أنقرة (زمان التركية) – كشف كاتب صحفي تركي الستار عن تقرير أعدته السلطات القضائية التركية بشأن المحاولة الانقلابية الفاشلة قبل وقوعها فعليًا في 15 يوليو/ تموز عام 2016 ويسرد أحداثًا لم تكن قد وقعت بعد، الأمر الذي يؤيد أطروحة “الانقلاب المدبر” التي ذكرتها المعارضة التركية، وانه كان هناك “سيناريو” معد سلفًا.
وقال الكاتب الصحفي التركي المخضرم أحمد دونماز الذي نشر نسخة من الوثيقة التي وصلت إليه عبر مصادره الخاصة، أن الوثيقة محضر رسمي أدرج ضمن ملفات قضية “قاعدة أكينجي” العسكرية وهي أحد قضايا المحاولة الانقلابية.
وحمل التقرير المعد لخلق ركيزة لتحقيقات الانقلاب الأولية توقيع مدعي عام مكتب الجرائم الدستورية بنيابة أنقرة، سردار جوشكون.
والتقرير الذي تم إرساله للجهات المعنية صدر بتاريخ “16 يوليو/ تموز 2016” في تمام الساعة الواحدة ليلاً، أي بعد ثلاث ساعات من الانطلاقة الفعلية للمحاولة الانقلابية.
ويروي التقرير الأحداث التي لم تكن قد وقعت بعدُ وكأنها حدثت بالفعل، فعلى سبيل المثال يتناول التقرير قصف البرلمان والقصر الرئاسي للرئيس أردوغان ومحاصرة القوات العسكرية لمقر المخابرات وقصف قيادة القوات الخاصة ووحدة الاستخبارات بمديرية الأمن وأحداث مماثلة، على الرغم من أن هذه الأحداث لم تكن وقعت في تلك اللحظة.
وكان وزير العدل السابق بكر بوزداغ يتحدث في مقر البرلمان عن تمكن السلطات من إسقاط الطائرة التي قصفت البرلمان أثناء أحداث الانقلاب الفاشل إلا أنه لم يتم إسقاط الطائرة في الحقيقة، ما يكشف أن إسقاط الطائرة كان ضمن المسرحية الانقلابية التي أعدها ومثلها تحالف تنظيمي أرجنكون -الدولة العميقة- وأردوغان، لكن لم يجر كل شيء كما خطط له.
أثناء أحداث الانقلاب الفاشل يتحدث وزير العدل بكر بوزداغ عن تمكن السلطات من إسقاط الطائرة التي قصفت البرلمان
إلا أنه لم يتم إسقاط الطائرة في الحقيقة، ما يكشف أن إسقاط الطائرة كان ضمن المسرحية الانقلابية التي أعدها ومثلها تحالف #أرجنكون و #أردوغان لكنه لم يجر كل شيء كما خطط له https://t.co/cMX8OZHZ1X
— نبض تركيا NabdTurkey (@nabdturkey) March 10, 2018
والمعلومات الواردة في التقرير حول توقيت أحداث الانقلاب خاطئة أيضًا، مما يثير تساؤلات حول ما إن كان التقرير قد تم إعداده بناء على محاكاة معدة مسبقا. ويحفل التقرير بفضائح ستشكك ما إن كان مدعي عام هو من قام بإعداده أم مسؤولون سياسيون دبروا انقلابا مصممًا على الفشل لكي يستفيدوا من نتائجه.
ولم يعلن عن نبأ إغلاق قوات الدرك لجسري البوسفور وفاتح سلطان محمد في إسطنبول إلا في تمام الساعة 22.28، بحسب مذكرة ادعاء قاعدة أكينجي، غير أن الموعد المدرج في تقرير النيابة هو في تمام الساعة 21:00 وهو سابق للموعد الفعلي بنحو ساعة ونصف.
وورد في التقرير أيضا محاصرة قوات عسكرية لمباني المخابرات بحي “يني محلة” في أنقرة واشتباك المخابرات مع الوحدات العسكرية المحاصرة لها، غير أنه في تلك الليلة لم تحاصر الفرق العسكرية أيا من مباني المخابرات.
ولم تقصف قيادة العمليات الخاصة كما يزعم تقرير النيابة بل تم قصف العمليات الخاصة التابعة للشرطة.
وفي الجزء الخاص بالقصر الرئاسي لم يتم محاصرة المجمع الرئاسي مثلما زعم تقرير النيابة، كما لم يتم قصفه عشية المحاولة الانقلابية بل تم قصف مواقف السيارات والتقاطع الجسري المجاور.
وبحسب مذكرة ادعاء قاعدة أكينجي فإن القصف تم في تمام الساعة 6:19، أي بعد نحو 5 ساعات ونصف من التاريخ الوارد في تقرير النيابة هذا.
الخطأ الآخر بالتقرير المؤلف من ورقة واحدة هو المعلومات المتعلقة بإلقاء الطائرات قنابل صوتية في تلك الليلة، إذ أنه لم يتم استخدام هذه القنابل حينها. واعتبر البعض الانفجار الصوتي النابع من التحليق المنخفض وسرعته أنه قنبلة صوتية.
من ضمن الأخطاء أيضا المعلومات التي تزعم قيام الانقلابيين بتعيينات جديدة في رئاسة الأركان والقيادات العسكرية الأخرى وإعلانها للرأي العام، إذ أنه لم يحدث شيء كهذا.
ويثير إعلانُ النائب العام اعتبارا من تلك الساعة المفكر الإسلامي التركي فتح الله كولن مدبرا للمحاولة الانقلابية تساؤلات، فبإمكان السياسيين الإدلاء بهذه التصريحات، غير أن طرح المدعي العام تقريرا كهذا بشكل سريع وبدون التوصل لأية أدلة يعكس إعداد وثيقة سياسية أكثر منها قضائية.
ماذا تعني الوثيقة؟
عقب هذه الوثيقة التي أدرجت ضمن نظام النيابة التركي الرسمي انطلقت تحقيقات سريعة ونفذت القوات التركية أولى حملات الاعتقالات.
وفي اليوم التالي للمحاولة الانقلابية تم اعتقال المئات استنادا على هذه الوثيقة المليئة بالأخطاء.
وتم إعلان حركة الخدمة تنظيما إرهابيا وامتلأت السجون بأنصاره قبل بلوغ الواقعة مرحلة المحاكمة وقبل انتهاء المحاكمة.
بالنظر إلى هذه الوثيقة والأحداث التي سبقت وتلت الخامس عشر من يوليو/ تموز عام 2016 وتصرفات الرئيس التركي ورئيس المخابرات والعديد من المسؤولين البارزين الآخرين وتصريحاتهم المتناقضة وتهربهم من القضاء وعدم إدلائهم بإفادتهم والأحداث التي وقعت اعتبارا من توقيع هذا التقرير وحملات التصفية والمرحلة التي بلغتها تركيا سياسيا يمكننا القول إن السلطات التركية كانت على علم بجزء كبير من الأحداث التي وقعت تلك الليلة ولهذا كان انقلابا تحت السيطرة على أقل تقدير إن لم تدبره منذ البداية.
حسنا، كيف عرفت السلطات القضائية بأمر الانقلاب؟ هناك احتمالان لهذا:
- القصر الرئاسي والمخابرات ورئيس الأركان السابق وزير الدفاع الحالي خلوصي آكار وفلول تنظيم أرجنكون الإجرامي دبروا هذه المحاولة الانقلابية، حيث وضعوا هذه المخططات ونفذوها عبر رجالهم في مؤسسات الدولة. من الممكن أن بعض العسكريين اعتقدوا أنه انقلاب فعلي، غير أنهم في الواقع سقطوا في مؤامرة دبرت باحترافية عالية للغاية.
- المخططون للمحاولة الانقلابية كانوا شخصيات اندسوا وانخرطوا بين المتعاطفين مع حركة الخدمة، مثل عادل أوكسوز، وكانوا على تواصل مستمر مع قصر أردوغان، ويحصل الأخير على معلومات التحركات لحظة بلحظة، بل كان رجال القصر وأرجنكون المتنكرين كانوا يوجهون الأحداث وفق أهدافهم المخططة. وانتظروا ووجهوا المحاولة للاستفادة من نتائجها في تصفية غير المرغوبين في الجيش والسياسة والحياة المدنية.
وفي كلتا الحالتين فإن النتيجة هي أن الدولة، برئيسها ورئيس مخابراتها وقائد القوات العسكرية من دبرت هذه المؤامرة من أجل تنفيذ مشاريع معينة في الداخل التركي والمنطقة، خاصة في سوريا.