتحقق في المطارات مثلاً، ومع مزيد من التطور في حالات الجرائم لاسيما لمرتادي الإجرام. وقد ثبت للباحثين أن العرق يحمل مكونات عضوية أقوى وأكثر تنوعًا وارتباطًا بكل شخص، وصل عددها إلى 373 مكونًا تختلف من إنسان لآخر، وثبت تشابه مكونات أخرى تمامًا كما في المكونات المتشابهة بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين أفراد النوع الواحد، والفئات العمرية الواحدة كذلك.
فلكل شخص رائحة معينة تحددها الجينات، وهذه الرائحة الوراثية لا تزول، بل يمكن التعرُّف عليها عبر أساليب التحليل الكيميائي التي تتمكن من تمييز بصمة الرائحة من بين الروائح الأخرى. ويُقال إن بصمة الرائحة يمكن تمييزها بعد شهر أو سنة أو حتى بعد عشر سنوات؛ فهي جزيئات يمكن أن يخلفها أي شخص في المكان الذي يتواجد فيه.
تركيبة العرق الكيميائية وارتباطها بالشخصية
ليس كل ما يخرج من جسمنا عبارة عن مواد كيميائية فقط، فالبعض يتعرق بسبب شعوره بالخجل مثلاً أو بالخوف، أو لأنه ببساطة تناول طعامًا كثير التوابل، وهكذا ترتبط نوعية وكمية التعرق بالشخصيات وبالمشاعر، فالشخص الذي يعيش حالة عاطفية ما (توتر- خجل – خوف) يتعرق أكثر من غيره في مناطق راحة اليدين والجبين وأطراف القدمين. ففي هذه المناطق يكثر عدد غدد الإكرين، إذ يصل عددها إلى 700 غدة لكل سم مربع. وعليه فإن كمية التعرق ومكانها هما أول دليل على مشاعر وشخصية الآخر.
عرق العواطف أداة هامة للاتصال
في الواقع يمكن للرائحة التي نشمها للعرق أن تخبرنا الكثير عن مشاعر الآخرين. ففي إحدى الدراسات، قام خمسة من علماء النفس من جامعة أوتريخت بجمع عينات عرق لعشرة من الرجال وهم يشاهدون أشرطة الفيديو مصممة لاستحضار مشاعر الخوف أو مشاعر الاشمئزاز، ومن أجل تجنب اختلاط الرائحة، وافق المتطوعون على التخلي عن تناول الأطعمة ذات الرائحة الكريهة، والكحول، والتدخين، و ممارسة التمارين الرياضية القاسية لمدة يومين قبل التبرع بعرقهم.
بعد ذلك، طلب من 36 امرأة أن يحاولن معرفة ما إذا كان بإمكانهن الكشف عن أي منبهات عاطفية مخبأة في عينات العرق، ومن خلال ذلك وجد الباحثون أنه عندما تم عرض عينات العرق المأخوذة عند الخوف على النساء، بدا على ملامحهن تعابير الخوف أيضاً، وعندما عرض عليهن عينات العرق المأخوذة عند الشعور بالاشمئزاز، عكست وجوههن تلك العاطفة أيضاً.
بينت هذه النتائج للباحثين أن العرق يمكن أن يكون وسيلة فعالة لنقل الحالة العاطفية من شخص إلى آخر، والأهم من ذلك، هو أن تعبيرات الوجه التي أبدتها النساء حين شم رائحة العرق، كانت مستقلة تمامًا عن تصوراتهن الذاتية حول مدى لطافة الروائح أو شدتها، فحتى ولو كانت عينة العرق ذات رائحة لطيفة نسبيًا تبعًا لما تشير إليه النساء، فإن ملامحهن كانت تظهر علامات الاشمئزاز.
بقلم/ محمد السقا عيد
المصدر: مجلة حراء