بيليجي الذي كان رئيس تحرير صحيفة “زمان”، إحدى كبريات الصحف اليومية التركية، دعا الأتراك إلى الحذر الدائم قائلا: “الديمقراطية يمكنها أن تضيع إذا لم تكن حذرا، إذا لم تنتبه جيدا وتكون على استعداد للدفاع عنها”.
يعيش في حالة حداد منذ خرج من تركيا مضطرا عام 2016 في أعقاب محاولة الانقلاب المزعوم، التي استغلها أردوغان وحزبه العدالة والتنمية لإحكام قبضته على السلطة وسحق المعارضة في الداخل والخارج.
إعدام الصحافة
من المقرر أن يتواجد بيليجي في سان أنطونيو بولاية تكساس الأمريكية اليوم الاثنين لحضور حفل الحوار السنوي وعشاء الصداقة الرابع عشر في جامعة إنكارنت وورد، للحديث عن ضياع الصحافة الحرة في تركيا.
بيليجي يعيش حاليا مع زوجته وأطفاله في فيرجينيا الأمريكية، ويواجه مشكلة كبرى في تدبير نفقات أسرته لصعوبة ممارسة دوره في المنفى، واضطر مؤخرا إلى العمل في مجال آخر حيث بات سائقا لدى “أوبر” و”ليفت”.
فيلم سينمائي
قبيل وبعد مصادرة صحيفة “زمان”، اعتقلت السلطات العديد من مراسليها وكتابها بتهمتي “الإرهاب والتحريض”، ونددت منظمات دولية مثل لجنة حماية الصحافيين ومنظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش بأوضاع الصحافيين الأتراك.
بيليجي انشغل بالدفاع عن 20 من موظفيه في المحاكم عام 2014، وفي مارس 2016 بعد 20 يوما من مصادرة الصحيفة قام الأمناء الجدد المعينون بواسطة حكومة “العدالة والتنمية” بطرد بيليجي وغيره من المعترضين على الإدارة.
الرجل أدرك حينها أنه بات مضطرا لمغادرة البلاد لأنه في حال بقائه سوف يتعرض للسجن، لكنه لم يكن يعرف فيما إذا كان جواز سفره لا يزال ساريا، وخاطر بالتوجه إلى مطار إسطنبول الذي سمح له بأعجوبة بالسفر.
الفاشي
بيليجي اكتسب لسنوات عديدة إمكانية لا مثيل لها للوصول إلى أردوغان الذي كان يروج لنفسه باعتباره زعيم حزب إصلاحي، ويتذكر الرجل بأسى السنوات الأولى لحكم “العدالة والتنمية” عام 2002 وكيف انخدع الأتراك في رجب.
يقول في أحد مقالاته: “أنا كصحافي ومواطن تركي وصحيفة زمان كذلك كنا من مؤيدي أردوغان”، مضيفا في الوقت نفسه: “كنت أعلم أن أردوغان منذ اللحظة الأولى لوصوله للحكم فاشٍ، وهدفه الأوحد تركيز السلطات في يديه”.
الصحافي المنفي خشية بطش أردوغان تابع:”كان عليه للوصول إلى هدفه البعيد هذا أن يتحرك خطوة خطوة من الإصلاح إلى الاستبداد، وهو ما نجح فيه بامتياز، أما عن أبرز تجليات هذا التحول فكان الفساد على الطراز القديم”.
يرى الرجل أن “الفساد لا يحب الديمقراطية”، وبعد أن فضحت الصحافة التركية فساد نظام “العدالة والتنمية”، بدأت حملات القمع لتشمل المحتجين من المواطنين العاديين الذين استخدموا حقهم الطبيعي في التظاهر.
أطلال الديمقراطية
رئيس التحرير السابق لصحيفة “زمان” قال: “تركيا شهدت 200 عام من التحديث وإحراز التقدم الديمقراطي حتى جاءت التغييرات الاستبدادية عصية على التخيل، لم يستوعب العديد من الأشخاص أن هذا يحدث بالفعل، ورفضوا تقبل الأمر”.
أضاف: “لكن أردوغان استغل الاستقطاب بين قطاعات مختلفة من المجتمع ليطبق فاشيته”، مشيرا إلى نبرة الحزن في صوت أردوغان عندما يقول: “لم يكونوا يعرفون قصص وتاريخ بعضهم البعض. لم نتمكن من إقامة جبهة موحدة”.
بيليجي اطلع أمريكا طولا وعرضا على جرائم أردوغان، هو الآن في سان أنطونيو بناء على دعوة من معهد جنوب غرب الولايات المتحدة للحوار ومؤسسة “ريندروب”، لزيادة الوعي بأوضاع تركيا عبر الأديان والثقافات المختلفة.
يصمم بيليجي على مواصلة الانتقاد العلني والصريح لنظام أردوغان قائلا: “لاستعادة الديمقراطية في تركيا وإخراج أصدقائي من السجون والوصول إلى شعوب الدول الديمقراطية فعلينا أولا أن نفهم أساليب الأنظمة الاستبدادية”.
سجان الصحافيين
طالبت لجنة حماية الصحافيين مطلع مارس الجاري تركيا بإنهاء الحبس الجمعي للصحافيين، وانضم إلى مطلبها 47 عضوا من البرلمان الأوروبي، وصنف الاستعراض السنوي للجنة تركيا على أنها “سجان الصحافيين الأكبر في العالم”.
تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش السنوي لعام 2019 كشف عن تراجع أداء ومهنية وسائل الإعلام التركية، مؤكدا أنه “يفتقر لأدنى درجات الاستقلالية والحرية، وأغلب الصحف والقنوات تحولت لتأييد الحكومة حفاظا على بقائها”.
فبراير 2018، عوقب المحللان أحمد ومحمد ألتان ونزلي إليجاك بالسجن المؤبد بتهم ملفقة، وفي أبريل أدين 14 من صحافيي “جمهورييت” بالإرهاب، وحوكموا بالسجن بين عامين و8 أعوام، فيما يقبع 68 صحافيا تركيا خلف القضبان.
محكمة النقض التركية أيدت سبتمبر الماضي حكما بالسجن ضد نائب حزب الشعب الجمهوري أنيس بربر أوغلو لتداوله فيديو نشرته صحيفة “جمهورييت” حول ضبط 6 شاحنات تابعة للاستخبارت محملة بالأسلحة إلى الإرهابيين.
يوليو الماضي، انتهت محاكمات 31 موظفا في “زمان” بتهمة الإرهاب، وحوكم أحمد توران ألكان وشاهين ألباي وعلي بولاتش بالسجن 8 سنوات و9 أشهر، و10 سنوات و6 أشهر لكل من مصطفى أونال وممتازر توركونه.
تقرير “هيومان رايتس ووتش” السنوي تطرق إلى سياسة حجب المواقع الإلكترونية، مؤكدا تعرض آلاف المواقع ومنها موقع “ويكيبيديا” لتحقيقات جنائية ومحاكمات بسبب تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.
التقرير كشف الحظر المفروض على وسائل الإعلام الكردية، مشيرا إلى أن الشرطة التركية داهمت صحيفة “الديمقراطية الحرة” مارس الماضي، واعتقلت عددا من صحافييها وموظفيها وحولت أصولها إلى ملكية الدولة.
المصدر: موقع النسمات