القاهرة (زمان التركية)ـــ قال الصحافي والباحث المتخصص بالشأن التركي محمد أبو سبحة، في حوار مع مجلة (المجلة) اللندنية، إن حزب العدالة والتنمية الحاكم يعتبر الانتخابات البلدية التركية 2019 “معركة تحديد مصير مع المعارضة”، مرجحًا أن لا يحقق الحزب الحاكم فوزًا ببلديات المناطق ذات الغالبية الكردية إذا ما أجريت انتخابات عادلة، مشيرًا إلى تغيير مرتقب بالخريطة السياسية نتيجة تحالف العثمانية الجديدة مع القومية في تركيا.
وفي البداية، تسائل الصحفي محمد أبو سبحة «هل تتخيل أن وزيرا يمكنه قبول تولي منصب رئيس بلدية؟ نعم ممكن لدى العدالة والتنمية» وقال في حوار مع «المجلة»: «بعد أن كشف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن قائمة مرشحي حزبه الحاكم للمنافسة في انتخابات المحليات لرئاسة البلديات التركية، ضمت القائمة 5 وزراء سابقين! فضلا عن موظفين سابقين بمجلس الوزراء ومحافظين، وما يثير الاستغراب هو أن رئيس الوزراء السابق ورئيس البرلمان الحالي بن علي يلدريم مرشح لرئاسة بلدية إسطنبول».
ولفت أبو سبحة المتخصص بالشأن التركي إلى أن «لعبة تبديل المناصب التي بات يلعبها مؤخرًا حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ 16 عامًا وكانت السر وراء فوزه بالانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة رغم تصاعد اتهامه من قبل المعارضة بالانحراف الاستبدادي وفساد نظامه»، موضحا أن «الحكومة الجديدة المشلكة في تركيا قبل أشهر شهدت أول فصول هذه اللعبة بانتقال رئيس أركان الجيش التركي السابق خلوصي أكار لمنصب وزير الدفاع، وكذلك انتقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية براءات ألبيرق وهو صهر إردوغان من منصبه السابق إلى منصب وزير الخزانة في الحكومة الجديدة، فلا أحد من السياسيين داخل حزب العدالة والتنمية يرفض أو يتكبر على المهمة التي توكل إليه».
ويشير إلى أن «الانتخابات البلدية التركية 2019 ينظر إليها الحزب الحاكم في تركيا على أنها معركة تحديد مصير مع المعارضة، فأغلب استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في الشارع التركي مترافقا مع التراجع في ملفي الاقتصاد والحريات، وأبرز المؤشرات على ذلك أنه رغم التحالف مع حزب الحركة القومية إلا أن الائتلاف الذي يقوده حزب إردوغان حقق في الانتخابات البرلمانية الأخيرة 53 في المائة فقط، بعد أن كان معتادا على أن يحصل على الأغلبية منفردًا طوال الأعوام الماضية».
ويلفت محمد أبو سبحة إلى أنه: «يظهر اهتمام حزب العدالة والتنمية بتمرير الانتخابات القادمة لصالحه في حرصه على اختيار المرشحين لرئاسة البلديات، خاصة البلديات الثلاث الكبرى (إسطنبول، أنقرة، إزمير) لذلك وقع الاختيار منذ وقت مبكر على رئيس البرلمان بن علي يلدريم للمنافسة على رئاسة بلدية إسطنبول، والذي لم يمنعه اعتراض المعارضة على جمعه بين منصبين، حيث أعلن أنه سيتنازل عن رئاسة البرلمان من أجل الترشح بالانتخابات البلدية! كذلك تضمنت قائمة مرشحي العدالة والتنمية 5 وزراء سابقين إضافة لموظفين سابقين بمجلس الوزراء ومحافظين. ومن جانبه أعلن حزب الحركة القومية أنه لن يدفع بمرشحين في البلديات الكبرى، وسيدعم مرشحي العدالة والتنمية للفوز بهم في مواجهة المعارضة التي يمثلها حزبا الشعب الجمهوري والخير”.
ويتابع قائلا: «أكثر ما يخشى الحزب الحاكم خسارته هو البلديات الثلاث الكبري، لذلك نرى أنه رشح رئيس البرلمان بن علي يلدريم لرئاسة بلدية إسطنبول ووزير البيئة السابق محمد أوزهاسكي لرئاسة بلدية العاصمة، أنقرة، ووزير الاقتصاد السابق، نهاد زيبكجي، لرئاسة بلدية إزمير، وسيشهد فيهم صراعا مع غريمه حزب الشعب الجمهوري الذي أعلن عن مرشحين لمنافسة العدالة والتنمية في هذه البلديات الثلاث ستكون أشدها في إزمير، وسيدعمه في البلديات الثلاث حليفه حزب الخير، إضافة إلى دعمه مرشحي الشعب الجمهوري في أنطاليا وأضنة جنوب تركيا، بالمقابل سيدعم حزب الشعب الجمهوري مرشحي «الخير» في كل من طرابزون وباليكسير وسامصون وأوردو ومانيسا ودنيزلي شمال تركيا».
ويعتقد أبو سبحة أن «الفوز ببلديات المناطق ذات الغالبية الكردية ستكون أشبه بالمستحيل على الحزب الحاكم إذا ما أجريت انتخابات عادلة، فيما تغلغل حزب الحركة القومي في السلطة حتى وإن كان محدودا، اعتمادا على تراجع شعبية الحزب الحاكم، قد ينتج عنه تغيير بالخريطة السياسية نتيجة تحالف العثمانية الجديدة مع القومية، لكن آثار ذلك ومدى ظهوره عمليًا ليس واضحًا حتى الآن».
كما يرى أنه «من الصعب أن يكون للجيش دور في الانتخابات الآن، فالعدالة والتنمية نجح على مدار سنوات حكمه في إقصاء الجيش عن الحكم، ويكفي اعتراف السلطة الحاكمة بأنها فصلت أكثر من 15 ألف عسكري برتب مختلفة منذ محاولة الانقلاب الأخيرة قبل عامين، للتأكد من أن هناك عملية إحلال كاملة تمت في الجيش بما يضمن الولاء لإردوغان ومواقفه السياسية، ومن المواقف التي تدل على ذلك أنه بعد التصفيق الحار من قبل قائد الجيش التركي الثاني الميداني إسماعيل متين تميل لإردوغان في إحدى الجولات الانتخابية عندما كان يتهكم على منافسه بالانتخابات الرئاسية محرم إينجه، الأمر الذي اعتبر خروجا عن المألوف، تم لاحقًا إعفاء تميل من منصبه العسكري وإسناد مهام إدارية لما قالت عنه تسريبات إنه بسبب عدم رضوخه لأوامر إردوغان فيما يتعلق بالتخطيط للهجوم على شرق الفرات شمال سوريا».
وختم الصاحفي محمد أبو سبحة حواره، مع الكاتبة روشن قاسم، قائلا: «كل من قد يسعى لإثارة صراع داخلي في العدالة والتنمية أو لا يرضى عنه الحزب سيكون مصيره النزول من القطار في أول محطة مهما كان تاريخه مع الحزب وولاؤه له، ولا أدل على ذلك من إجبار إردوغان عددًا من رؤساء البلديات خلال عامي 2017 و2018 على الاستقالة من مناصبهم التي وصلوا إليها بالانتخاب بما يخالف القانون، كذلك كان إعلان الرئيس السابق عبد الله غول ورغم تاريخه مع الحزب وإردوغان ترشحه للانتخابات الرئاسية بمثابة (الانتحار السياسي) للرجل الذي اضطر أمام التهديدات العلنية من إردوغان وقادة الحزب والتهديدات السرية من أجهزة المخابرات للتراجع والاختفاء عن الساحة، لذلك فإن أي صراع ينشب داخل الحزب يتم احتواؤه سريعًا ولو بالقوة».