منى سليمان*
(زمان التركية) – جدد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في حوار له يوم 15 فبراي/ شباطر 2019 لقناة “AHaber” التركية عزم بلاده الإستمرار في تدويل قضية مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” وأكد إن بلاده بحوزتها معلومات ووثائق حول الحادث لم تكشف عنها بعد وستسعى لإيصال هذه القضية إلى المحكمة الدولية. وذلك بعدما أنهت “أجنيس كالامار” قائدة الفريق الأممي للتحقيق غير الرسمي في وفاة “جمال خاشقجي” بقنصلية بلاده لدى إسطنبول وغادرت تركيا في 8 فبراير/ شباط 2019 وقالت إنها لم تحصل على كامل المعلومات التي طلبتها من السلطات في تركيا.
ورغم مرور 4 أشهر علي الحادث وإتخاذ المملكة العربية السعودية كافة الإجراءات القانونية بحق المتهمين حيث وجهت لهم تهمة القتل عمدًا ويواجهون حكما بالإعدام شنقًا في الرياض، إلا أن هذه التحقيقات لم ترض “أردوغان” الذي دأب علي إستغلال القضية سياسيًا للضغط علي الرياض في قضايا عدة. فتارة يهدد بتحقيق دولي في الحادثة، وتارة آخرى يطالب بوقف الحرب السعودية في اليمن ناسيًا أنه كان أول الرؤساء الذين دعموا العملية العسكرية السعودية في اليمن “عاصفة الحزم” في 29 مارس 2015 وعرض غير مرة المشاركة فيها والدعم العسكري للرياض، هذه التطورات تلقي بظلالها على مستقبل العلاقات التركية السعودية خلال عام 2019 الذي ربما يشهد قطيعة دبلوماسية بين البلدين بفعل التعنت التركي ضد المملكة.
أولا: أبعاد تدويل قضية “خاشقجي”:
أعلنت الأمم المتحدة يوم 24 يناير 2019 عن بدء تحقيق دولي غير رسمي في مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول يوم 2 أكتوبر2019، وبدأت المقررة الأممية “أجنيس كالامارد” المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء يوم 28 يناير 2019 زيارتها لتركيا لبدء التحقيقات بالحادثة وستستمر حتى 2 فبراير 2019. وأشارت مقررة الأمم المتحدة إلى أنها تجري تحقيقاً بمبادرة منها وفقاً لولاية المقرر الخاص للأمم المتحدة، حيث أنه لا توجد اليوم أي إشارات توحي بأن الأمم المتحدة والدول الأعضاء في المنظمة تعتزم إجراء تحقيق رسمي دولي في مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في أسطنبول. والتقت “أجنيس” خلال زيارتها لأسطنبول وزير الخارجية التركي “مولود تشاويش أوغلو” ووزير العدل التركي “عبد الحميد غل” والمدعي العام باسطنبول “عرفان فيدان”.
وقد أكد مكتب الأمم المتحدة أن مسؤولية فريق التحقيق ستتمثل في تقييم الخطوات التركية والسعودية في التحقيق لمقتل خاشقجي وسيتم إحالة اكتشافاتهم وتوصياتهم إلى الدورة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في شهر يونيو 2019، وهي توصيات غير ملزمة لأن هذه التحقيقات غير رسمية، كما أعلن الامين العام للأمم المتحدة “أنتونيو غوتيرس” أنه لا يستطيع بدء تحقيق دولي رسمي في الحادثة إلا بطلب من الجمعية العامة أو مجلس الأمن الدولي، ولذا فإن التحقيق الذي ستجريه الأمم المتحدة غير رسمي حتى اليوم، وقد أثني من قبل “غوتيرس” علي الإجراءات التي إتخذتها الرياض للتحقيق في هذه القضية.
وكانت الرياض قد أقرت في نهاية أكتوبر 2018 بأن هناك فريق أمني أساء التصرف بأسطنبول مما أدي لمقتل الصحفي السعودي، وأحتجزت 18 سعوديا متورطا في القضية، ثم في 5 ديسمبر 2018 أصدر القضاء التركي مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الإستخبارات السعودي “أحمد عسيري” و”سعود القحطاني” مستشار ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” للاشتباه بضلوعهما في الجريمة وطالبت أنقرة الرياض بتسليمها المتهمين لمحاكمتهم بتركيا بيد أن المملكة رفضت وأصرت على اتمام المحاكمة علي الأراضي السعودية.
وفي 3 يناير/ كانون الثاني2019 طالبت النياية العامة السعودية في 3 يناير/ كانون الثاني 2019 بالإعدام لخمس متهمين ومازالت القضية قيد المحاكمة في الرياض. وأوضح النائب العام السعودي أن التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة في موضوع اختفاء المواطن “جمال خاشقجي” أظهرت أن المناقشات التي تمت بينه وبين الأشخاص الذين قابلوه أثناء وجوده في قنصلية المملكة في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 أدت إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي معه، ما أدى إلى وفاته وعليه تم توقيف 18 شخصاً جميعهم من الجنسية السعودية متورطين في القضية بخضعون للمحاكمة الان وطالبت النيابة العامة السعودية بالاعدام لخمسة منهم. كما وافقت الرياض علي تشكيل فريق عمل مشترك سعودي – تركي، وأشارت النيابة العامة بالرياض إلى أنها سبق أن طلبت من نظيرتها التركية تزويدها بالأدلة والقرائن التي لديهم، ومنها أصول التسجيلات الصوتية كافة التي في حوزة الجانب التركي المتعلقة بهذه القضية، وأن يتم توقيع آلية تعاون خاصة مع الجانب التركي، لتزويدهم بما تتوصل له التحقيقات من نتائج وفقاً لأحكام النظام، وطلب ما لديهم من أدلة وقرائن تدعم أو تتعارض مع ما تم التوصل إليه من نتائج للإفادة منها، وماتزال النيابة العامة بانتظار ما طُلب منهم.
بدورها أجرت أنقرة تحقيقًا موازيًا وأصدر القضاء التركي في 5 ديسمبر 2018 مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودية “أحمد عسيري”، و”سعود القحطاني” المستشار السابق لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، وطالبت الرياض بتسليمها الاثنيين لمحاكمتهم بأنقرة. بيد أن المملكة رفضت وقرر العاهل السعودي الملك “سلمان” توقيف الاثنيين وتتم محاكمتهم بالرياض الآن كما تم إجراء تعديلات جذرية على هيكل المؤسسة المخابراتية والأمنية السعودية بعد هذه الحادثة.
وكانت المملكة قد طالبت أنقرة أكثر من مرة بتسليمها الأدلة التي تملكها وتخص القضية، بيد أن أنقرة ترفض وتصر علي ضرورة تسليمها المتهمين وتجري محاكمتهم علي أراضي تركية نظرا لان القضية وقعت في اسطنبول بيد أن هذا يخالف القانون الدولي لان القنصلية السعودية تعد وفقا للقانون الدولي أرض سعودية وليس لتركيا اي ولاية قانونية عليها. بيد أن هذا لا يقنع أنقرة حيث أكد وزير الخارجية التركي “مولود تشاووش أوغلو” يوم 24 يناير 2019 أن الوقت حان لفتح تحقيق دولي في قضية “خاشقجي”، مؤكدا أن الرئيس “أردوغان” أعطى أوامره بتحويل القضية إلى مستوى دولي. بيد أن الرياض ترفض كافة دعوات التدويل للقضية وأوضحت ذلك مباشرة وزير الخارجية السعودي السابق “عادل الجبير” بختام القمة الخليجية الـ 39 التي عقدت بالرياض يوم 9 ديسمبر 2018 رفض بلاده تسليم أيا من مواطنيها لتركيا أو أي دولة أخرى، وكان موقف “الجبير” للرد علي طلب نيابة اسطنبول تسليم خمس مواطنين سعوديين لها لبدء تحقيق معهم لتورطهم بمقتل “خاشقجي”.
هذا التعنت التركي والإصرار علي تدويل القضية رغم أن الرياض أتخذت كافة الإجراءات اللازمة لمعاقبة الجناة، لا يستند إلي أي موقف دولي يدعمه. فالموقف الأمريكي كان حاسمًا وقاطعًا عبر عنه الرئيس “دونالد ترامب” ووزير خارجيته “مايك بومبيو”، ويتلخص في أن واشنطن لن تفتعل أزمة مع الرياض بسبب حادثة “خاشقجي” وخلال جولته بالدول العربية التي ضمت 8 دول (8-15 يناير) وشملت الاردن، مصر، العراق، دول مجلس التعاون الخليجي ومن بينها بالطبع السعودية، أكد “بومبيو” أن السعودية “حليف أساسي للولايات المتحدة وستستمر الشراكة بينهما لانها أساسية لاستقرار المنطقة وأمنها”. وأكد “ترامب” أن “العلاقة مع السعودية لا يمكن حصرها في قضية خاشقجي”. وطالبت واشنطن بمحاسبة المسؤولين عن الحادثة وهو ما تفعله الرياض حاليا حيث تخضعهم للمحاكمة. ولذا فإن الهدف من التحركات التركية هو إبتزاز السعودية وإرباك دورها الإقليمي المحوري الذي ينافس نظيره التركي.
ثانيا: قضايا خلافية :
مرت العلاقات التركية السعودية خلال عام 2018 المنقضي بأصعب الأزمات في تاريخها وستحدد مستقبل العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين الإقليميتين الهامتين كلا في محيطه، وأصبح التوتر في العلاقات التركية السعودية أمرًا واضحًا معروفا للجميع، الأمر الذي ينسحب على مجمل العلاقات التركية الخليجية لاسيما الإماراتية نظرًا للتحالف الوثيق بين أبوظبي والرياض، مما يلقي بظلاله على مستقبل العلاقات التركية السعودية خلال عام 2019 فمنذ عامين والعلاقات بين أنقرة والرياض تشهد توترًا مستترًا برز للعلن في حادثة “خاشقجي”، ورغم حرص الدولتين على استمرار الحد الأدني من التعاون بينهما إلا أن الحملات الإعلامية العدائية المتبادلة تنذر بأن عام 2019 سيشهد المزيد من التوتر في العلاقات التركية السعودية، والتركية الإماراتية التي ربما تصل لحد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهم، نظرًا لكثرة القضايا الخلافية بينهم حيث ..
*أظهر الأمير “محمد بن سلمان” ولي العهد السعودي الخِلاف السعودي التركي إلى العَلن، عندما أكّد لمَجموعةٍ من الصحفيين المصريين اجتمع بهم في مَنزل سفير بِلاده في القاهِرة، في 7 مارس/ آذار 2018 أن إيران وتركيا والجَماعات الدينيّة المُتشدِّدة تُشكِّل المِحور الحالي للشَّر في المِنطقة، واتّهم تركيا بمُحاولة إحياء الخِلافة الإسلاميّة العُثمانيّة. وروج الاعلام السعودي بعد ذلك إلى أن التّحالف الرباعي (السعوديّة والإمارات، مِصر والبحرين) يعتبر تركيا أكثر خُطورةً من إيران بسبب سياستها التي تُريد الهَيمنة على الدول العربية واستعادة نفوذ الدولة العثمانية واحتلال بعض المدن في شمال سوريا والعراق وامتداد نفوذها ليشمل التواجد العسكري والأمني في بعض الدول العربية كقطر والصومال. مما يمثل تهديد للامن القومي العربي ككل. وهو الامر الذي تعهد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي “أنور قرقاش” باستمرار “المحور العربي” المرتكز على السعودية ومصر بالعمل ليزداد قوة وزخما في عام 2019 بغية مواجهة تركيا وإيران.
*اتخذت تركيا موقفا معاديا للرياض في الأزمة القطرية التي بدأت بعد اعلان (الرياض، القاهرة، ابوظبي، المنامة) مقاطعتهم للدوحة في 5 يونيو 2017 ، حيث أعلن “أردوغان” دعمه لقطر وأنشأ قاعدة عسكرية هناك ومد جسر اقتصادي بين انقرة والإمارة الخليجية، ضاربا عرض الحائط بالعلاقات التركية السعودية والتركية الاماراتية التي تمثل مصدر هام للاقتصاد التركي فالدولتين الخليجتين من أكبر المستثمرين في تركيا لاسيما في سوق العقارات الذي يشهد أزمة ركود حاليا. ومازال التحالف التركي القطري مستمر مقابل التوتر التركي السعودي الإماراتي، ورهنت دول الرباعي العربي المقاطعة لقطر عودة العلاقات معها بإنهاء التواجد العسكري التركي والإيراني في الدوحة وهو ما ترفضه أنقرة حيث يسعى “أردوغان” لتعزيز تواجده العسكري في الدول العربية وبسط نفوذه السياسي والاقتصادي بها.
*تحركات السياسة الخارجية التركية تبدو معادية لنظيرتها السعودية، حيث ترتبط تركيا بعلاقات استراتيجية متميزة مع إيرن التي تصنفها الرياض كعدو أساسي لها ومصدر للعبث بالأمن القومي العربي والتدخل في الشأن الداخلي الخليجي والعربي كما تقوم طهران بدعم عدد من الميليشيات المسلحة في العراق وسوريا واليمن مما يعرقل إرساء الإستقرار بتلك الدول، كما تقوم تركيا بدعم الجماعات المسلحة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في غرب ليبيا وتعرقل أى مسارات أممية لوضع تسوية نهائية هناك، وكذلك تقوم أنقرة بإستقبال كافة العناصر المصرية الإخوانية التي تقوم ببث قنوات فضائية من تركيا تحرض ضد الدولة المصرية. كما إنتقدت الرياض وأبوظبي التدخلات العسكرية التركية المستمرة في العراق وسوريا التي تمثلت في عملتي “درع الفرات أغسطس 2016” و”غصن الزيتون 19 يناير 2018″، ووصفت الرياض وأبوظبي والقاهرة التواجد العسكري التركي بشمال سوريا بأنه “إحتلال تركي” لسوريا كما ترفض الدول الثلاث إقامة منطقة آمنة تحت سيطرة تركيا في شمال سوريا. وكذلك انتقدت الدول الثلاث إقامة قواعد عسكرية تركية في السودان (إعادة تأهيل مدينة سواكن 2018، الصومال أبريل 2017) فضلا عن التحركات التركية في أفريقيا التي تمثل منافسًا للسعودية والإمارات. هذا السلوك التركي الخارجي يمثل سلوكًا معاديًا للسعودية في المدى القصير والمتوسط وينذر بأن مساحة الخلاف بين الدولتين ستتسع مستقبلا. فقد استغل “أردوغان” ثَغرة الخِلاف القطري مع الدُّول الأربَع لإقامة قاعدة عسكريّة في مِنطقة “العديد” في قَلب الخليج العربي بقطر قوامها 30 ألف جندي والعَدد في تزايد، وانْتزع السودان من التّحالف العربي وأسّس قاعدة عسكريّة اقتصاديّة في مِنطقة سواكن على شواطِئ البحر الأحمر، وأُخرى قبلها في الصومال، ووقع اتفاقات تجاريّة استراتيجيّة مع الجزائر وموريتانيا وتونس خلال جولة افريقية بنهاية 2018، ويرفض وزير خارجيته “مولد جاويش أوغلو” دوما غلق القاعدة العسكرية التركية بقطر ووصف هذه المطالب بغير الواقعية وهو ما تعده الرياض إختراق لأمنها القومي عبر وجود قواعد عسكرية تركية وإيرانية بقطر.
*تعد أزمة مقتل “خاشقجي” أزمة كاشفة عن حجم الخلافات بين أنقرة والرياض، كما أنها كشفت عن وجود تجسس تركي علي السفارات الأجنبية بإسطنبول وهي قضية ضد العرف الدبلوماسي بين الدول. كما أن أنقرة تتعمد إدانة القيادة السعودية في الحادثة رغم نفي الرياض المتكرر لوجود صلة بين ولي العهد “محمد بن سلمان” والحادثة وهو ما أكدته بعض التقارير الأمريكية المخابراتية الخاصة بهذا الشأن. ورغم إهتمام “أردوغان” المبالغ فيه بالقضية إلا أن أجهزته الأمنية لم تمنع إرتكاب الحادثة لكنها سجلت مقتله عبر الصوت فقط، وكذلك فشلت في الكشف عن تفاصيلها أو معرفة مكان الجثة حتى اليوم. وفور بدء الأزمة عول “أردوغان” كثيرًا علي الموقف الأمريكي لكي ينهي الأزمة بالتدويل أو بالضغط علي الرياض لتنحيه ولي العهد من منصبه، بيد أن هذا لم يحدث وأنهي الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الجولة لصالح الرياض، ففي 12 ديسمبر 2018 جدد الأخير تأكيد إدارته لمواصلة العمل مع المملكة العربية السعودية وولي عهدها الأمير “محمد بن سلمان”، ووصف الأمير بالزعيم المتمكّن من سلطته، والسعودية بالحليف الجيد للغاية. وجاء حديث “ترامب” لدحض دعوات أطلقها عدد محدود من الأعضاء بالكونجرس الأمريكي ضد السعودية وولي عهدها.
ثالثا: مستقبل العلاقات التركية السعودية:
في ظل استمرار المواقف التركية والسعودية الآنية فإن هناك 3 إحتمالات لتطور العلاقات بين الدولتين، تتأرجح بين المصالحة والعداء ومنها ..
*السيناريو الأول .. إجراء مصالحة وإحتواء الأزمة: وهذا السيناريو يقضي بإجراء مصالحة تركية سعودية بعد قيام أنقرة بغلق صفحة مقتل “خاشقجي” والإكتفاء بالتحقيقات السعودية في الحادثة وذلك بعد فشل مساع أنقرة السابقة في تدويل القضية ومن المتوقع أن تفشل مساعيها القادمة في نقل القضية للمحكمة الجنائية الدولية لأنها تقبل القضايا ضد الدول وليس ضد الأشخاص كما أن الرياض اعترفت بإرتكاب بعض المسؤولين الجريمة وأخضعتهم للمحاكمة وسيتم إعدامهم، وربما يلجأ “أردوغان” للقبول بإحتواء الأزمة بعد إنتهاء الإنتخابات البلدية المقبلة المقررة في 31 مارس 2019، حيث إنه يستغل الأزمة لحشد الناخبين من خلال الترويج للدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأى، كما أن إحتواء الأزمة من شأنه ضخ المزيد من الاستثمارات الخليجية في الاقتصاد التركي الذي يعاني من أزمة مستمرة. والتراجع عن المواقف وتبديل الحلفاء اعداء والعكس هو نهج السياسة الخارجية “لأردوغان” الذي يبرع فيه، وربما يقدم حلقة جديدة منه لاحتواء التوتر مع الرياض وأبوظبي.
*السيناريو الثاني .. استمرار التوتر: وهذا السيناريو يقضي بإستمرار الوضع القائم بين الرياض وأنقرة الذي يشوبه توتر سياسي وفتور إقتصادي، بيد أنه يحافظ على الحد الأدني من العلاقات بين البلدين، لأن الإبقاء علي قنوات تواصل يساهم في حل عدد من الملفات الاقلمية محل الإهتمام المشترك بينهما ومنها الملف (السوري، الفلسطيني، الليبي، القطري)
*السيناريو الثالث .. التصعيد وقطع العلاقات: وهذا السيناريو المرجح في ظل عزم “أردوغان” تدويل قضية “خاشقجي” ونقلها للمحكمة الجنائية الدولية، حيث ربما تلجأ الرياض للرد على هذا التصعيد لإعلان قطع العلاقات السياسية وتبادل سحب السفراء مع أنقرة، وهذا سيؤدي إلي إستمرار الأزمة وإتساع نطاقها ومداها، كما سيؤدي لإستمرار الإنقسام الاقليمي بين محورين متناقضين إيديولوجيًا وسياسيًا وهما المحور الأول يضم (قطر – تركيا – إيران) مقابل المحور الثاني ويضم (السعودية – الامارات – مصر) وهذا الانقسام سيؤثر علي مجمل ملفات المنطقة وآليات تسويتها.
مما سبق، نرى أن جوهر الأزمة في العلاقات التركية السعودية تكمن في رؤية “أردوغان” لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” كمنافس إقليمي له على زعامة العالم الإسلامي، حيث إنه قد فشل في نسج علاقات صداقة مع “بن سلمان” منذ ظهوره على المشهد السياسي السعودي في عام 2015، ولذا يرغب “أردوغان” في إستغلال قضية “خاشقجي” للإطاحة “ببن سلمان” من منصبه وتشويه صورته أمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي وهو ما لم ينجح فيه حتى اليوم، وظهر هذا جليا في قمة العشرين التي عقدت في الأرجنتين بنهاية 2018 حيث عقد “بن سلمان” لقاءات مع رؤساء دول كبرى كروسيا وفرنسا ولم ينجح أردوغان في عرقلة حضوره، كما برز ذلك من خلال جولة “بن سلمان” العربية والآسيوية وما يلاقيه من حفاوة استقبال وترحيب في كافة الدول. ولذا فإن “أردوغان” أمامه خيارين إحتواء الأزمة أو تصعيدها والأشهر المقبلة ستوضح إيهما سيختار.