بقلم : ياوز أجار
برلين (زمان التركية) – تتجه تركيا في 31 آذار / مارس المقبل لانتخابات بلدية، تتعلق ببقاء تركيا أو عدمها، على حد تعبير الرئيس رجب طيب أردوغان، كما يكرّر ذلك قبل كل استحقاق انتخابي، لكن يبدو أن الشعب التركي لا يعلّق أي أمل على الأحزاب البرلمانية، وهو أمر خطير بالنسبة لأي مجتمع لا يملك أي أداة لتغيير الواقع السيئ سوى “الصوت”.
يعزو معظم المراقبين اليأس المسيطر على الناخب التركي إلى طول بقاء حزب العدالة والتنمية في السلطة بمفرده مدة تصل إلى 16 عامًا، واكتشافه خلال تلك الفترة المديدة الطرق التي تضمن له البقاء في السلطة، بغضّ النظر عن قانونيتها أو عدمها، بالإضافة إلى نجاحه -بفضل سياسة الجزرة أو العصا- في تحويل الأحزاب المعارضة إلى جزء من الآليات المشرعنة لإجراءاته وخطواته.
ويمكن أن نضيف ذلك الدور السلبي الذي تلعبه شبكات الخداع والتضليل الإعلامية أو آليات التنويم المغناطيسي الجماعي، حيث يقوم من خلال الأخبار والمعلومات التي تنشرها بإعادة برمجة الواقع وخلق واقع بديل وهميّ، ليخفي حقيقة الوضع المزري الذي يعيش فيه الشعب، ويقدم صورة طوباوية وكأن تركيا تعيش أزهى وأبهى عصورها. وقد كشفت دراسة أجرتها مؤسسة “إيدلمان” الأمريكية الرائدة في مجال العلاقات العامة أن ثلاثة من بين كل أربعة أتراك لا يثقون في الإعلام التركي! ولا تنسوْا أن 95% من وسائل الإعلام التركية تابعة لأردوغان!
كان حزب أردوغان قد استهلك الخطابات الديمقراطية والليبرالية القائمة على ملفي حقوق الإنسان والاقتصاد، في الفترات الثلاث الأولى التي بدأت في 2002، حيث وصل إلى الحكم وانتهت في 2011، حيث جرت آخرُ انتخابات نزيهة لم تشبها شائبة التزوير والتلاعب، ثم لجأ إلى اسخدام خطابات “القومية التركية” في الفترة ما بين 2011 و2018. أما في هذه الأيام فنراه يركز على التوظيف السياسي للإسلام، إلى جانب القومية، نظرًا لعجزه عن كتمان حقائق الأزمة الاقتصادية التي يحاول تأجيل انفجارها إلى ما بعد هذه الانتخابات.
تحول مرشحو حزب العدالة والتنمية ونوابه إلى “حراس الجنة وزبانية جهنم”، فيتعهدون بالجنة لمن يصوتون لصالحهم، ويهدّدون بالنار لمن يصوتون لغيرهم. فقد قال وزير الدفاع والتعليم التركي السابق عصمت يلماز، في لقاء ترويجي لحزبه، إن انتخابَ مرشح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية سيكون “وثيقة غفران” للناخب! ومن ثم خرج زميله البرلماني البروفيسور حاجي أحمد أوزدمير ليقول “حزب العدالة والتنمية جاء في المركز الثامن في أوراق الاقتراع، والثمانية رقم يذكرني بأصحاب الكهف، فهو رقم يرِد في كتابنا المقدس!”
https://www.youtube.com/watch?v=22kq1TaYP0g
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار تصريحات مسؤولين آخرين ترفع أردوغان إلى درجة “الإله”، كما قال النائب السابق فوائي أرسلان: “إن أردوغان زعيم يحمل في شخصه كل صفات الله تعالى”، فإن تصريحات النواب والمرشحين الحاليين يمكن أن نصفها بـ”المعتدلة!”
https://www.youtube.com/watch?v=L1yIMK7mfdE
إن تاريخ تركيا السياسي القريب يشهد أن كل حزب فشل في تقديم مشاريع ديمقراطية أو اقتصادية يلجأ إلى الخطابين القومي والديني الذين يفرّقان المجتمع على أساس الجنس أو الدين، ويؤديان بالدولة في نهاية المطاف إلى انهيار كامل.
هذه سنة لن تتبدّل ولن تتغيّر من أجل حزب أردوغان!
فالدولة التركية بقيادته تتجه بخطوات سريعة نحو الهاوية بسبب خطاباته القومية والدينية (الأيدولوجية) التي يعتمدها في الداخل والخارج منذ أن بدأ يهمل ملفي الديمقراطية أو الحقوق والاقتصاد، اعتبارًا من عام 2011. لقد دفن الديمقراطية في التراب منذ فترة طويلة بحيث تشهد تركيا كل يوم أنواعًا شتى من الانتهاكات، لنذكر منها فقط أن نظامه أقدم اليوم على اعتقال 11 ربة منزل “محجبة” في مدينة قهرمان مرعش، لمجرد أنهنّ ينتمين إلى حركة الخدمة، الجريمة التي يلصقها بكل من يريد تصفيه. والدليل على ذلك أنهنّ قمْن بمساعدة أسر المفصولين من وظائفهم بموجب مراسيم حالة الطوارئ!
بالله عليكم أي قانون في الكون يعاقب مساعدة المظلومين والمظلومات؟!
ومن ثم قضت إحدى المحاكم بإطلاق سراح زعيم جمعية وجماعة “الفرقان” الشيخ “ألب أرسلان كويتول”، في ظل عدم وجود أي دليل على التهم الموجهة إليه، ولم يمضِ على حريته يومان حتى بادرت محكمة أخرى إلى اعتقاله وإرساله إلى السجن مرة أخرى، وهذه المرة مع زوجته السيدة سميرة كويتول التي انتقدت المعاملة التي تعرض لها زوجها! وكأن أردوغان يفرج بيدٍ ويعتقل بأخرى!
وليس هذا غريبًا على نظام اعتقل حتى القاضي الذي حكم بالإفراج عن رئيس مجموعة “سامانيولو” الإعلامية “هدايت كاراجا” في عام 2015 ولم يكن حينها حتى حجة الانقلاب اللعين.
من جانب آخر، أعلن اليوم النائب البرلماني السابق عن حزب الشعب الجمهوري ومدير النشر في جريدة “كارشي” التركية أران أردم، إضرابا عن الطعام اعتراضًا على الظلم الذي يتعرض له منذ فترة؛ إذ أفرجت عنه محكمة الجنايات في إسطنبول في 7 يناير/ كانون الثاني الجاري، إلا أن محكمة أخرى أمرت بإلقاء القبض عليه في اليوم نفسه، بناءً على طعن النيابة، ليعود إلى السجن مرة أخرى، رغم أنه لا يوجد له أي جريمة مادية سوى النشاط الصحفي.
أي نوع هذا القانون! فأين تذهبون أيها الإسلاميون!
أما خارجيًّا فيحاول أردوغان أن يجد مخرجًا من المآزق التي وقع فيها، خاصة في سوريا، بعد أن بات مخنوقًا بين موسكو وواشنطن، بسبب تلك السياسات / الخطابات القومية والإسلاموية. فإن جنح لواشنطن واجه شرط القبول بالحكم الذاتي للأكراد، وإن جنح لموسكو واجه شرط القبول بنظام الأسد، بعد أن كان السبب الأبرز في ظهور هذا المشهد الحالي في سوريا والمنطقة. وليس لديه قدرة على تطوير حلول لهذه المشاكل بمفرده، من خلال التواصل مع شعوب المنطقة، بعد أن دمر كل العلاقات مع دول المنطقة وشعوبها.
وعلى الرغم من أن أردوغان زعم عدم وجود خلاف مع روسيا بشأن المنطقة -الآمنة- العازلة في سوريا، إلا أن وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” خرج في اليوم ذاته لينفي ذلك بعبارات واضحة، مؤكدًا ضرورة التفاوض مع الحكومة السورية في هذا الموضوع. لذا يرى الخبير التركي في القضايا الإقليمية والدولية “فهيم تاشتكين” أن إعلان أردوغان أنه سيطوِّر حلاًّ أحاديَّ الطرفِ خلال الأيام القادمة ليس إلا للاستهلاك الداخلي وخفض ضغوطات واشنطن وموسكو عليه فقط.
لا يمكن أن تقوم السياسة الخارجية على عواطف بل أكاذيب من هذا القبيل، وإن كان هذا النهج قد يجدي في السياسة الداخلية لفترة معينة فقط. إلا أن أردوغان لا يهتم بقواعد الدبلوماسية والسياسة الخارجية ويستمر في جعلها أداة للسياسة الداخلية، ضاربًا المصالح العليا للبلاد عرض الحائط.
نسأل الله أن ينقذ تركيا من حراس الجنة وزبانية جهنم هؤلاء في أقرب وقت!