بقلم : مايسترو
(زمان التركية)ــ وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية في الخامس من الشهر الجاري على مشروع قانون يستهدف عناصر الشغب التي تندس في التظاهرات والتجمعات ويرتكبون أعمالاً تخريبية ضد المنشآت والممتلكات العامة والخاصة؛ وهذا المشروع الذي اقترحه حزب “الجمهوريون” اليميني المعارض أثار خلافا بين نواب الحزب الحاكم ” الجمهورية إلى الأمام ” ورفضته أحزاب اليسار، في وقت تعيش فيه فرنسا على وقع احتجاجات ” السترات الصفراء ” منذ نوفمبر من العام الماضي ـــ ومستمرة حتى تاريخ كتابة هذه السطور ـــ ويهدف هذا المشروع لوضع حد لأعمال التخريب المصاحبة لهذه التظاهرات؛ حيث يتضمن عدة إجراءات أبرزها : منح محافظي الدوائر والبلديات صلاحية منع المظاهرات، والحكم بالسجن ستة أشهر وغرامة مالية في حال تنظيم مظاهرات في ظل المنع الإداري.. .
هذا وجدير بالذكر أن المشرع المصري سبق ومنح السلطة لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص في حالة حصول جهات الأمن ــــــ قبل الميعاد المحدد لبدء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة ـــــــ على معلومات جدية أو دلائل عن وجود ما يهدد الأمن والسلم، أن يصدر قراراً مسبباً بمنع الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو إرجائها أو نقلها إلى مكان آخر أو تغيير مسارها، على أن يبلغ مقدمي الإخطار بذلك القرار قبل الميعاد المحدد بأربعة و عشرين ساعة على الأقل. ويجوز لمقدمي الإخطار التظلم من قرار المنع أو الإرجاء إلى قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية المختصة على أن يصدر قراره على وجه السرعة. (المادة العاشرة من القانون 107 لسنة 2013 بشأن تنظيم التجمعات والمواكب والتظاهرات السلمية) إلا أن المحكمة الدستورية العليا المصرية قضت في ديسمبر 2016 بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة العاشرة السابق الإشارة إليها، وسقوط فقرتها الثانية. وأرجعت عدم الدستورية على سند من أن المشرع الدستوري أوجب ممارسة الحق بالإخطار دون غيره من الوسائل الأخرى، ولما كان الإخطار كوسيلة من وسائل ممارسة الحق، هو إنباء أو إعلام جهة الإدارة بعزم المُخطِر ممارسة الحق المُخطَر به، دون أن يتوقف هذا على موافقة جهة الإدارة أو عدم ممانعتها، وكل ما لها في تلك الحالة أن تستوثق من توافر البيانات المتطلبة قانونًا في الإخطار، وأن تقديمه تم في الموعد وللجهة المحددين في القانون، فإذا اكتملت للإخطار متطلباته واستوفي شرائطه قانونًا، نشأ للمُخطِر الحق في ممارسة حقه على النحو الوارد في الإخطار، ولا يسوغ من بعد لجهة الإدارة إعاقة انسياب آثار الإخطار بمنعها المُخطِر من ممارسة حقه أو تضييق نطاقه، فالضبط الإداري لا يجوز أن يُتخذ تكأة للعصف بالحقوق الدستورية، فإن هي فعلت ومنعت التظاهرة أو ضيقت من نطاقها، تكون قد أهدرت أصل الحق وجوهره، وهوت بذلك إلى درك المخالفة الدستورية.
هذا وسبق وأقر مجلس الدولة الفرنسي هذا الشهر أيضاً التأكيد على صلاحية استخدام قوات الأمن للرصاص المطاطي لمواجهة أعمال التخريب، تجنباً لوقوع المزيد من أعمال العنف في الاحتجاجات المستقبلية؛ مع مراعاة عدم استخدام الرصاص المطاطي إلا عند الضرورة، وألا يتم التصويب به تجاه رؤوس المحتجين.
وفي هذا السياق ألزم قانون تنظيم التظاهرات السلمية المصري ـــ رقم 107 لسنة 2013 ـــ أجهزة الشرطة بالتدرج في استخدام القوة لمواجهة التظاهرات غير السلمية؛ فعليها أن تبدأ بإنذارات شفهية متكررة لجمهور التظاهر وبصوت مسموع بفض التظاهرة التي تخرج عن حدود الاحتجاج السلمي، وفي حالة عدم الاستجابة تقوم بتفريقهم وفقاً للتدرج الآتي : استخدام خراطيم المياه، ثم الغازات المسيلة للدموع، ثم الهراوات، فإن لم يتفرق جمهور الشغب وقاموا بأعمال عنف واتلاف للممتلكات وتَعد على قوات الأمن فيتم إنذارهم باستخدام السلاح وذلك باستخدام طلقات تحذيرية وقنابل صوت، ثم استخدام طلقات الخرطوش المطاطي ـــ للرمي على الساق، فيَحذُر توجيه الطلقات لمناطق مميتة ـــ وفى حالة لجوء المشاركين في الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة لاستعمال الأسلحة النارية بما ينشأ معه توافر حق الدفاع الشرعي، يتم التعامل معهم لرد الاعتداء بوسائل تتناسب مع قدر الخطر المحدق بالنفس، أو المال، أو الممتلكات.
ونؤكد في هذا الصدد على أن السلطات المصرية تحرص دائماً على محاسبة أي مسئول يخرج عن الحدود التي رسمها القانون لمواجهة التظاهرات حتى ولو صاحبها عنف خاصة فيما يتعلق باستخدام السلاح؛ فقد حكم بالسجن لعشر سنوات على ضابط مكافحة الشغب ـــ وجهت إليه تهمة الضرب الذي أفضى إلى الموت ــــ الذي استخدم سلاح الخرطوش لفض تظاهرة مصحوبة بأعمال عنف قامت بها عناصر من الاشتراكيين الثوريين في يناير 2015 وتسبب استخدامه هذا في موت فتاة تدعى ” شيماء الصباغ ” وذلك نتيجة تصويبه لطلقة خرطوش أصابت منطقة أعلى ظهر الفتاة مما أدى لموتها، فاستخدام الشرطة للقوة المميتة يجب أن يكون لضرورة استثنائية، وهو ما أكده مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عقد في سبتمبر 1990 بهافانا؛ وصدر عنه مجموعة مبادئ بشأن ضوابط استخدام القوة من قبل المكلفين بإنفاذ القانون، فنص المبدأ الرابع على أنه ” على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين حال أدائهم لواجباتهم أن يستخدموا إلى أبعد حد ممكن وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة والأسلحة النارية. وليس لهم أن يستخدموا القوة والأسلحة النارية إلا حيث تكون الوسائل الأخرى غير فعالة، أو حيث لا يتوقع لها أن تحقق النتيجة المطلوبة “.