لندن: محمد أبو سبحة (زمان التركية) – سلط حوار مطول نشرته مجلة (المجلة) اللندنية، الضوء في أحد أقسامه على الاستغلال التركي لقضية الأويغور الصينيين، الذين ينتشرون حاليًا في إدلب شمال سوريا.
وجاء الحوار الذي نشر أمس “الأحد” متزامنًا مع ظهور لهجة غاضبة وغير مسبوقة من قبل أنقرة تجاه حليفتها بكين انتقادًا لما تتعرض له أقلية الأيغور المسلمون في الصين والذين ينحدرون من أصل تركي، فيما حمل الرد الصيني تهديدًا لأنقرة من إمكانية تضرر العلاقات الاقتصادية. لكن هذه المادة تركز على المقاتلين الأيغور الذين استوطنوا شمال سوريا بالمناطق التي بها نفوذ تركي.
إدلب… موعد آخر مع الإرهاب
وفي الحوار الذي أجرته الصحفية روشن قاسم مع قائد سابق بالجيش الحر، اعتبر الضيف أن “الأيغور” أكثر دموية من داعش وأن المعركة القادمة تتمثل في أعتى وأخطر بؤر الإرهاب والمتمثلة بإدلب، كما شارك في الحوار رئيس مؤسسة أبحاث، رأى أن أنقرة تريد خلق عدو للأكراد يحارب بالوكالة عن تركيا عبر توطين الجماعت المتشددة في شمال سوريا.
وطالبًا عدم الإفصاح عن هويته، كشف القائد السابق بالجيش الحر في جسر الشغور (400 كيلومتر شمال دمشق)، والتابعة لمحافظة إدلب السورية، في حوار مع «المجلة» عن «حدث مر على الإعلام مرور الكرام، وهو إعلان إمارة التركستان في سوريا، رغم أن الإعلان عن الإمارة لن يكون بهذه السهولة في ظل رفض الأهالي من المواطنين السوريين الذين ضاقوا ذرعا بممارسات الحزب التركستاني في المناطق التي يسيطر عليها والفصائل الأخرى من جبهة النصرة وغيرها من نور الدين زنكي، وحراس الدين»، مضيفا أن «بعض الفصائل المتشددة في المنطقة والتي تربطها علاقات ترتقي لمستوى التنسيق، خاصة العلاقة التي تربط الحزب التركستاني وجبهة النصرة وفصائل مرتبطة بالقاعدة بالتأكيد ليست أقل إجراما من داعش إن لم تفقه واقعا».
وكانت تقارير صحافية قد أفادت بأن ما يعرف بالزعيم العام لـ«الحزب الإسلامي التركستاني»، جند الله التركستاني، قد كشف عن حدود ما سماها «إمارة» تركستان الصينية في الشمال السوري، وتمتد من جبل التركمان وجبل الأكراد إلى سهل الغاب.
ويوضح قائلا: «الحزب الإسلامي التركستاني في الأصل، منظمة في تركستان الشرقية غربي الصين، والكثير من سكانها هناك يعتبرون أنفسهم جزءا من القومية التركية، كما أن مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا هم من المقاتلين الصينيين الأويغور، أوفدتهم تركيا إلى الداخل السوري بحجة الجهاد ضد النظام، وعندما جاءوا إلى المنطقة بداية 2013. كانوا يتحدثون عن مظالمهم في الصين، وتم تقبلهم من قبل الأهالي»، مضيفا: «إنهم مقاتلون شرسون يقاتلون في الصفوف الأمامية شاركوا بالمعارك ضد النظام وفيما بعد فرضوا سيطرتهم على المنطقة بعد تحرير جسر الشغور من جيش بشار الأسد، أخرجوا كل من كان يعارضهم من الفصائل المسلحة المعارضة ومنها الجيش الحر، منهجهم أكثر تشددا من داعش ظهروا هنا للعلن بشكل كبير وأخذوا دورهم وأصبح قرارهم مستقلا حتى عن جبهة النصرة ويقدر عددهم بنحو 8000 مقاتل، ومع عائلاتهم يصبح عددهم بحدود 20000، غير الآلاف من مقاتلي النصرة وغيرهم من الفصائل»..
ويتابع: «استوطنوا مع عائلاتهم في شمال غربي إدلب، في قرى قريبة من الحدود مع تركيا، بالتحديد في جسر الشغور خاصة الحي المسيحي الذين قاموا بتهجير المسيحيين منه واستولوا على أملاكهم وبيوتهم إضافة إلى القرى المحيطة بجسر الشغور وهي قرى كانت للمسيحيين والعلويين، وتمتد هذه المناطق من جسر الشغور غربا وشمالاً وحتى الحدود التركية عند جبل التركمان وشمالاً حتى سلقين، إضافة إلى عدة مستوطنات في جبل السماق الواقع بالقرب من حارم، وكلها تقع على الشريط الحدودي المحاذي لولاية هاتاي – أنطاكيا».
ويلفت إلى أن «المقاتلين الأويغور انعزاليون لا يختلطون مع بقية الفصائل المسلحة باستثناء الفصائل التركمانية والتي أيضا تتلقى الدعم من تركيا»، مضيفا: «كما أنهم وعائلاتهم يمتنعون عن الاختلاط مع الأهالي، ويطبقون على الناس أحكاما متشددة من خلال محاكمهم الشرعية وفرض الضرائب والجزية على الأهالي وأطفالهم يدرسون القرآن، والشريعة في مراكز خاصة بهم كما يتدربون على فنون القتال»..
وأضاف: «يتحدثون التركية فيما بينهم ومع الأهالي يتحدثون اللغة العربية الفصحى، ومنذ بدء دخولهم إلى سوريا، حضر معظم المقاتلين الأويغور برفقة عائلاتهم، لم نكن ندرك وقتها كسوريين أنهم لن يفكروا بالخروج، كانوا يأتون مع عائلاتهم على دفعات كل مرة تأتي نحو 40 عائلة يستولون على أحياء بالكامل تكاد لا تجدهم يتسوقون أو يبتاعون حاجياتهم من السوق حتى نساؤهم يحملن السلاح وهناك مراكز تدريب للأطفال» مشيرا إلى أن «مقراتهم ومراكزهم موزعة بالمنطقة ومعروفة لدينا أماكن تواجدهم وحواجزهم ومفارزهم حتى السجون ومراكز التحقيق ومستودعات الأسلحة والمشافي».
ويشير أيضا إلى تنظيم «حراس الدين» ويقول تأسس فصيل حراس الدين في أواخر فبراير (شباط) عام 2018. ويضم عدة جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة. وكانت هذه الجماعات قد انفصلت عن هيئة تحرير الشام بسبب قرار الأخيرة بفك الارتباط بالقاعدة في يوليو 2016. وتنتشر في مناطق بين محافظات إدلب واللاذقية وحماه»، مشيرا إلى أنه ما زال هناك كثير من الجماعات المتشددة الرئيسية التي لها وجود قوي في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها، فبعد اندلاع الاقتتال الداخلي مع حليفها السابق، أحرار الشام، سيطرت هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) على معظم أراضي محافظة إدلب في صيف عام 2017 بما في ذلك الشؤون المدنية والعسكرية».
وعن الدعم التركي، قال: «الدعم اللوجستي المقدم لهم من قبل تركيا له عدة طرق، وكانت تتم أمام أنظار الجميع من خلال إفراغ السيارات المحملة بأنواع الأسلحة والمواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات اليومية إلى المقاتلين وعوائلهم»، مستدركا: «لكن الآن اختلف الوضع وغالبا ما يتم بطرق غير تقليدية أو كما كانت في السابق لكن لحد الآن الدوريات التركية من الحدود بتجاه الداخل السوري أو أي تحرك للجنود الأتراك لا يتم إلا بحماية من مقاتلي الحزب التركستاني أو جبهة النصرة».
إرهاب بالوكالة
يرى رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية سمير راغب أن الفصائل المتشددة في إدلب السورية إنما «هي محاولة مدعومة من تركيا لإيجاد موقع قدم لها في الشمال السوري عبر فصيل غير الأكراد أو خلق عدو للأكراد يحارب بالوكالة عن تركيا».
ويقول راغب لـ«المجلة»: «الفصائل المسلحة تعتمد على آيديولوجيا، الأويغور اعتمدوا في وجودهم على غطاء من التركمان في شمال اللاذقية وجسر الشغور وتحالفوا مع جبهة النصرة وفصائل راديكالية، مجتمعين على شعار (الذئاب الرمادية)، وتشاركهم الآن فصائل أخرى في الأفكار التي يحملونها».
وينوه إلى أن «المقاتلين الأجانب بشكل عام أكثر خطورة من المتمرد المحلي، وذلك نظرا لدوافعهم الآيديولوجية التي دفعتهم لترك بلادهم والتورط في صراع عسكري في بلد آخر، بحثاً عن الجهاد أو الشهادة على حد اعتقادهم، هذه الدوافع تزداد بمرور الوقت، وتحقيق بعض الانتصارات، وخاصة أن الأجنبي مع مرور الوقت والتحالف مع فصائل محلية كالنصرة أو فصائل إرهابية عابرة للحدود كداعش، يتولد لديه شعور كاذب بالانتماء لهذه الأرض، وما يزيد هذه الحالة أن المقاتل الأجنبي في الأغلب لا يفكر في العودة لوطنه الأصلي، إما بسبب رفضه له من البداية أو خوفا من الملاحقة القضائية».
ويلفت إلى أن «الحالة الصينية ربما تكون أصعب مثال، فالإعدام ينتظر من يعود من العناصر التكفيرية والإرهابية، ومن دوافع التوحش في أفعال المقاتل الأجنبي أنه لا يوجد رابط إنساني مع المواطن المحلي، كقرابة أو انتماء قبلي أو عشائري، المقاتل الأجنبي يتعامل بعقيدة التكفير وأن كل المختلفين كفار يجب قتلهم من دون رحمة، ربما يختلف الأمر في أداء عناصر التمرد المحلية من التكفيريين والجهاديين».
ويعتقد بأن «المقاتل الأجنبي غير مرشح لقبول أي تسوية للصراع، فهو مرفوض من أي طرف حتى رفاق الصراع وحلفاء اليوم والأمس»، موضحا أن «التركمان لهم أجندتهم والنصرة لها أجندتها والمتمرد المحلي ربما يعود لحياته الطبيعية حال التسوية».
ويوضح أن «تركيا تدعم كافة الفصائل المسلحة، عدا قوات سوريا الديمقراطية، ويبقى التركمان في مقدمة الفصائل التي تتلقى دعما تركيا والدليل الأكبر هو إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية سو 25 أثناء مناورتها لاستهدافها فصائل تركمانية على خطوط التماس التركية السورية، فيما تحظى إدلب بأهمية كبيرة لدى تركيا، وتقدم لها كافة أنواع الدعم السياسي والمادي واللوجستي، وخاصة أن حال سقوط إدلب في يد النظام السوري تصبح كافة الأراضي السورية خارج سيطرة الفصائل المسلحة، ولا يوجد نطاق جغرافي للفصائل المسلحة، مما يهدد بهزيمة تركيا في سوريا، وربما يجعل أراضيها ملاذا آمنا للتكفيريين والمتمردين، وربما يحيي الأمل في إقامة إقليم كردي ذي حكم ذاتي في شمال سوريا، يمتد من القامشلي وحتى خليج الإسكندرون».
المشهد الأول لإدلب سيبدأ قريبا بعد أن ينتهي المشهد الأخير لـداعش مهما طال، وتركيا معنية باستمرار تواجد التمرد على الأراضي السورية وخاصة إدلب، بصرف النظر عن تفاصيل الفصائل المتمردة، سواء كانت علمانية أو راديكالية، سواء كانت صينية أو أوروبية، فتركيا مدفوعة بأحلام إعادة الإمبراطورية العثمانية، على حساب الشمال السوري والشمال العراقي وامتداد النفوذ إلى آسيا الوسطى، وتكون الخطوة الأولى الاستيلاء على شمال سوريا عن طريق وكلاء من فصائل يفضل أن تكون أجنبية، التركمان هم حصان طروادة الذي دخل من خلاله الأويغور لإدلب واللاذقية، ومصير كل الأجانب الترحيل لبلادهم»، بحسب الخبير العسكري.
ويختم حواره مؤكدا أن «في حال تسوية قضية إدلب سوف يتوجه كل الإرهابيين لتركيا والإرهابي لا يعرف حدودا للقتل والذبح، وسوف يمارسون الإرهاب في تركيا، فالإرهابي مستعد لأن يقتل من قدم له السلاح وخاصة أن المجتمع التركي منفتح ومتنوع الثقافات، الإرهابي في النهاية هو شخص فاقد للسوية على استعداد لقتل والديه إن اختلف معهم، وخاصة من يقاتل دفاعا عن معتقد (خاطئ)، ظنا منه أنه طريقه للجنة، فما بالك بمن قدم من الصين لسوريا بحثا عن الجنة عبر دماء الأبرياء».