تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (زمان التركية) – شهدت تركيا يوم السبت الماضي حادثة في غاية الوقاحة؛ حيث أقدم شرطي على الاعتداء والتحرش بفتاة جامعية أثناء محاولة فضّ مشاركين في تظاهرة سلمية نظمتها إحدى المجموعات اليسارية في العاصمة أنقرة احتجاجًا على اعتقال محامين بصورة تعسفية.
لو حدثت هذه الواقعة في دولة تطبق الديمقراطية ولو بمستوياتها الدنيا لكانت الخطوات الإدارية والسياسية التي يمكن أن تتخذها كما يلي:
- يأمر جهاز الأمن بفتح تحقيق إداري للتأكد من صحة ما حدث بكل ملابسته.
- يأمر بإبعاد الشرطي أو الشرطيين المتورطين في الحادثة إذا ثبتت الجريمة.
- تفتح النيابة العامة تحقيقًا قضائيًّا دون النظر إلى هوية وانتماءات الضحية وتعد لائحة اتهام وتحيل بعد ذلك الملف إلى المحكمة حتى تصدر العقوبة المنصوصة عليها في الدستور والقوانين على مرتكب هذه الفعلة الشنيعة.
وطبعا يجب أن يخرج مسؤولون يمثلون السلطة السياسية ويتعهدون بأنهم سوف يتابعون القضية بكل حذافيرها حتى يتم معاقبة كل من له صلة بالحادثة.
نعم هذه هي الإجراءات المحتملة التي يمكن أن يتعامل بها أي بلد يطبق أدنى معايير الديمقراطية مع هذا النوع من القضايا.
لكن ما حدث في تركيا إزاء هذه الواقعة النكراء يكشف عن مدى التدني الإنساني والأخلاقي والسياسي الذي وصلت إليه البلاد.
دعو عنكم فتح تحقيق إداري أو قضائي أو إبعاد عن الوظيفة، فإن جهاز الأمن بادر إلى الدفاع عن الشرطي المتحرش بالفتاة بحجةٍ لا ينص عليها كتاب سماوي أو قانون بشري، وهي أن “والد الفتاة ينتمي إلى منظمة فتح الله كولن..!”، وذلك مع أن الوالد لم يخضع لأي توقيف أو محاكمة.
شاهد
الشرطة التركية تحرشت بهذه الفتاة أثناء توقيفها بسبب تظاهرة سلمية نظمتها جمعية يسارية ليس لها أي علاقة بـ #حركة_الخدمة
ثم بررت الشرطة هذه الواقعة غير الإنسانية بأن والد الفتاة من حركة الخدمة
ثم بررت مسؤولة في الحزب الحاكم بأنها وقعت بسبب الارتباك
و #أردوغان ساكت !! pic.twitter.com/iWUZHLZIbD
— نبض تركيا NabdTurkey (@nabdturkey) February 20, 2019
أما الحكومة، فرغم أنها تزعم أنها تهتم خاصة بمثل هذه القضايا الأخلاقية، نظرًا لانتمائها إلى التيار الإسلامي، بحسب زعمها، إلا أن تصريحات المسؤولين في هذا الصدد كشفت مرة أخرى عن ازدواجيتهم وعنصريتهم لحزبهم ومؤيديهم وانسلاخهم عن أبسط المبادئ الإنسانية والدينية.
فقد دافعت نائبة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم بالبرلمان، أوزلام زنجين، عن الشرطي الذي تحرش بالفتاة، حيث وصفت التحرش بـ“حركة خاطئة ناجمة عن الارتباك“، بدلاً من أن تتضامن مع نظيرتها في الجنس، خاصة أنها محجبة مثل الفتاة الضحية المدعوة مروة دميرال.
أما تصريحات وزير الداخلية سليمان سويلو الذي يتبع جهاز الأمن لوزارته، فكانت القطرة التي أفاضت كأس غضب الشعب، فقد أعلن الفتاة المشاركة في التظاهرة “مشروعًا”، وزعم أنها تنتمي إلى حزب – جبهة التحرر الشعبي الثوري (DHKP-C)، ثم دافع عن الشرطي المتورط في جريمة التحرش قائلاً: “إذا شاركتم في تظاهرة غير قانونية فعليكم تحمل التبعات (أي التحرش)”.
واستمر سويلو في تصريحاته قائلاً: “إذا كان هناك تحرش فعلاً نتابع القضية. لكن لن أسمح بتضحية شرطي من أجل فتاة تنتمي إلى جبهة التحرر الشعبي الثوري الإرهابية وينتمي والدها إلى منظمة فتح الله كولن..!”
لا شكّ أن الجميع، بمن فيهم مؤيدو حزب العدالة والتنمية، باتوا يعلمون أن منظمة فتح الله كولن شيء وهمي ليس له حقيقة، وإنما هي أداة يعلق الحزب عليها كل ملابسها السوداء، أو شماعة يعلق عليها جرائمه وإخفاقاته.
شرطة #أردوغان في #تركيا تتحرش بطالبة محجبة وتدافع عن نفسها على لسان وزير داخليتها بأنها من #حركة_الخدمة. منظمات حقوقية تحتج على هذا الاعتداء وتندد بالمستوى المتدني الذي وصلت إليه حرمة المرأة وحقوق الإنسان في تركيا. يذكر أنه يقبع 18.000 امرأة من نساء حركة الخدمة في سجون أردوغان. pic.twitter.com/3b36qH3Eto
— ملف تركيا لحقوق الإنسان (@Turkeyfile) February 21, 2019
أما المسؤول الأعلى الذي يجلس في برجه العالي، فمع أنه يدلي بتصريحات في كل صغيرة وكبيرة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بـ”أخواته المحجبات”، فلم ينبس ببنت شفة حتى اللحظة. أين هو يا ترى من وصف العدل الذي يحمله اسم حزبه؟ هل كان سيلتزم الصمت لو كانت الفتاة من حزبه؟
وهذه الحادثة أثارت تساؤلات حول الممارسات التي تتعرض لها السيدات المعتقلات بحجة الانقلاب الفاشل أو الانتماء إلى حركة الخدمة والتي يبلغ عددهن نحو 18 ألف، حيث إذا كان الشرطي الذي يرتكب مثل هذه الجريمة في غاية البشاعة أمام أعين الناس والكاميرات تحظى بهذا القدر من الحماية من أعلى السلطات، فإن الإنسان لا يستطيع أن يتصور ما يحدث خلف جدران السجون.
هل أردوغان مرتاح من صيرورة حزبه إلى حزب يدافع عن مثل هذا التحرش الصارخ يا ترى؟!