القاهرة| محمد ابو سبحة (زمان التركية) ــ رصد تقرير لمركز أبحاث مهتم بالشأن التركي “الاضطهاد الممنهج” الذي تعاني منه المرأة داخل تركيا وخارجها، ولا سيما ممن يعارضون نظام حزب العدالة والتنمية.
وحول مسألة “انهيار دولة القانون في تركيا”، أصدر مركز نسمات للدراسات الحضارية والاجتماعية تقريره الخامس بعنوان: “مأساة المرأة في تركيا بين السجن والتشريد”.
ويلقي التقرير الضوء على مجموعة قضايا طرحها في شكل أسئلة وأجاب عنها بعضُ الضحايا الأحياء أو ذووهم الذين قضوا نحبهم نتيجة ممارسات قمعية، كما استند التقرير إلى معلومات متوافرة عبر وسائل الإعلام العالمية وتقارير المنظمات الحقوقية العالمية.
وأكد التقرير أن الحملة الأمنية الواسعة التي قادتها السلطات التركية عقب الانقلاب المزعوم في يوليو/ تموز 2016 أسفرت عن اعتقال ما يقارب 18 ألف امرأة بدعوى وجود صلات لهن بحركة الخدمة التي تتهمها الحكومة التركية بأنها جماعة إرهابية ودبرت الانقلاب. ولكنها لم تقدم حتى الآن أدلة واقعية تثبت بها التهمة على حركة الخدمة.
https://www.youtube.com/watch?v=lHTsX5JKzBo
أشار التقرير كذلك، ووفقًا لبيانات العديد من التقارير الدولية، أن كثيرًا من النساء التركيات تعرضن للتمييز، ولفت إلى أنه خلال شهر فبراير/ شباط من العام 2018 قُتلت 48 امرأة على يد رجال، وخلال السنوات الثماني الماضية قُتل قرابة 2000 امرأة تركية.
وطبقًا لدراسة إحصائية أجرتها جامعة (Kadir Has) بإسطنبول تبين أن 61% من النساء يُمثِّل تعرضهن للعنف أحد أكبر مشاكلهن، كما أفصحت الدراسة ذاتها أن عدد النساء اللاتي يتعرضن للعنف بصورة مستمرة ارتفع من 53% عام 2016 ليصل إلى 57% عام 2017.
أشار التقرير كذلك إلى أن تركيا أصبحت بالنسبة لملايين المواطنين الأتراك بمثابة سجن كبير مفتوح، فتحْت مسمى قانون “الشبهة المعقولة” المنافي للدستور، تعرَّض كثير من النساء المحسوبات على حركة الخدمة للاعتقال.
ولبسط الحقيقة بصورة أكثر وضوحًا، سلَّط التقرير الضوء على بعض الحالات التي وثَّقتها الصحافة والتقارير الإعلامية، والتي كان من أهمها حالة “فاطمة كويون” التي تبلغ نسبة إعاقتها الجسدية 80% ويعاني زوجها أيضًا من إعاقة بنسبة 45%، وبالرغم من أن زوجها المعاق كان عائلها ومتكأها في الحياة، أقدمت السلطات التركية على اعتقاله بوشاية من أحدهم ولم تشفع له إعاقته من النجاة من يد البطش والتنكيل، وتعيش فاطمة الآن في ظروف معيشية غاية في الصعوبة.
ضحايا يتحدثن عن معاناتهن
أفرد التقرير عبر صفحاته مساحة للعديد من الحالات للنساء التركيات يتحدثن فيها عما تعرضن له من الضغوط الاجتماعية الشديدة، ولعل أبرز تلك الحالات الأكاديمية “أوغيت أوكتيم تانور” البالغة من العمر 82 عامًا، والتي كانت تعمل كأستاذة علم نفس وأول أخصائية علم نفس عصبي في تركيا وأستاذ شرف في جامعة إسطنبول، ولكنها الآن خسرت الكثير من المزايا التي كانت تتمتع بها كموظفة في الدولة، ومُنعت من السفر إلى الخارج.
دعوة علنية لاغتصاب نساء المعارضة
أوضح التقرير أن الضغط النفسي والاجتماعي الذي تعاني منه نساء تركيا اليوم لم يعُد في مقدور أحد تحمله، الأمر الذي دفع العديد من النساء للإقدام على الانتحار. إلا أن الأمر الذي يُعدُّ بمثابة رعبٍ آخر يُسيطر على النساء في تركيا، بعد الدعوة إلى اغتصاب النساء المنتميات لحركة الخدمة، حيث أفاد ثلاثة مشتبه بهم متهمون بمحاولة اغتصاب ست معلمات في غرب مدينة إزمير، أمام المحكمة في 18 فبراير/ شباط 2017م أنهم أرادوا إجبار المعلمات على مغادرة المدينة لاعتقادهم أن الضحايا كانوا على صلة بحركة الخدمة.
الهروب من الجحيم والموت غرقًا
نتيجة تلك المأساة التي تعانيها النساء في تركيا، اضطر كثير من الرجال والنساء في تركيا، إلى محاولة الهجرة بطرق غير شرعية في محاولة منهم للهروب من حالة الرعب الدائم التي يعيشونها داخل بلادهم، وذلك نتيجة منع السلطات التركية مئات الآلاف من المواطنين من السفر خارج البلاد، وإلغاء جوازات سفر العديد منهم، بالإضافة إلى فقدهم الدفء الاجتماعي، حيث يتهرب منهم أقاربهم وجيرانهم خوفًا من عقاب السلطات، إلا أن الكثير منهم يموتون أثناء محاولة الهروب، وقد ذكر التقرير العديد من الحالات التي توثِّق تلك المأساة.
النساء داخل السجون التركية
وضع التقرير المتابعين للشأن التركي أمام المعاناة المتزايدة التي تعاني منها النساء داخل السجون، حيث أصبحت السجون الست الخاصة بالنساء في تركيا مكتظة بالسجينات، ما دعا السلطات التركية إلى احتجاز النساء في سجون أُعدَّت للرجال بصورة أساسية، وبالطبع فإن هذه السجون غير مجهزة لتلبية احتياجات النساء، وهو الأمر الذي يُمثِّل عقوبة إضافية تطبَّق على النساء، فضلا عن أن أمن السجن يكون في يد الرجال غالبًا، بالإضافة إلى أنهن يتعايشن مع النزلاء من الرجال السجناء، وهكذا تعيش النساء في بيئة خطرة، حيث يكثر التحرش الجنسي بهن وأحيانًا يصل الأمر إلى درجة اغتصابهن
ألقى التقرير بظلله كذلك على العديد من حالات انتحار النساء داخل السجون التركية، كحالة “مدينة أونل” التي انتحرت نتيجة تناول جرعة زائدة من الدواء في 26 أغسطس/ آب 2016 بعد اعتقال زوجها “أوميت أونل”، الذي كان يعمل مدعيًا عامًّا، بتهمة وجود صلة مزعومة بحركة الخدمة.
خُتم التقرير بكلمة أخيرة، أكَّد فيها أن تركيا التي ظلَّت تنتظر لأكثر من عقد من الزمن لكي تنتمي إلى الأسرة الأوروبية ويمارس فيها المواطنون حقوقهم الديمقراطية والسياسية والإعلامية بكل حرية باتت اليوم أكبر سجن للحريات، هذا التردي في الحقوق والحريات وضع تركيا في أدنى مرتبة بالنسبة لحقوق المرأة، فوفقًا لإحصائيات تقرير معهد (GIWPS) فإن تركيا قد احتلت المرتبة 105 في مجال حقوق المرأة، وأن مقولة الرئيس التركي أردوغان: “لا يمكنكم المساواة بين الرجل والمرأة، هذا مخالف للفطرة البشرية”. وهذا يدل على عقلية السياسة الحاكمة لتركيا تجاه المرأة.