الانفتاح على الآخر
ولهذا فإن حركة فتح الله كولن منفتحة على المجتمع التركي بكل مشاربه وأطيافه، “فهي ــ قبل كل شيء ــ لا تهدف إلى أي انفصام نفسي واجتماعي عن المجتمع بل على العكس تمامًا فهي تهدف إلى التلاؤم مع هذا المجتمع وإلى الإسهام فيه، وتدعو إلى الأخوة الأبدية. ولا تتصرف في صدد العلاقات الاجتماعية بشكل انتقائي مثلما تتصرف الحركات الأيديولوجية، بل تخاطب كل الكتل الجماهيرية وتخاطب كل عائلة وكل فرد. ولا تسعى إلى تطوير أية حركات انعزالية في الشارع أو في السوق أو في النوادي أو الجمعيات …الخ. وتعارض أي حركة اجتماعية انعزالية تُصادم روح الحياة الاجتماعية.[1]
ينطلق كولن من مبدأ أن الله أمرنا أن نُغيِّر أنفسنا لا أن نُغَيّر الآخرين، وأننا عندما نُغيِّر أنفسنا ونكون في مستوى الإسلام فإن سلوكياتنا ستكون أفضل دعوة إلى الإسلام.
غَيِّر نفسك أولاً
ينطلق كولن من مبدأ أن الله أمرنا أن نُغيِّر أنفسنا لا أن نُغَيّر الآخرين، وأننا عندما نُغيِّر أنفسنا ونكون في مستوى الإسلام فإن سلوكياتنا ستكون أفضل دعوة إلى الإسلام، ولا بأس بعد ذلك أن نقوم بمهمة البلاغ بالحسنى دون إكراه كما أسلفنا.
ولكنه في معرض حديثه عن بعض علل التديُّن عند أهل الكتاب، يُحذِّرُ أشد الحذر من الوقوع فيما يمكن تسميته بالتطفيف والتفلُّت من معايير الموضوعية، إذ من الحرام أن يكيل المسلم بمكيالين، فيستوفي لنفسه ويأخذ من حق الآخرين، بل ما يرضاه لنفسه هو ما يرضاه للآخرين، والعكس صحيح.
يرى كولن أن القواعد والأركان والأصول الأساسية وحدها التي ينبغي أن تكون محلّ اتفاق جميع المسلمين، أما غيرها فإن الاختلاف فيها سائغ ومشروع.
الوعي بالثوابت والمتغيرات
ما فتئ الأستاذ كولن يدعو إلى نبذ الأنانية، والاعتراف بوجود الآخر، وطبيعة الاختلاف في التفكير ــ على المستوى الإسلامي ــ مع ملاحظة التفريق بين الثوابت والمتغيرات، والثوابت عنده هي “القواعد والأركان والأصول الأساسية”[2]، فهي وحدها التي ينبغي أن تكون محلّ اتفاق جميع المسلمين، أما غيرها فإن الاختلاف فيها سائغ ومشروع.
ومن خلال استقرائنا لمواضع وموضوعات الاختلاف بين مذاهب وتيارات المسلمين، وجدنا أن أهم سبب لذلك هو خلط كثيرين بين الثوابت والمتغيرات، وإحدى مساهمات فتح الله كولن في إقامة فقه الائتلاف تأتي بسبب وعيه بخارطة الثوابت والمتغيرات؛ ولذلك يقول في هذا الشأن: “لما كانت الدعوة واحدة، والحق بجانبها، والأهداف والمبادئ الأساسية واحدة، فإن الاختلاف في الوسائل والطرق يجب ألا يكون سببًا للخلاف والفرقة. ويجب أن يكون الوعي من الرسوخ والثبات بحيث لا يعطي مجالاً لهذا الخلاف. وإلا فإن ظهور بوادر الخلاف والفرقة بمعاذير واهية يُعدُّ مزاجًا صبيانيًّا ودليلاً على عدم وجود المروءة والإحساس بالحق والسعي من أجله. والحقيقة أن الطرق المؤدية إلى الله تعالى متعددة بتعدد الأنفس والأمزجة بشرط بقائها ضمن دائرة أهل السنة والجماعة. ويجب أن يُحترم كل طريق من هذه الطرق، وتؤيد كل خدمة مقدمة”[3].
بقلم/ فؤاد البنا
المصدر: موقع النسمات