ظهور جواز السفر في الحضارة الإسلامية
ذكر النووي في كتابه “بستان العارفين”، ” أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، منع السفر إلي أرجاء الدولة إلا بأذن منه لمدة معينة، وبوثيقة موقعة بخط يده، إذ رأي أن الدسائس والفتن، بدأت تدخل علي المسلمين”(1)، إلا أن بعض الباحثين يرجع بدايات اتخاذ جواز السفر عند المسلمين، إلي أوائل المائة الثانية للهجرة، في ديار المشرق في مصر والشام والعراق، ومما يدعم هذا الرأي العثور على وثيقة لجواز سفر كان معمولاً به خلال تلك الفترة، أوردها المستشرق جروهمان في كتابه “أوراق البردي العربية” ونصها “بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من عبد الله بن عبيد الله، عامل الأمير عبد الله بن الحبحاب علي أهل أشمون لقسطنطين، شاب أبط بخده أثر وبعنقه خالان، سبط من أهل بسقنون من أعلي أشمون، إني أذنت له أن يعمل بأسفل أشمون، لوفاء جزيته والتماس معيشته، وأجلته شهرين من مستهل ذي الحجة إلي أنسلاخ المحرم سنة ست عشرة ومائة، فمن لقيه من عمال الأمير، أو غيرهم فلا يتعرض له في ذلك الأجل إلا بخير والسلام على من أتبع الهدي، وكتب طليق في مستهل ذي الحجة تمام سنة عشرة ومائة “(2). ومما نلحظه هنا من خلال استعرضنا لأول صيغة لجواز سفر في العصر الإسلامي ما يلي
1-أن يكون طالب الجواز حسن السيرة والسلوك، وأن تكون ذمته بريئة من الضرائب، وذلك قبل إعطائه الجواز.
2ـ-كتابة العلامات المميزة والفارقة في جسم حامل هذا الجواز، بأنه شاب أبط ( أي حسن الخلق ) وسبط أي مستقيم الجسم، وفي خده وعنقه فوارق يتميز بها عن غيره ، لتسهيل العثور عليه ، في حالة أخلاله بالمدة المحددة، وأيضاً كوسيلة من وسائل التحقق من الشخصية قبل ظهور التصوير ، الذي سهل الكثير من الأمور في طريقة التعرف علي الشخص المراد .
3-إعطائه مدة معلومة شهرين، وأنه لا يعطي الجواز من مدينة داخل البلاد إلى أخري داخلها، إلا في حالة أسموها في عصرنا حالة الطوارئ، بأن لا يرخص لأحد بالإقامة في بلد داخل بلاده إلا بأذن خاص حالة الدخول وحالة الخروج، عدا التوصية بحامل الجواز كما هو الشأن في جوازت السفر في أيامنا.
جواز السفر في العصور الإسلامية المختلفة
وإذا تتبعنا مسيرة جواز السفر في العصور الإسلامية المختلفة ، فنجد في عهد الدولة الطولونية ، بلغ الاهتمام به مبلغاً عظيماً حيث كان ” لا يجوز لرجل أن يخرج من مصر علي عهدهم الإ بجواز” (3) وفي بلاد الشام وأطرافها يرجع صدور أول جواز سفر إلي النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وبالتحديد سنة 242م، أثناء حكم المعتضد بالله العباسي، الذي جاء في سيرته مايلي ” كان شهماً عاقلاً، ظاهر الجبروت ولي الخلافة والدنيا خراب والثغور مهملة، فقام قيامًا مرضيًا حتى عمرت مملكته وكثرت الأموال، وضبطت الثغور، وحررت أجوزه السفر للخارجين منها والداخلين عليها” (4). وفي عهد عضد الدولة البويهي، أحدث لأول مرة نظام مراقبة الأبواب في عاصمة بلاده شيزار، حتى قال المقدسي البشاري في حقها ” ومانع الخارج منها إلا بجواز، وحبس الداخل والمجتاز”(5).
وفي العصر المملوكي، تم وضع نظام دقيق لجوازات المرور، التي كانت تعرف في ذلك العهد بأوراق الطريق، فلم يكن أحد يستطيع مغادرة الناحية التي يقيم فيها إلى ناحية أخرى، بدون أذن ولي الأمر، حيث كان يقبض على من وجد مسافرًا ومتنقلاً من مكان إلى أخر غير مسجل. ومما يؤكد على ذلك هذه الرواية التي أوردها ابن سعيد المغربي المتوفي سنة 1286م التي جاء فيها “أنه كان لابد من جواز للخروج من مصر، ولابد أن يدرج في هذا الجواز كل الذين يرافقون المسافر حتى ولو كانوا عبيده”(6). أما السلطان الناصر محمد بن قلاوون فقد عني بإصدار جوازات المرور للتجار، الذين وفر لهم الطمأنينة في أسفارهم. وإذا انتقلنا إلى بلاد الأندلس ومراكش، فلم يصلنا مثل هذه الأنظمة المتعلقة بإصدار جوازات السفر على النحو الذي كان منتشراً في المشرق الإسلامي، سوي مرات قليلة كانت تراقب السابلة في سفرها عند قيام الحروب بين العرب والإفرنج.
شكل جواز السفر وصيغته
أما عن شكل جواز السفر أو أوراق الطريق، كما كان يطلق عليها في هذه العصور، فكانت عبارة عن ثلاثة أوصال (القطع الصغير) يكتب في أعلاها سطر واحد صيغته ورقة طريق على يد فلان بن فلان الفلاني لا غير، ثم يخلي بين العلامة، ويكتب في بقية ذلك الوصل ، قبل الوصل الثاني بأربعة أصابع مطبوقة بغير بسملة “رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني في عهد الملك الفلاني، أعلاه الله تعالي وشرفه وأنفذه وصرفه. أن يُمكن فلان الفلاني -وتذكر ألقابه إن كان أميرًا أو متعممًا كبيرًا، وممن له قدر وله ألقاب معهودة أو غير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال- من التوجه إلى جهة قصده والعود. وإذا كان هذا المسافر أميرًا أو عالي المقام، كتب ويعامل بالإكرام والاحترام، وإن كان غير ذلك كتب بدله مع الوصية به ورعايته ونحو ذلك ، وإن رسم له بنفقه كتب فيه، ويصرف له من النفقة في كل يوم كذا درهمًا”(7).
تسجيل البيانات
تذكر المصادر التاريخية أنه كان يقوم بأمر الجواز وتسجيل البيانات المطلوبة شخص كان يطلق عليه “متولي الجواز”، ففي بغداد عثر على خبر شخص كان يتولى أمر الجوازات في بغداد ذكره ابن الساعي في جملة من توفي من الأعيان في سنة (603ه-1206م) ” كان يعرف بيوسف بن القابني، حاجب السور متولي الجواز، توفي في عاشر المحرم وكان مشكورًا”(8)، وكان متولي الجواز هذا يسجل بالجواز اسم الشخص، واسم من معه، وكم عمره وعمر من معه، ومن أي بلد وما معه من مال ومتاع، وإذا كان الشخص قادم من مكان أخر، كتب عليه ورد علينا فلان الفلاني في يوم كذا من شهر كذا سنة كذا، وكان معه كذا، لئلا يذهب من مال الرجل ولا من متاعه شيء ضياعًا، فمتي ذهب منه بشئ أو مات، علم كيف ذهب ورد عليه أو على ورثته.
اعتماد جواز السفر
أما عن اعتماد جواز السفر وإمضائه وختمه، فكان يتم بإحدى أمور ثلاث، إما خط كاتب السر وهو الغالب، أو رسالة الدوادار وهو كثير أيضاً، أو إشارة نائب السلطان وهو ما كان نادرًا. فإن كان بخط كاتب السر كتب على الهامش من الجانب الأيمن سطر واحد يكون آخره يقابل السطر الأول الذي هو رسم بالأمر الشريف وهو حسب المرسوم الشريف، وإن كان بإشارة النائب كتب سطران على الهامش المذكور أخرهما أيضًا يقابل أول السطر الأول بالإشارة العالية، وفي هاتين لا يكتب في ذيلهما بعد التاريخ سوي الحسبلة (حسبنا الله ونعم الوكيل) لا غير، وإن كان برسالة الدوادار، كتب على الهامش “حسب المرسوم الشريف فقط، وكتب تحت التاريخ سطران هما، رسالة المجلس العالي الأمير الفلاني، فلان الدوادار المنصوري أدام الله تعالي نعمته، ثم الحسبلة “(9).
بقلم/ خلف أحمد محمود أبو زيد
المصدر: مجلة حراء