تقرير: ياوز أجار
إسطنبول (زمان التركية) – في خطوة مثيرة للغاية، أصدر مكتب الادعاء العام قرارًا بإغلاق ملف قضية مراد تكين واثنين آخرين من الطلبة العسكريين الذين قتلوا على يد مجموعة من “المدنيين” على جسر البوسفور في إسطنبول خلال محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/ تموز 2016.
وبرر مكتب الادعاء العام في مدينة إسطنبول قراره بإحدى مراسيم الطوارئ أصدرته حكومة حزب العدالة ولتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان في عام 2017 وينص على “عدم معاقبة المدنيين الذين شاركوا في المبادرات الرامية إلى التصدي لمحاولة انقلاب 2016 وما تلاها من أحداث أخرى”.
وكان مجموعة من الطلبة العسكريين تعرضوا للخداع وأرسلوا إلى جسر البوسفور في إسطنبول بحجة المشاركة في “تدريبات عسكرية”، دون أن يعلموا المصير الذي كان ينتظرهم وأنهم سيصبحون أدوات لمسرحية انقلابية دموية.
ومن المثير للدهشة أن مدنيين هاجموا الطلبة العسكريين بالسكاكين والأحجار والأسلحة النارية وقتلوا عديدًا منهم، بينهم الشاب مراد تكين البالغ من العمر 21 عامًا، وذلك بعد إجهاض الانقلاب “المدبر” ومع أن الطلبة كانوا سلموا أنفسهم للسلطات الأمنية.
ونقلت المحامية مهتاب تكين، شقيقة الشاب مراد، في تغريدة نشرها عبر حسابها على تويتر، عن المدعي العام قوله: “أيتها السيدة المحامية، لا تسبّبي لي المشاكل ولا تعرّضيني للخطر، فإنني لا أستطيع النظر في ملف مراد.”
ثم علقت المحامية تكين قائلة: “المدعي العام الجبان قد حكم بإغلاق ملف قضية أخي بناء على أوامر تلقاها من أنقرة”، في إشارة منها إلى السلطة السياسية بقيادة الرئيس أردوغان.
https://twitter.com/MehtapTekin19/status/1098996155718033409
ادعت أخت الشاب مراد أن المدعي العام رفض أيضًا الشكاوى التي رفعها مجموعة من المواطنين الآخرين في مقتل أخيها، حيث قالت في سلسلة تغريداتها: “إن ثمانية مواطنين شاهدوا المجزرة التي تعرض لها أخي ليلة الانقلاب رفعوا أيضًا دعوى ضد الجناة، إلا أن المدعي العام رفض طلباتهم كذلك، فهو لا يقبل حتى الشهود”.
يذكر أن أردوغان أقرّ تعديلات لقانون الطوارئ بإصدار مرسوم رقم 696 في نهاية ديسمبر 2017 تحصن المدنيين الذين تصدوا لمحالة الانقلاب من المسائلة الجنائية، سواء تم هذا وقت وقوع الانقلاب أم بعده.
ومع أن المحاولة الانقلابية وقعت في 15 يوليو/ تموز 2016 إلا أن القانون المشار إليه لم يحدد سقفاً زمنياً لهذا الإعفاء؛ ودون النظر إلى حمل هؤلاء لصفة رسمية من عدمه!
وانتقدت العديد من القوى الوطنية التركية هذا التعديل؛ فذهب جانب من هذه الانتقادات إلى توجيه رسالة للرئيس التركي مفادها “لقد تمكنتم من إصدار مادة تسمح للمواطنين بقتل بعضهم البعض، فتقول لهم اقتل ولا تقلق، لن نعتبرك مذنباً”.
كما وصف الرئيس التركي السابق عبد الله جول هذا المرسوم بأنه “لا يتوافق مع معايير دولة القانون ويبعث على القلق”، وطالب بمراجعته.
كما أن ميرال أكشنار زعيمة حزب الخير الملقبة بالمرأة الحديدية في تركيا، والتي شغلت في السابق منصب وزير الداخلية، عبرت عن استنكارها للتعديل بتغريدة نشرها على حسابها، قالت فيها: “إن السماح للمواطنين باستخدام وحمل السلاح بحجة صدّ محاولة الانقلاب يجر البلاد لحرب داخلية”.
الانقلاب هدية من الله؟!
يدل ما أدلى به أردوغان من تصريحات ليلة الانقلاب الفاشل على نيته المبيتة في إعادة هيكلة الجيش وفق أهوائه حيث قال: “هذه المحاولة في التحليل الأخير لطف كبير من الله من أجل تطهير القوات المسلحة من العناصر التي من المفترض أن تكون خالية ونقية منها أصلاً.”
أما دعوة أردوغان أنصاره للنزول إلى الشوارع بدلا من القوات الأمنية ليلة الانقلاب، وتوزيع أسلحة عليهم واستخدامها ضد الطلبة العسكريين العُزل، وقصف مقر البرلمان، فقد شكلت الصورة التي يريدها من أجل إضفاء صبغة حقيقية على روايته الرسمية للأحداث، كما فعل من قبله هتلر الذي أحرق البرلمان الألماني لإطلاق حركة تصفية شاملة ضد معارضيه.
ومن ثم فقد شرع أردوغان في صبيحة تلك الليلة في تصفية غير مسبوقة في صفوف الجيش ومجلس القضاء الأعلى وكبار البيروقراطيين وفق قوائم التصنيفات التي أعدها تنظيم “أرجنكون” -الدولة العميقة- والتي تتكون في الأساس من الجنرالات والضباط الموالين للناتو، باعتراف هذا الأخير، ثم فصل واعتقال عدد كبير من العسكريين الذين تصدوا للانقلاب، ومنهم القائمون على حماية طائرة أردوغان شخصيًّا أثناء انتقالها من مدينة موغلا إلى إسطنبول، كما توسعت حملات تصفية المدنيين دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال، حتى الذين كانوا خارج تركيا زمن الانقلاب. كما انتهز أردوغان هذه الفرصة وأمر بإغلاق مئات من المؤسسات التعليمية والإعلامية ومصادرة ممتلكات أكثر من ألفي شركة وفصل مئات الآلاف من وظائفهم. بالإضافة إلى التعذيب الممنهج داخل السجون والمعتقلات لانتزاع اعترافات من المعتقلين تستخدم لمزيد من الاعتقالات ولإضفاء الشكل القانوني على المحاكمات الصورية.
وتحمل كل هذه الإجراءات والممارسات دلالات صريحة على تدبير أردوغان لهذه المحاولة الانقلابية الفاشلة مع حليفيه أرجنكون والإسلاميين ليتمكن بعدها من إطلاق انقلاب مضاد حقيقي يعيد من خلاله هيكلة المؤسسة العسكرية والسلك البيروقراطي والحياة المدنية. وليس أدل على ذلك إلا اتخاذ أردوغان قرارًا بالتدخل العسكري في سوريا عقب وقوع الانقلاب وإجراء التصفيات اللازمة في الجيش في ظل رئيس الأركان عينه الذي أعلن قبل 5 أشهر فقط أن الجيش لن يتدخل عسكريا في سوريا ما لم يكن هناك قرار أممي.