تقرير: محمد عبيد الله
ديار بكر (زمان التركية) – كتبت الصحفية الكردية نورجان بايسال مقالاً بعنوان “بن علي يلدريم.. رجل الوعود السخية بلا تنفيذ”، وذلك من أجل تذكير أهالي إسطنبول ببعض الأمور من واقع الحياة وهم مُقبلون على اختيار رئيس جديد لبلديتها، على حد تعبيرها، وذلك في ظل منافسة رئيس البرلمان الحالي بن على يلدريم على المنصب.
وأفادت الصحفية أنه لا جدوى من الاحتجاج على رفض بن علي يلدريم، رئيس البرلمان ومرشح الحزب الحاكم لرئاسة بلدية إسطنبول، الاستقالة من رئاسة البرلمان لعدم جدواه، في ظلّ وجود عشرات البرلمانيين المنتخبين من قبل الشعب في السجون، ونظام الانتخابات الحالي البعيد عن المساواة والمنافسة العادلة، وعدم القدرة على التنبؤ بالمواقف التي سيتخذها الحزب الحاكم في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات سلبًا أو إيجابًا.
ودعت الصحفية الكردية، في مقالها المنشور بموقع “أحوال تركية”، أهالي إسطنبول إلى تحديد مرشحهم لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى بالنظر إلى الوعود التي قطعها بن علي يلدريم على نفسه في الفترة السابقة ولم يحققها رغم مرور سنوات عليها، ثم قدمت عديدًا من الأمثلة على ما قالته لتنتهي في ختام مقالها إلى أن يلدريم صورة قلمية لرجل الوعود السخية بلا تنفيذ.
ولفتت الكاتبة إلى أن السلطات التركية بادرت “بعد حظر التجوّل” في ديار بكر إلى تدمير بلدة “سور” التابعة لها وقلعتها التاريخية البالغة عمرها 7000 عام، بحجة مكافحة الإرهاب، أثناء الاشتباكات التي جرت بين القوات الأمنية والعسكرية وعناصر حزب العمال الكردستاني، وذلك على الرغم من أنه كان بالإمكان ترميمها، لكن الدولة دمرت بلدة “سور” مع أسوارها التاريخية عمدًا، واستشهدت على ذلك بصور الأقمار الصناعية التي كشفت أضرارًا طفيفة لحقت بالمنطقة التاريخية.
وأعادت الكاتبة بايسال للأذهان أن كثيرًا من المسؤولين الحكوميين أجروْا زيارات إلى ديار بكر بعد تلك الاشتباكات حاملين معهم الوعود التي لم تتحقق، فمنهم من قال إنهم سيبنون بلدة “سور” من جديد، وستكون مثل مدينة طُلَيْطِلَة (Toledo) الإسبانية، ومنهم من قال إنهم سيعيدون كتابة التاريخ في البلدة، لكنهم استمروا في تدمير التاريخ والسور، وفق تعبيرها. وكان رئيس الوزراء السابق ومرشح حزب العدالة والتنمية الحالي لرئاسة بلدية إسطنبول بن علي يلدريم من بين تلك الشخصيات الحكومية التي تعهدت بتنفيذ تلك الوعود السخية!
فقد أجرى يلدريم زيارة لأول مرة إلى ديار بكر برفقة أردوغان في مايو/ أيار 2016، لكنه لم يستطع أن يقدم كثيرًا من الوعود في ظل وجود أردوغان بطبيعة الحال، بل اكتفى بقوله في زيارته الأولى: “أمامنا أيام جميلة. سيكون الغد أفضل من اليوم. سيكون مستقبلنا أكثر إشراقًا من اليوم”، في إشارة منه إلى ترميم بلدة “سور” وأسوارها وقلعتها التاريخية. إلا أنه أثناء خطابه نسي أنه “رئيس الوزراء”، وخاطب الرئيس أردوغان أكثر من مرة بـ”سيادة رئيس الوزرء”!
فيما جاءت الزيارة الثانية ليلدريم إلى بلدة “سور” في سبتمبر/ أيلول 2016، بعد نحو 5 أو 6 أشهر من انتهاء الاشتباكات، وذلك من أجل الإعلان عن “حزمة دعم الاقتصاد والاستثمار بهدف تطوير 22 ولاية من الولايات الشرقية والجنوبية الشرقية”. وقال في أثناء تلك الزيارة:
“سنضخّ استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار لسبعة مراكز تضررت من الإرهاب، ونقدّر أن تبلغ قيمة استثماراتنا في بلدة سور فقط 1.9 مليار دولار، وسنعوّض ضحايا الاشتباكات عن الأضرار اللاحقة بمنازلهم ومحلاتهم في بلدة سور بحلول نهاية عام 2017. كما سنبدأ بعد شهر بناءَ 2500 منزل في بلدة جزرة (الجزيرة)، و 1500 منزل ببلدة “يوكسيكوفا” التابعة لمحافظة حكارى في غضون شهرين. وكذلك سنيعد بناء كل المنازل في سور دون الإضرار بطابعها المعماري، بما فيه الأراضي والأرصفة. بالإضافة إلى أننا مصمّمون على إنشاء متحف سيكون شهيرًا على مستوى العالم. من جهة أخرى، سنبني 67 ألف مجمع سكني في 23 ولاياة بالمناطق الشرقية والشرقية الجنوبية، و15 مستشفى بـ640 سريرًا، و51 مخفرًا جديدًا. وقد خصّصنا لهذه الاستثمارات ميزانية قدرها 690 مليون. هذه الاستثمارات ستجعل 23 ولاية مراكزَ جذب للسياح والاستثمارات الأجنبية. فضلاً عن أن هناك كثيرًا من التسهيلات للمستثمرين، حيث سنقدم الأرض التي سيستثمرون فيها، والمصانع التي يحتاجونه مجانًا. فهم لن ينفقوا أموالا في الاستثمارات الثابتة. سنؤسِّس كل عام 10 مصانع في 8 ولايات من بين الولايات المذكورة. وهذه تقابل 80 مصنعًا في العام الواحد، بالإضافة إلى توفير عمل لما بين 200 و800 شخص”.
بينما كانت الزيارة التالية ليلدريم في 16 يونيو/ حزيران 2017، حيث زار ديار بكر من أجل افتتاح “مشروع إعادة تأهيل شوارع غازي وملك أحمد”. وهو مشروع تم بموجبه استبدال الأحجار البازلتية الجميلة العائدة إلى ما قبل قرون عديدة من الشوارع الرئيسية في بلدة سور بالأحجار المصنوعة، وتوحيد المظاهر الخارجية للمحلات التجارية الواقعة على تلك الشوارع عن طريق استخدام الخشب وحجر البازلت الرقيق المصنوع. واعتبرت الكتابة أن هذه الخطوة تعني من جهةٍ القضاءَ على ثقافة ديار بكر وتنوعها وتلونها المنعكسة على الشوارع والمحلات، مع أنه كان يزعم في خطابه أنه جاء من أجل ترميم قلوب أهالي ديار بكر المشكل أغلبيتهم من الأكراد.
ثم ذكرت الكاتبة من وعود يلدريم السخية قائلة ونقلت عنه قوله: “نحن عازمون على تحويل ديار بكر إلى نجم ساطع ورقم واحد في المنطقة، لقد قرّبنا المسافات بين غرب تركيا وشرقها وبين جنوبها وشمالها. سنبذل كل إمكانياتنا لتطوير المنطقة وديار بكر. سنبني أفضل المنازل بدلاً من تلك المهدمة.. يمكن ترميم المنازل المهدمة، لكن من الصعوبة بمكان ترميم القلوب الكسيرة.. لقد أتينا لزيارتكم بهدف ترميم قلوبكم يا أهل ديار بكر الأحباء، ليست هناك أي مشكلة بين الأكراد والأتراك، وإنما المشكلة هي حزب العمال الكردستاني الإرهابي وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوات حماية الشعب الكردية. وقد أخذنا على أنفسنا أن لا نسمح لتلك التنظيمات بالإيقاع بين الأكراد والأتراك”.
توجه يلدريم إلى مدينة ديار بكر مرة أخرى في مايو/ ايار 2018، وأكد في خطابه هناك انطلاق حملة التطوير والتنمية في المنطقة بمجرد القضاء على الإرهاب، ثم تعهد وبشّر بأنهم عازمون على إطلاق حملة تطوير وتنمية خاصة في 23 ولاية، من أجل منع انضمام شباب المنطقة إلى تنظيمات إرهابية وتوجيههم نحو تحقيق رؤية وأهداف 2023 – 2053.
وجهت الكاتبة الكردية بعد ذلك دعوة إلى أهل إسطنبول لزيارة ديار بكر حتى يشاهدوا بأم أعيهم ماذا تحقق من تلك الوعود السخية ليلدريم، مشددة على إلى أن كثرة العاطلين المتجولين في شوارع وأسواق ديار بكر ستعطيهم فكرة عن عدد المصانع والمحلات التجارية المغلقة في السنوات الثلاث الأخيرة في المدينة.
وزعمت أن جولة قصيرة في بلدة سُور ستكشف لهم استمرار حظر التجول منذ ثلاث سنوات، وفيلاتٍ لا يُعرف أصحابها بنيت في هذه المنطقة محظورة التجول، والطريقَ الإسفلتي في منطقة ليست بها حركة مرور أساسًا، وأراضيَ فارغة لا تزال عليها أنقاض المنازل المدمرة. كما سيرون ما بُني وهُدّم تحت اسم الترميم أو إعادة التأهيل أو التحول الحضري، وسيدركون مدى القيمة التي تعطيها الحكومة للأحجار الأثرية التاريخية في منطقة “علي باشا” المدمرة في 2017 عندما يعاينونها معروضة للبيع في السوق!
واختتمت الكاتبة مقالها قائلة: “إذا ألقيتم نظرة على وجوه أهالي ديار بكر وجزرة ونصيبين وشرناق، فإن عيونهم، إن لم يحولوها عنكم، ستتحدث إليكم ما عايشوه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وما إذا بنَتْ حكومة حزب العدالة والتنمية جسور أخوة ومحبة بين الأكراد والأتراك. لبّ القول يا أهل إسطنبول: إن السيد يلدريم لديه كثيرٌ من الوعود قليل من التنفيذ، فلا تنخدعوا”.