بقلم: مايسترو
(زمان التركية) – إذا كان التطرف هو البعد عن الوسطية في أي أمر من أمور الحياة، فإن التطرف الديني يعد أخطر أنماطه، ولا شك أن البعد عن الوسطية في فهم المسلمين لدينهم أمر قد يبعد قليلاً عن الوسطية وقد يكون في أبعد نقطة عن الوسطية، ولنوضح الأمر أكثر فإن ارتداء المرأة لحجاب هو أمر يعبر عن فهمها للدين بشكل سليم ” وسطي “، وهناك نساء ورجال يعتقدن أن الإسلام يُلزم المرأة بارتداء النقاب وألا تخالط الرجال في العمل.. وهنا نكون أمام نمط متقدم من التشدد في فهم الدين، ولعل أخطر أنواع التطرف الإسلامي هو من يذهب أصحابه إلى تكفير غير المسلمين وكذا تكفير المسلمين ممن هم على غير شاكلتهم في فهمهم للدين، ويرتبون على التكفير استحلال دماء وأموال الكافرين.. .
وتسعى التنظيمات الدينية المتطرفة إلى استقطاب عناصر جديدة تنتمي إليها وتؤمن بفكرها، باعتبار أن هذا يمثل هدفاً استراتيجياً للتنظيم، توضع له الخطط وآليات التنفيذ بشكل احترافي، ونقطة البدء التي غالباً ما تتبعها هذه التنظيمات في تجنيد أتباع لها تتمثل في استقبال أطفال أو شباب في سن مبكرة لتعليمهم القرآن وبعض دروس الدين بدعوى حمايتهم من أي انحراف سلوكي؛ ويتم هذا وفق برامج تشتمل في جانب منها على رحلات ترفيهية وممارسة لبعض الرياضات البدنية؛ ولا يتحمل بالطبع المشارك في هذه البرامج أية تكلفة مالية، بل وكثيراً ما يقوم التنظيم بدعم مالي لأفراده ممن لديهم مشاكل مادية في حياتهم؛ فيصبح التنظيم بهذا سنداً لأتباعه، ويترتب على هذا الدعم الولاء الكامل من المنتمين للتنظيم، ومن ثم يقبلون مبدأ السمع والطاعة.. هذا كما تحاول التنظيمات الدينية المتطرفة عزل أفرادها عن المجتمع الذي يعيشون فيه، بخلق شعور بالشك والريبة وربما بالرفض لكل من هو خارج التنظيم.. وبهذا فإن التطرف والإرهاب صناعة؛ فلا يُولد الإنسان على هذه الحالة أو تلك.
ولما كان التطرف الديني هو أخطر أنواع التطرف؛ حيث يعتقد المتطرف أنه مُوكَل من المولى عز وجل في تنفيذ أحكام الدين؛ وأن سلوكه هو ترجمة لأوامر الخالق، وبهذا فلا يتردد في تفجير نفسه لقتل خصومه، في ظل اعتقاد زائف بأن ما يقوم به هو جهاد في سبيل الله، وأنه إن مات فهو شهيد وسيكون مثواه الجنة مع الحور العين، وفي صحبة الرسل والأنبياء والصديقين.. !!! لذا فإن حماية أبنائنا من الانخراط في هذه التنظيمات الدينية المتطرفة أمر بالغ الأهمية، وإذا كان للدولة وأجهزتها ومنظمات المجتمع المدني أدواراً هامة في هذا السياق.. إلا أن الأسرة يظل لها الدور الأبرز في توفير الحماية لأبنائها من مخاطر التطرف الديني، وبالتالي وقايتهم من الانجرار لدخول دائرة الإرهاب؛ وسوف نوجز الحديث في هذا الشأن بتقديم إجابات لسؤالين رئيسيين مرتبطين بهذا الموضوع؛ على النحو الآتي بيانه :
أولاً : كيف تكتشف أن أحد أفراد أسرتك بدأ في الدخول لدائرة التطرف الديني ؟
هناك بعض المتغيرات في سلوك الشخص تنبئ عن دخوله في دائرة التطرف الديني، بعضها شكلي والآخر موضوعي، لعل أهمها :
1ـــ تربية الذقن، وارتداء زي بشكل معين كالجلباب القصير.
2ـــ تحول سلوكه إلى نمط انعزالي، فلا يشاهد التلفاز في قنواته العادية، أو يستمع لبرامج إذاعية، ويكتفي فقط بمتابعة بعض القنوات المرتبطة بأفكار التنظيم الذي ينتمي إليه.
3ــــ إذا حدث وأجريت معه حواراً حول جهود الدولة الإصلاحية.. تجده يواجه هذا بالإنكار، بل والتنمر ضد الحكام، مع اتهامهم بالخروج على الشرعية القانونية، بل ويراهم منحرفين عن تطبيق التعاليم الدينية ـــ وفقاً لفهمه لها المستمد من مرشده في التنظيم ــــ .
4ــــ حال مناقشة المتطرف دينياً تجد أن مفهومه عن الجهاد في الإسلام يسمح له بأن ينصب العداء لأبناء وطنه باعتبارهم أعداء له؛ وتجده على استعداد لتدمير الوطن معتقداً أن أفعاله هذه هي في سبيل الله.. !!!
5ــــ تجد المتطرف دينياً تنحسر علاقاته مع أصدقاء محددين، هم طائفة يبدو عليهم ذات السمات التي ظهرت عليه ـــــ السابق الإشارة إليها ـــــ وغالباً ما يتردد على مساجد بعينها في منطقته حتى ولو كانت بعيدة نوعاً ما عن سكنه، لمقابلة أقرانه من المتطرفين.
6ـــ المتطرف دينياً لا يستمع إلى الأغاني ولا يشاهد الأفلام والمسلسلات التليفزيونية التي كان في السابق معتاداً على متابعتها.
7ـــ شخصية المتطرف دينياً تميل غالباً إلى الكآبة، فنادراً ما تجده مبتسماً، ويتخذ مواقف حادة مع الآخرين في غالب أمره.
* وغني عن البيان أنه لا يشترط توافر كل المظاهر التي تم ذكرها في حق شخص ما للتنبؤ بتطرفه الديني.. كما أنه وبعد التأكد من تطرفه فيحظر استعمال العنف كوسيلة للمعالجة الفكرية للمتطرف، حيث يؤدي هذا غالباً إلى مزيد من التطرف، فمواجهة الفكر دائماً بالفكر المستنير المضاد، ويجب أن يتم هذا الإرشاد من خلال أشخاص أصحاب علم وخبرة، ويفضل أن يكونوا ممن يثق فيهم المتطرف ويحترمهم.
ثانياً : هل التطرف الديني في ذاته حالة يجرمها القانون ؟
القوانين العقابية لا تجرم مجرد الأفكار والمعتقدات، إلا إذا اتخذ صاحبها، أي المتطرف، مواقف إيجابية معينة تعد أي منها جريمة جنائية؛ وعلى سبيل المثال فإن القانون المصري يجرم الأفعال الآتية :
1ــــــ الترويج للإرهاب؛ فقد ذهبت المادة 28 من القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب إلى أنه ” يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنين كل من روج أو أعد للترويج بطريق مباشر أو غير مباشر لارتكاب أية جريمة إرهابية سواء بالقول أم الكتابة أم بأية وسيلة أخرى.
ـــــ ويعد من قبيل الترويج غير المباشر؛ الترويج للأفكار والمعتقدات الداعية لاستخدام العنف، وذلك بأي من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة السابقة من هذه المادة. وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنين إذا كان الترويج داخل دور العبادة أو بين أفراد القوات المسلحة أو قوات الشرطة أو في الأماكن الخاصة بهذه القوات… “.
2ــــ كما ذهبت المادة 29 من القانون المشار إليه إلى أنه ” يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنين كل من أنشأ أو استخدم موقعاً على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية… “.
3 ــــــ الانضمام لتنظيم إرهابي يعد جرماً في ذاته حتى لو لم يقترف العنصر المنضم له أية جرائم إرهابية؛ وفي هذا الشأن ذهبت المادة 12 من قانون مكافحة الإرهاب المصري إلى أنه “… ويعاقب بالسجن المشدد كل من انضم إلى جماعة إرهابية أو شارك فيها بأية صورة مع علمه بأغراضها… “.
هذا ويدخل في دائرة التجريم أحياناً رفع شعارات أو استخدام إشارات لها دلالات معينة؛ وقد جرمت النمسا مؤخراً رفع أو استخدام رموز لعدد من الحركات والتنظيمات؛ من بينها الحركة القومية التركية المتحالفة مع الحزب الحاكم، ورمزها ” الذئب الرمادي “، وكذلك شارة ” رابعة ” التي يرفعها عناصر جماعة الإخوان كما يتخذها حزب العدالة والتنمية الحاكم شعارًا ل، وتحدى وزير الخارجية التركي مولود جاووش موقف النمسا بقوله : في الزيارة الأولى للنمسا سأخرق هذا الحظر من خلال رفع رمز « الذئب الرمادي » !!!.
وأكد كريستوف بلوتسل المتحدث باسم وزارة الداخلية النمساوية أن السلطات ستطبق القانون المشار إليه بكل صرامة، وأضاف : أي شخص يخترق عن عمد الحظر المفروض على الرموز والشعارات الخاصة بالجماعات والتنظيمات المتطرفة المشار إليها في القانون سيتعرض لعقوبته؛ والتي تتمثل في غرامة تقدر بـ 4 آلاف يورو أو السجن لمدة شهر.
4ــــــ جدير بالذكر أيضاً أنه؛ إذا حرض المتطرف آخرين على ارتكاب جرائم إرهابية فهو شريك لهم في هذه الجرائم؛ وهكذا الحال إذا مول الإرهاب ( راجع المواد: 3؛ 6؛ 7؛ 13 من قانون مكافحة الإرهاب المصري السابق الإشارة إليه).