تقرير: محمد عبيد الله
لندن (زمان التركية) – دعا الكاتب التركي المتخصص في الشؤون الاقتصادية إيسار كاراكاش إلى معاقبة الذين تسببوا في تراجع تركيا إلى المرتبة الـ78 بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2018 الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية في يناير/ كانون الثاني الماضي.
واعتبر الكاتب المعروف بتوجهاته الليبرلية ودعمه لحكومات حزب العدالة والتنمية السابقة قبل خروجها عن المسار الديمقراطي أن هذه الدرجة المتدنية أكبر إهانة للأتراك، مناشدًا معاقبة المسؤولين عن هذه النتيجة طبقًا للمادة الـ301 من قانون العقوبات التركي التي تتعلق بمعاقبة الأشخاص المهينين للهوية والقومية التركية.
يشار إلى أن منظمة الشفافية الدولية تقوم بتصنيف 180 بلدًا وإقليمًا وفقًا لمدركات انتشار الفساد في قطاعها العام، استنادا إلى آراء الخبراء والمسؤولين في مجال أعمال، حسب مقياس يتراوح ما بين 0 و100 نقطة، حيث تمثل النقطة الصفر أكثر البلدان فسادًا؛ في حين تمثل النقطة 100 أكثرها نزاهة.
وكانت تركيا حصلت على 40 نقطة، بينما احتلت الدنمارك ونيوزيلندا وفنلندا وسنغافورة والسويد وسويسرا صدارة القائمة بعد حصولها على أعلى الدرجات في الترتيب، في حين أن كوريا الشمالية واليمن وجنوب السودان وسوريا والصومال أتت في ذيل القائمة.
ولفت كاراكاش في مقال نشره موقع “أحوال تركية” بعنوان “ارتفاع مؤشرات الفساد بالتزامن مع ارتفاع مستويات الفقر” إلى أن الدول التي تبوأت مراكز متأخرة في مؤشر مدركات الفساد ينخفض فيها دخل الفرد أيضًا بنفس القدر، ذلك أن أكبر عدو للإثراء والتنمية هو مدركات الفساد، على حد تعبيره.
وفصل كاراكاش الموضوع قائلاً: “كلما زاد الفساد تضاءلت الاستثمارات المحلية والأجنبية، الأمر الذي يؤدي إلى الإخفاق في تحقيق الثراء والتنمية. وبما أن الفساد يعني استغلال اللوائح والقوانين لتحقيق مصالح شخصية، فإنه يتمخض عنه في النهاية اقتصادٌ مشوّه يعوق عملية التنمية ويؤدي بالتالي إلى زيادة الفقر.”
كما سلّط الكاتب الضوء على طبيعة العلاقة بين الديمقراطية والفساد قائلاً: “هناك علاقة عكسية بين الديمقراطية والفساد؛ فكلما زادت الديمقراطية قلّ الفساد، والعكس صحيح أيضًا”، ثم سرد المعايير التي تراها منظمة الشفافية الدولية ضرورية لوصف أي دولة بالديمقراطية: وهي: 1) انتخابات حرة ونزيهة، 2) مؤسسات عامة قوية ومستقلة، 3) حرية ممارسة الحقوق السياسية، كالمظاهرات والاحتجاج، 4) الحقوق المدنية، مثل الحق في المحاكمة العادلة.”
وأضاف كاراكاش أن الدول التي تتوافر فيها تلك المعايير الديمقراطية الأربعة لم تتراجع إلى ما دون 50 نقطة في مؤشر مدركات الفساد، وفي مقابل ذلك لم ترتفع جل الأنظمة الأوتوقراطية فوق 50 نقطة في هذا المؤشر، ثم عقّب بقوله: “حازت تركيا على 40 نقطة في مؤشر الفساد. وهذا يوجب علينا البحث عن المسؤولين عن هذه النتيجة المخجلة ومعاقبتَهم وفق قانون إهانة الهوية التركية! حيث إن هذه الدرجة أكبر إهانة للقومية التركية!”
يشار إلى أن منظمة الشفافية الدولية تجري دارساتها منذ عام 1995. ومن المثير للانتباه أن تركيا كانت متقدمة على كل من اليونان وإيطاليا، أي كانت أقلّ فسادًا منهما، في الدراسة الأولى للمنظمة، إلا أنهما أحرزتا نجاحًا ملحوظًا بمرور الوقت وخلّفتا تركيا وراءهما بتحقيق نقاط عالية في مؤشر أقلّ الدول فسادًا، في حين أن تركيا ظلت بعد ذلك التاريخ في خانة الدول التي تشهد تراجعًا مستمرًا في هذا المجال.
تجدر الإشارة إلى أن منظمة الشفافية تقدم توصيات إلى البلدان التي نالت على حوالي 40 نقطة في مؤشر مدركات الفساد، مثل تركيا، وتصف حكام تلك البلدان بـ”الزعماء الشعبويين الملطخين بالفساد”، ومن هذه التوصيات: 1) فتح المجال للمنظمات غير الحكومية واستخدام حرية التعبير إلى أبعد الحدود، 2) تمكين المواطنين بأي طريقة كانت من مراقبة الإنفاقات العامة ومحاسبة المسؤولين عنها، 3) إصلاح النظام القضائي لتحقيق مبدأ المحاكمة العادلة، إلى جانب المؤسسات العامة، 4) رفع كل العقبات التي تمنع من الوصول إلى المعلومات والأخبار.
وتطرق الكاتب كاراكاش إلى موقف تركيا من هذه المعايير قائلاً: “إذا أردنا أن ننظر إلى تركيا على ضوء هذه المقترحات الأربعة، فإننا سنرى صورة قاتمة للغاية؛ إذ تتحدث منظمة الشفافية عن ضرورة تفعيل المجتمع المدني، إلا أن عثمان كافالا، إحدى أبرز الشخصيات العاملة في المجال المدني، لا يزال في السجن ولم يتم حتى إعداد مذكرة اتهام منذ أكثر من سنة. وتتحدث عن حرية التعبير، غير أنها باتت تحت الأقدام؛ لأن مئات الأكاديميين يخضعون للمحاكمة بسبب توقيعهم على بيان “السلام الكردي”. أما تمكين المواطنين من مراقبة الإنفاقات العامة فإنه حتى البرلمان والجهاز الرقابي للدولة عاجزان عن مراقبتها دعوا عنكم المواطنين. وأما النظام القضائي، فالجميع متفقون على أنه لم يعد يعمل، وباتت كل القرارات بين شفتي رجل واحد. وتدعو الشفافية الدولية إلى رفع الموانع الحائلة دون الوصول إلى الأخبار، لكن لا يزال الدخول إلى موسوعة ويكيبيديا الحرة محظوراً في تركيا. فهل هناك حاجة لمزيد من القول؟”
وذكر كاراكاش أن تركيا تحتل المرتبة قبل الأخيرة بين 35 بلدًا عضواً في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث انتشار الفساد أيضًا، مشيرًا إلى أن هناك دولة وحيدة أسوأ منها وهي المكسيك!
والمثير أن الكاتب أرجع سبب تدهور مستوى التعليم وانخفاض الدخل القومي للفرد الواحد في تركيا إلى الفساد أيضًا حيث قال: “تركيا تأتي في المركز الـ34 في اختبارات البرنامج الدولي لتقييم الطلبة التي تجريها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتأتي بعدها في المركز الأخير المكسيك أيضًا، مما يعني أن الفساد يعرقل التنمية الاقتصادية، وهذا يؤدي إلى عدم تخصيص موارد كافية للتعليم.”
وتابع: “تركيا ليست في وضع يحسد عليه أيضًا في مؤشر التنمية البشرية الذي ينشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سنويًّا، حيث جاءت في المرتبة الـ64 في تقريره الأخير. ونفهم من ذلك أن التراجع في مؤشر الفساد يتسبب في انخفاض الدخل القومي للفرد الواحد، ويؤثر سلبًا على مؤشر التنمية البشرية في آن واحد.
واختتم الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية إيسار كاراكاش مقاله بقوله: “وسط هذا المشهد المخيف في تركيا يجب أن تكون مكافحة الفساد بكل أنواعه على رأس أولوياتنا، لأن تفاقم الفقر بالتناسب مع زيادة الفساد حقيقة واضحة وضوح الشمس”.