القاهرة (زمان التركية)ــ بقلم : مايسترو
سيطر تنظيم داعش عام 2014 على مناطق تمتد من شرقي سوريا حتى وسط العراق، وحقق تقدما نحو الجنوب باتجاه العاصمة العراقية بغداد، وسيطر على عدد من البلدان والقواعد العسكرية وبعض الأصول والموارد التي عثروا عليها في طريقهم.
وأعلن التنظيم صراحة إقامة دولة إسلامية، إلا أنه لم يحظ بالطبع بأي اعتراف دولي.. ولعل السبب الرئيس في نشأة التنظيم وتنامي قدرات هو الفراغ الأمني الذي ترتب على غزو العراق والانكسار الذي تعرضت له الدولة السورية، لذا ازدهر تنظيم داعش في ظل عدم الاستقرار سواء في العراق أم سوريا،
وتؤكد دراسة موثقة بالبيانات نشرها المركز الدولي لدراسات التطرف في لندن في يوليو/ تموز 2018، أن عدد الأجانب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية يبلغ 41,490 شخصاً (بواقع 32,809 من الرجال و 4,761 امرأة و4,640 طفلا) انتقلوا من 80 دولة. وخلص الباحثون إلى أن 18,852 من هؤلاء الأجانب قد وفدوا من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و7,252 من شرق أوروبا، و 5,965 من آسيا الوسطى، و5,904 من غرب أوروبا، و1,010 من غرب آسيا، و1,063 من جنوب شرق آسيا، و753 من الأمريكيتين واستراليا ونيوزيلاندا، بالإضافة إلى 447 من جنوب آسيا، و244 من جنوب الصحراء الكبرى.
ومؤخراً أعلن ترامب عن وجود 800 سجين من عناصر داعش ينتمون لجنسيات مختلفة، ودعا الدول الأوربية لاستلام مواطنيها منهم، ولم تستجب أي دولة لهذا العرض، فيما عدا الدنمارك ! وفي هذا السياق أدلى متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بتصريح قال فيه “يجب تقديم المقاتلين الأجانب إلى المحكمة وفقا للإجراءات القضائية المناسبة في الولاية القضائية الأكثر ملاءمة لهذا، وإذا أمكن، فيجب أن تتم هذه المحاكمات في المنطقة التي ارتُكبت فيها الجرائم” والملاحظ أن عرض ترامب هذا لم يشمل الدول العربية، فمن المؤكد أن بعضهم يحمل جنسيات عربية.. ! فهل تخشى أمريكا من عدم تمتع الإرهابيين بمحاكمات عادلة في بلدانهم العربية ؟! ووجهة نظرنا الشخصية في هذا الصدد أن استلام مصر لعناصر تنظيم داعش أو القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية ممن يتم القبض عليهم خارج مصر يتفق مع المصلحة الوطنية، ويصب أيضاً في مصلحة المواجهة العالمية للتنظيمات الإرهابية، هذا بدلا من رجوعهم لمصر من الأبواب الخلفية.. ليستأنفوا نشاطهم الإرهابي؛ وهي عناصر بالغة الخطورة، فهي مدربة وخاضت معارك وقاتلت فأصبحت لديها قدرات وعقيدة لا يستهان بها.
وجدير بالذكر أن القانون المصري قد جرم الالتحاق بهذه التنظيمات، فذهبت المادة (21) من القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب إلى أنه “ يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنين كل مصري تعاون أو التحق بغير إذن كتابي من السلطة المختصة بالقوات المسلحة لدولة أجنبية أو بأي من الجماعات المسلحة أو الجمعيات أو الهيئات أو المنظمات التي يقع مقرها خارج مصر وتتخذ من الإرهاب أو التدريب العسكري أو تعليم الفنون الحربية أو الأساليب القتالية أو الحيل أو المهارات وسائل لتحقيق أغراضها في ارتكاب جرائم إرهابية أو الإعداد لها ولو كانت أعمال هذه الجهات غير موجهة إلى مصر.
– فإذا تلقى الجاني أي نوع من أنواع التدريب أو التعليم المشار إليها بالفقرة السابقة من هذه المادة تكون العقوبة السجن المؤبد.
– كما يعاقب بذات العقوبة المنصوص عليها بالفقرة الأولى من هذه المادة كل من سهل لغيره التعاون أو الالتحاق أو العبور إلى خارج مصر بغرض الانضمام إلى القوات المسلحة لدولة أجنبية أو بأي من الجماعات المسلحة أو الجمعيات أو الهيئات أو المنظمات “. لذا نرى أن محاكمة هؤلاء الإرهابيين المصريين في مصر خيار يتفق والمصلحة الوطنية.. فهل ستتفق معنا الإدارة الأمريكية على تسليمهم ؟.
هذا، ويرتب ترامب حالياً لخروج القوات الأمريكية من سوريا بزعم أنه تم القضاء على داعش.. والحقيقة أن الخلافة المزعومة التي سعى إليها داعش تبددت بمواجهة دولية للتنظيم، لكن أيديولوجيته لم تنته بعد، وحقاً قد تدهورت قدرات التنظيم القتالية، إلا أن جيوبه وخلاياه مازالت تشكل خطراً جسيماً لكثير من دول العالم.
وصرح مؤخراً الرئيس التركي أردوغان في خطاب ألقاه أمام حشد من أنصاره في ولاية دنيزلي غرب تركيا، أن الذين حاولوا تخويف تركيا بالتنظيمات الإرهابية وأسعار صرف العملات لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم، وأن الخطوات التي أقدمت عليها أنقرة حيال سوريا والعراق أثارت انزعاج من لديهم حسابات ” قذرة ” تجاه المنطقة، فأشار أردوغان بوصفه هذا لأمريكا تلميحاً، ولم يجرؤ على التصريح بهذا الوصف في حق الدولة الأمريكية؛ وفي اليوم التالي لتصريحه هذا اتصل به ترامب تليفونياً ليخبره بأهمية وضع ترتيبات للخروج الأمريكي من سوريا.. ولعل لسان حال ترامب يقول : فلتصطدم تركيا مع الجيش السوري المدعوم من روسيا ـــ لتضارب الأهداف والسياسات بينهما ــــ فالمنطقة العازلة التي تـُصر عليها تركيا ستعتبر احتلالاً لجزء كبير وغال من الدولة السورية، ولن تسمح بها روسيا.. كما أن المواجهات العسكرية التي قد تنجر إليها قوى عظمى على الأراضي السورية احتمالاتها قائمة بدرجة كبيرة؛ لذا فسحب القوات الأمريكية يصبح هدفاً استراتيجياً وقائياً؛ فانتشار القوات الأمريكية من وجهة نظر البنتاجون يجب أن يحاط بأعلى درجات التأمين؛ ويضاف للمخاطر أيضاً ما يمكن أن يفاجئ به التنظيم ــــ خاصة وهو في مرحلة ما قبل الانهيار ــــ القوات الأمريكية بضربات يستخدم فيها أسلحة غير تقليدية، سواء في سوريا أم العراق.