بقلم : مايسترو
(زمان التركية)ـــ نشرت جريدة ” Le monde” الفرنسية في 25 فبراير 2019 مقالاً للمصلح الاجتماعي الأستاذ فتح الله غولن بعنوان ” فشل التجربة الديمقراطية التركية لم يأت نتيجة للتمسك بالقيم الإسلامية، بل نتيجة لخيانتها ” دافَعَ من خلاله الكاتب عن الإسلام في مواجهة من أساؤوا إليه خاصة من أتباعه؛ مركزاُ الضوء على الخطايا التي يرتكبها الرئيس التركي أردوغان، وسنتوقف أمام بعض العبارات التي وردت بالمقال، ولتكن البداية بقول الأستاذ غولن :
ويستطرد الأستاذ قائلاً “… فالقرآن الكريم يأمر المؤمنين بعدم السكوت عن الظلم، وقال تعالى في كتابه الحكيم ” يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ” ـــــ 135 النساء).
ونرى أن أكثر ما يصدمك في هذا الأمر؛ أن يصدر الظلم من حاكم مسلم لدولة كبيرة كتركيا، فضرب أردوغان المثل السيء لولي الأمر المسلم، فأين هو من قوله تعالى ” يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” ـــــ 8 المائدة) ففي هذه الآية الكريمة يُلزم المولى عز وجل المؤمن بأن يعدل ولا يظلم، حتى لو تعلق الأمر بأشخاص يكرههم، وربط المولى العدل بالتقوى، وبهذا تسمو القيم الإسلامية على القيم الإنسانية التي يعرفها ويطبقها البشر، هذا وتأكد للعالم كيف جنح أردوغان بعيداً عن هذه القيم وأصبح سلوكه مستهجناً.. فقد ظلم الآلاف من أبناء شعبه بدعوى الاشتراك في الانقلاب، ليس هذا فحسب بل ألصق زوراً وبهتاناً بحركة الخدمة ضلوعها في الانقلاب ليتخلص من منافس شريف يراه مهدداً لعرشه.. ورغم الظلم الذي حاق بأبناء هذه الحركة إلا أن قائدها غولن لم يدع أنصاره إلى مواجهة الدولة التركية بالعنف، فانتمائه الوطني والإسلامي منعه من مناصبة العداء لبلده، رغم فداحة الظلم الذي نال أتباعه في حرياتهم وأموالهم بل وفي حقهم في الحياة، ويعلم أردوغان أن مخابرات أجنبية طالبت غولن بأن يحرض أتباعه على اتخاذ العنف سبيلاً في مواجهة جور السلطات التركية.. ولم يمتثل الرجل بحكمته وإيمانه لهذه الدعاوى المغرضة، بينما على جانب آخر نجد تنظيم الإخوان المسلمين في مصر قد ضربوا المثل في خيانة الوطن؛ فقد امتثلوا لأوامر أجهزة مخابرات غربية يعلمون علم اليقين مدى عدائيتهم لمصر والمنطقة العربية والإسلام..؛ والصادم في الأمر أيضاً أن أردغان احتضنهم ووفر لهم ملازاً آمناً في تركيا، كما منحهم منصات إعلامية يوجهون من خلالها سمومهم للدولة المصرية بدعم مخابراتي لا تخطئه عين.. فهل هذا من الإسلام في شيء ؟؟؟ .
ولنتوقف أيضاً أمام كلمة بالغة الأهمية في مقال الأستاذ غولن، حيث أكد على أن (… مصطلح ” الدولة الإسلامية ” متناقض في حد ذاته؛ فالإسلام لم يتأسس على أساس كهنوتي ولا يوجد فيه رجال دين، وبالتالي فالثيوقراطية أو نظام الحكم المبني على الدين يبقى شيئا غريبا عن روح الإسلام، أما الدولة، بما أنها مُخرَج وبناء بشري نتج عن عقد اجتماعي، فلا يمكن وسمها بأنها ” إسلامية ” أو ” مقدّسة “) فيدعو الأستاذ هنا إلى أن الدولة بشكل عام يجب أن تكون مدنية بحق، فإذا نُعِتت بأنها إسلامية، فستكون هناك أخرى يهودية ــــ وقد نادى بها نتنياهو بالفعل ـــــ وبالطبع ستكون هناك دولاً مسيحية.. وفي هذا تمييز بين الدول على أساس ديني، وهو ما يتعارض مع مبادئ التعايش السلمي الدولي. ويبدو واضحاً أن أردوغان يراوده حلم الخلافة الإسلامية التي تدعو إليها جماعة الإخوان وداعش والقاعدة ومن هم على شاكلتهم، وهو ما يبرر مؤازرته للخونة أتباع تنظيم الإخوان المسلمين في مصر.
هذا ويحتم علي انتمائي العربي وحبي وتقديري لدولة الجزائر الشقيقة وشعبها البطل علي أن أناشدهم بالحفاظ على وطنهم، واختيار من يرونه مناسباً لقيادة البلاد بكل حرية، مع تحفظ هام يتمثل في الحذر من الأشخاص المتطرفين دينياً.. وإني على يقين بأن الشعب الجزائري يعلمهم ولن ينخدع باتخاذهم راية الإسلام ستاراً يتوشحون به في المعركة الانتخابية القادمة، فمن يفعل هذا هم من يتاجرون بالدين فليحذروهم، وجدير بالذكر أن مصر شهدت فصولاً من هذا القبيل، فجماعة الإخوان المسلمين لسنوات طوال تاجروا بشعار ” الإسلام هو الحل ” وبهذا احتكروا الإسلام في مواجهة خصومهم السياسيين، وللأسف انخدع الكثير من الشعب المصري فيهم.. ! وإذا كانت التجارب تؤخذ منها الدروس والعبر.. فلدينا وطيد الأمل أن يعي الشعب الجزائري خلاصة التجربة المصرية المشار إليها، وندعو الله بأن يوفق الجزائريين في اختيار قادتهم، في ظل دولة مدنية متحضرة، وبالطبع فإن تطبيق المبادئ الإسلامية التي تسمو على المبادئ الإنسانية سيكون منهاجاً للقيادات المعتدلة التي يمنحها الشعب ثقته.. بعيداً عن تجار الدين وأدعياؤه.