فهناك النموذج الغربي المتطرّف، نموذج الحركات الأنثوية الغربية التي تريد تَمرْكز الأنثى حول ذاتها في عالم خال من الرجال، تثور فيه الأنثى ضد الرجل وضد الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، وضد كل القيم والديانات، وهو نموذج بلغ في تطرفه وشذوذه حد الجنون. وهناك نموذج الجمود والتقليد الذي حمل ويحمل التقاليد الراكدة على الدين، فيُثْبتها ويكرسها ويقدسها حتى لكأن تحرير المرأة في هذا النموذج هو تحريرها من كل دعوات ودعاوى التحرير.
النموذج الوسطي في تحرير المرأة
وهناك النموذج الوسطي المتوازن المعبر عن حقيقة التحرير الإسلامي للمرأة. وهو الذي ينطلق من نصوص ومنطق وفقه القرآن الكريم في تحرير المرأة وإنصافها والمساواة بين النساء والرجال الذين سوّى الله سبحانه وتعالى بينهم عندما خلقهم جميعًا من نفس واحدة، وساوى بينهم جميعًا في حمل أمانة استعمار وعمران هذه الأرض عندما استخلفهم جميعًا في حمل هذه الأمانة. كما ساوى بينهم في الكرامة عندما كرّم كل بني آدم، وفي الأهلية والتكاليف والحساب والجزاء.. مع الحفاظ على فطرة التمايز بين الأنوثة والذكورة لتتم نعمة السعادة الإنسانية بشوق كل طرف إلى الطرف الآخر المتميز عنه -ولو كان ندًّا مماثلاً لما كان “آخر” ولما كان مرغوبًا تهفو إليه القلوب- ولتكون هذه المساواة في الخلق وحمل الأمانة والكرامة والأهلية والتكاليف والحساب والجزاء والاشتراك متضامنين في أداء فرائض العمل الاجتماعي العام… لتكون هذه المساواة هي مساواة تكامل الشقين المتمايزين، لا مساواة الندّين المتماثلين والمتنافرين.
وينطلق هذا النموذج الوسطي من نصوص ومنطق وفقه القرآن الكريم الذي جعل الرجل بعضًا من المرأة والمرأة بعضًا من الرجل ﴿لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾(آل عمران:195). فكل طرف هو لباس للطرف الثاني ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾(البقرة:187). وقد أفضى بعضهم إلى بعض ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾(النساء:21). وقامت روابط هذا الميثاق الغليظ –ميثاق الفطرة- الجامع لهم جميعاً على بنود عقد وعهد المودة والرحمة والسكن والسكينة ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾(الروم:21).
كما ينطلق هذا النموذج الوسطي -في تحرير المرأة وإنصافها- مع بقائها أنثى، تسعد عندما تكون سوية وتفخر وتباهي بأنوثتها، وتنفر وتهرب وتخجل من “الاسترجال”؛ كما يسعد الرجل السوي ويفخر ويباهي برجولته، وينفر من “التخنث” و”الأنوثة”… ينطلق أيضًا من التطبيقات النبوية لنصوص ومنطق وفقه القرآن الكريم. تلك التطبيقات التي حررت المرأة المسلمة، وأنقذتها من “الوأْد” المادي والمعنوي، وجعلتها طاقة فاعلة في بناء الأسرة والدولة والأمة والحضارة، ومشارِكة في سائر ميادين إقامة الدين والدنيا منذ اللحظات الأولى لإشراق شمس الإسلام.
كما ينطلق هذا النموذج الوسطي أيضًا من الاجتهاد الإسلامي الحديث والمعاصر الذي أولى المرأة ما تستحق وما يجب لها من العناية كطرَف أصيل في المشروع النهضوي المنشود الذي استهدفه تيّار الإحياء والاجتهاد والتجديد، مستندًا إلى القرآن الكريم وإلى تطبيقات التحرير الإسلامي للمرأة، في مواجهة تصورات ونماذج الغلو الإسلامي والغلو العلماني جميعًا.
والنموذج الوسطي الذي يمثل وسطية الإسلام في تحرير المرأة وإنصافها يباهي الدنيا بنماذج الريادات النسائية اللاتي حررهن الإسلامُ منذ عصر النبوة وحتى العصر الذي نعيش فيه.. ويدعو هذا النموذج إلى اتخاذ هذه النماذج الريادية أسوة وقدوة ومثلا.
ريادات نسائية في فجر الإسلام
• فخديجة بنت خويلد رضي الله عنها نموذج من نماذج الثمرات الطيبة لهذا التحرير الإسلامي للمرأة.. به كانت أسبق من كل الرجال إلى الإيمان بالدعوة الإسلامية الجديدة والوليدة.. وبه كانت الداعمة -بالعقل والحكمة والمال وأيضًا بالعواطف المعطاءة- لرسول الإسلام، ودعوته وأمته.. حتى كان عام وفاتها “عام الحزن” والحداد للجماعة المؤمنة كلها.
• وأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما كانت نموذجًا من نماذج ثمرات هذا التحرير.. تحمل أمانة سر خطة الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة؛ وهي من أخطر التحولات في تاريخ الدعوة والدولة والأمة؛ وتشارك في تنفيذ هذا الحدث الأعظم؛ وتشد أزر زوجها البطل الزبير بن العوام فتهيئ له بيته؛ وتزرع له حقله؛ وترعى فرس جهاده وقتاله؛ وتقاتل معه في بعض الغزوات؛ وتربي ولده عبد الله بن الزبير على البطولة والفداء والاستشهاد؛ وتعارض وتجابه الطغاة، من أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي.. ومع كل ذلك تظل أسماء هذه هي الأنثى التي تتزيا بالحشمة الإسلامية والشرقية، فلا تلبس ما يكشف أو يشف، وتحافظ على مشاعر الغيرة المفرطة عند زوجها.
• والشّفاء بنت عبد الله القرشية العدوية رضي الله عنها كانت ثمرة من ثمرات هذا النموذج الإسلامي لتحرير النساء. سبقت إلى الإسلام؛ وبايعت على الدخول فيه وفي أمته ودولته؛ وتميزت بالعقل والرأي والحكمة؛ واشتغلت بتعليم القراءة والكتابة حتى كانت معلمة لحفصة أم المؤمنين؛ وروت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وكانت تحاوره، وأحيانًا تلومه فيعتذر إليها صلى الله عليه وسلم؛ وبلغت -في المشاركة في السلطة والدولة- أن ولاها عمر بن الخطاب “ولاية الحسبة” أي “وزارة” التجارات والأسواق، وأوزانها ومعاملاتها.. تراقب وتحاسب، وتفصل بين التجّار وأهل السوق، من الرجال والنساء.
• وأم هانئ فاختة بنت أبي طالب رضي الله عنها كانت من ثمرات هذا النموذج في تحرير النساء.. أسلمت عام الفتح (8هـ)؛ ومع أن زوجها قد فرّ بشركه إلى نجران يوم الفتح، فلقد أجارت -أي أعطت الأمان- لرجلين من قومه كانا مطلوبين للقصاص الإسلامي؛ ووقفت -لذلك- في وجه أخيها علي بن أبي طالب الذي هم بتنفيذ القصاص فيهما فصارعته حماية لمن أجارت حتى لم يستطع منها فكاكًا؛ واستجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعهدها ولإجارتها قائلاً: “قد أجرنا من أجرتِ، وأمّنّا من أَمّنتِ يا أم هانئ.. لكن لا تُغضبي عليًّا، فإن الله يغضب لغضبه..!” فأطلقت أخاها فداعبه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: “يا علي غلبتك امرأة!..”
ولقد بلغ هذا التحرير الإسلامي بأم هانئ الذروة أن خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه زوجًا وأما للمؤمنين بعد أن فرق الإسلام بينها وبين زوجها المشرك الذي فرّ بشركه إلى نجران، فاعتذرت عن خطبة الرسول -بأدب جم وحكمة بالغة- وقالت: يا رسول الله لأنت أحب إليّ من سمعي وبصري، وحقُّ الزوج عظيم، فأخشى إن أقبلتُ على زوجي أن أُضيّع بعض شأني وولدي، وإن أقبلتُ على ولدي أن أضيع حق الزوج. فقبل المصطفى صلى الله عليه وسلم اعتذارها واحترم رغبتها في التفرغ لأولادها.. صنع ذلك وهو القائد المنتصر في لحظات الفتح الأكبر والانتصار الأعظم التي يستبيح في مثلها الفاتحون كل الحدود والسدود. غالب الرسول المنتصر عواطفه الإنسانية، واحترم حرية أم هانئ، وأثنى عليها وعلى ما تمثل من منظومة للقيم.
• وعائشة بنت أبي بكر الصديق -زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين- رضي الله عنهما، ثمرة من ثمرات هذا التحرير الإسلامي للنساء؛ كانت الزوجة الرقيقة الحبيبة؛ وراوية الأحاديث وحافظة السنة؛ والفقيهة التي تراجع القرّاء والرواة والفقهاء والمجتهدين؛ والمشيرة في الشؤون العامة؛ والمتذوقة للفنون التي تعرضها فرقة فنية -من الأحباش- في مسجد النبوة؛ والممارسة لرياضة الجري مع زوجها صلى الله عليه وسلم أثناء السفر إلى الغزو والجهاد.
• وحفصة بنت عمر بن الخطاب -زوج الرسول وأم المؤمنين- رضي الله عنهما، كانت من ثمرات هذا التحرير الإسلامي للمرأة؛ سبقت إلى الإسلام بمكة وهاجرت بدينها إلى المدينة المنورة؛ وكانت شاعرة وخطيبة فصيحة وراوية للحديث. وائتمنتها الأمة على حفظ القرآن عندما جمع المسلمون صحائفه على عهد أبي بكر الصديق فحفظته حتى أسلمته إلى الخليفة عثمان بن عفان، فنُسخت منه المصاحف التي وُزّعت على الأمصار؛ وشاركت بالرأي في تدبير شورى الأمة بعد استشهاد أبيها الفاروق؛ ورثَتْه نثرًا وشعرًا وخطبت في الناس بمناقب أبي بكر وعمر؛ وتحدثت عن سنة الإسلام في الاختيار الشوري للخلفاء والبيعة التعاقدية بين الأمة وبينهم.
• ونسيبة بنت كعب الأنصارية -أم عمارة- رضي الله عنها، كانت ثمرة ناضجة متألقة من ثمرات هذا التحرير شاركت في بيعة العقبة الجمعية التأسيسية للدولة الإسلامية الأولى، فمارست في ظلال الإسلام وتحريره للمرأة قمة الولاية السياسية قبل أربعة عشر قرنًا؛ وشاركت في بيعة الرضوان -تحت الشجرة- عام الحديبية (6هـ) “على الحرب والقتال” عندما شاع أن قريشًا قتلت مندوب المسلمين إليهم، عثمان بن عفان. وكانت أم عمارة ممن أوفى بما عاهد عليه الله.. ففي يوم أحد كانت ضمن أقل من عشرة هم الذين صمدوا لجيش الشرك فحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتل.. ويومئذ رآها الرسول وقد كسرت سنه وسالت دماؤه، وهي مشمرة قد ربطت ثوبها على وسطها تقاتل دونه وتتصدى لابن قميئة الذي اندفع نحو الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: أين محمد؟ لا نجوتُ إن نجا…! رآها الرسول وهي تتلقى في كتفها الطعنة التي أراد ابن قميئة توجيهها إلى الرسول.. وكانت أمها معها تعصب لها جراحها. وكان معها كذلك في هذه الملحمة ابنها الذي نزف فعصبت نزيفه ثم استنهضته للقتال. وعندما جُرحت جرحها الغائر في كتفها نادى الرسول على ابنها: “أمك، أمك! اعصب جرحها، بارك الله عليكم من أهل بيت”. ثم نادى على أحد الفارين كي يعطيها ترسه لتترس به.. وقال لها في إعجاب: “من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟!.. لمقام نسيبة بنت كعب يوم أحد خير من فلان وفلان.. ما ألتفت يمينًا ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني. “أما هي، التي غادرت أرض المعركة يومئذ وفي جسدها ثلاثة عشر جرحًا فلقد قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن نرافقك في الجنة… فقال صلى الله عليه وسلم: “اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة”، فقالت: ما أبالي بعد ذلك ما أصابني في الدنيا.
• وأسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية رضي الله عنها كانت هي الأخرى واحدة من الكواكب اللاتي حررهن الإسلام فأضأن في سماء تحرير المرأة المسلمة. شاركت مع أم عمارة في عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى ببيعة العقبة؛ وشهدت يوم الفتح الأعظم (فتح مكة)، وقاتلت يوم اليرموك في فتوحات الشام، وقتلت تسعة من الروم بعمود خيمتها؛ وكانت من ذوات الرأي والعقل والحكمة والدين، خطيبة فصيحة تهز أعواد المنابر إذا خطبت، وتقوم على تنظيم النساء المؤمنات، وتتزعم المطالبة بما لهن من حقوق، حتى لقد سميت في كتب السنة والسيرة بـ”وافدة النساء”، أي رسولة وزعيمة النساء في المطالبة بحقوقهن لأنها ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متحدثة باسم نساء المسلمين، فقالت: “أنا وافدة من خلفي من النساء يقلن بقولي وهنّ على مثل رأيي. إن الله قد بعثك للرجال والنساء. ولقد غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، تعلمنا فيه”. فوعدهن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن.. وروت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ثمانين حديثًا.
تلك مجرد إشارات لأمثلة من النماذج التي جسّدت نوعية التحرير الذي أنجزه الإسلام للمرأة منذ فجر البعثة النبوية وإشراق شمس حضارة الإسلام. وإذا كانت هذه النماذج شاهدةً شهادةَ صدقٍ على نوعية التحرير ونموذجه، فإن الآفاق الواسعة التي بلغتها موجات هذا التحرير تشهد على عموم النعمة التي تمثلت فيه.
نسبة أعلام النساء في حضارة الإسلام
يوم انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كان تعداد الأمة التي دخلت الدين الجديد وانخرطت في رعية الدولة الوليدة 124.000 من المسلمين والمسلمات. وعندما رصد علماء التراجم والطبقات أسماء الأعلام والصفوة والنخبة التي تربّت في مدرسة النبوة وتميز عطاؤها في مختلف ميادين العطاء، رصدوا أسماء نحو ثمانية آلاف من صفوة الصفوة، فكان من بينهم أكثر من ألف من النساء. أي إن التحرير الإسلامي للمرأة قد دفع إلى مراكز الريادة والقيادة أكثر من واحدة من بين كل ثمانية من الصفوة والنخبة إبان التحرير الإسلامي في أقل من ربع قرن من الزمان، وهي أعلى نسبة للريادات النسائية في أي ثورة من ثورات التحرير أو نهضة من النهضات.
وإذا كانت رياح الجاهلية قد أعادت بعض التقاليد والعادات التي سبقت وسادت مجتمعات ما قبل الإسلام، فإن هذه التقاليد الراكدة لم تستطع غلبة إنجازات التحرير الإسلامي للمرأة رغم مغالبتها لهذه الإنجازات، فظلّت روح هذا التحرير وثمراته ملحوظة حتى في عصور التراجع الحضاري الذي أصاب عالم الإسلام. فظلت حياتنا الاجتماعية الإسلامية زاخرة بنماذج النساء المُحدّثات والفقيهات والشاعرات والأديبات اللائي بلغ شأوهن في العلم الحد الذي تتلمذ عليهن وأخذ “الإجازة” العلمية منهن عدد من كبار أئمة الفقهاء والحفاظ والمحدّثين والمجددين.
وعندما رصد عالِم التاريخ والتراجم والطبقات “عمر رضا كحّالة” أعلامَ النساء اللائي تفوّقن وبرزن وتقدمن صفوف الصفوة في تاريخنا الحضاري، إذا به يترجم لثلاثة آلاف من أعلام النساء في المحيط العربي وحده، وهو محيط لا يمثّل إلا خُمس أمة الإسلام.
صحيح أن نسبة الصفوة وأعلام النساء في تاريخنا الحضاري كان يجب أن تكون أضعاف أضعاف هذا العدد، وذلك قياسًا على حجم وتعداد صفوة وأعلام النساء في عهد النبوّة. لكن يظل هذا التعداد شهادة صدق للنموذج الإسلامي في تحرير النساء، ووِسامًا على صدر حضارة الإسلام تباهي به كلّ الحضارات. فلقد استعصى هذا النموذج على الهزيمة أمام العادات والتقاليد الراكدة التي عادت فسادت في حقبة تراجعه الحضاري، فظل فاعلاً على امتداد تاريخ الإسلام، ثم عاد لتتألق معالمه المتميزة في اجتهادات مدرسة الإحياء الإسلامي الحديث والمعاصر.
رسالة الإسلام رسالة إحيائية
إن الحضارة الإسلامية التي جسّدت الإحياء الإسلامي في مختلف ميادين الإبداع الحضاري، لأن الإسلام هو الإحياء في مختلف هذه الميادين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾(الأنفال:24).. إن هذه الحضارة الإسلامية قد أفرزت أعلام العلماء -في مختلف ميادين العلم بما في ذلك الفلك والطبيعة والجبر والحساب والهندسة والرياضيات والطب والصيدلة…إلخ.- قبل أن يمر قرن من الزمان على إشراق شمس الإسلام، ناهيك عن العلوم الشرعية والإنسانية والاجتماعية والآداب والفنون. بينما الحضارة الغربية في أوروبا قد ظلّت ستة عشر قرنًا قبل أن تشهد عالِمًا واحدًا في الفلك.
وإذا كان الإيمان الإسلامي، وفقه الدعوة الإسلامية، وشورى هذه الدعوة قد بدأت جميعها بامرأة وهي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.. وإذا كانت علوم الإسلام قد عرفت الريادات من النساء منذ فجر الدعوة وعلى امتداد تاريخها الطويل.. فإن الحضارة الغربية لم تعرف عالمة في النصرانية ولاهوتها. أما هذا الذي سمّوه في النهضة الأوروبية تحرير المرأة فلقد جاء هو الآخر -كتحرير العلماء- على أنقاض سلطان الدين والكنيسة واللاهوت. ولذلك جاء رد فعل لاديني يحرر المرأة من الدين بدلاً من أن يحررها بالدين.
لذلك كانت رسالة العقل المسلم هي حماية المجتمع المسلم من الوقوع في مستنقع التقليد، تقليد الآخر الغربي. وسواء أكان التقليد للنموذج الغربي المغالي في مناقضة الفطرة والقيم، أم كان تقليدًا للعادات والتقاليد الاجتماعية البائدة، فإنه مرذول. وفي النموذج الإسلامي الوسطي لتحرير المرأة بالإسلام النموذج المثالي الذي يحرر المرأة مع الحفاظ على فطرة التمايز بين الأنوثة والذكورة، تلك التي فطر الله الناس عليها، من الذكور والإناث جميعًا. فهو تحرير تَسعد به المرأة بدلاً من أن تشقى بالنموذج الغربي للتحرير، أو تظل حبيسة العادات والتقاليد الراكدة التي يحملها البعض زورًا وبهتانًا على حقيقة الإسلام..
بقلم/ محمد عمارة