بقلم : مايسترو
(زمان التركية)-نعم الفكر التكفيري لتنظيمات كالقاعدة وداعش ومن على دربهم واقع له شواهد على مر التاريخ، بدأت فصوله بظهور الخوارج في عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.. رفعوا المصاحف على أسنة الرماح داعين بهذا ليكون القرآن حكماً بينهما، فدعوا جيش سيدنا علي إلى التوقف عن القتال وتحكيم القرآن، وفسر علي كرم الله وجهه موقفهم هذا بقوله ” كلمة حق يُراد بها باطل “؛ وقال الإمام « سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول : سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة » والمَلمَح الذي يهمنا إبرازه في سياقنا هذا أن الباعث الرئيسي للخروج على ولي أمر المسلمين وقتها هو الوصول للسلطة.. !
هذا والفكر التكفيري الذي تنتهجه التنظيمات الإرهابية مكمن خطورته ما يُرَتبه المكفرون من استحلال للدماء والأعراض والأموال.. وهم لا يكفرون فقط من ينكر وجود الله؛ بل يكفرون أيضاً المنتمين إلى أي دين غير الإسلام؛ ويكفرون المسلمين ممن هم خارج تنظيماتهم.. وخطورة هؤلاء أن دعواهم المنحرفة ربما تكون أكثر جذباً لغيرهم، خاصة إذا عززتها سياسات دولية جائرة.. فماذا تنتظر بعد غزو تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وما ترتب عليه من دمار وخراب للدولة العراقية؛ ثم إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية عام 2005 استراتيجية الفوضى الخلاقة.. ورأينا تطبيقات هذه الفوضى على مسرح أحداث منطقة الشرق الأوسط عام 2011 وما ترتب عليها من انهيار دول مثل ليبيا واليمن، وأضرار جسيمة نالت الدولة السورية؛ وكادت مصر أيضاً أن تسقطها براثن الفوضى.. .
ولعل الدليل الدامغ على انحراف هذه السياسات الدولية عن جادة الصواب أنها كانت موضعاً للانتقاد من قبل الغرب أنفسهم؛ ولعلنا نذكر في هذا السياق موقف الرئيس الأمريكي ترامب خلال معركته الانتخابية في السباق الرئاسي؛ حيث هاجم باراك أوباما والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون واتهمهما بتأسيس تنظيم (داعش)، كما اتهم الادارة الاميركية بزرع الفوضى في الشرق الاوسط...! فماذا تنتظر بعد الخراب الذي حل بالدول المشار إليها.. وهل تلوم أهل هذه الدول لانضمامهم لأي تنظيم يستهدف مصالح من كان وراء تدمير دولهم ؟ وهكذا الأمر بالنسبة لإعلان أمريكا نقل سفارتها للقدس.. أليس في هذه السياسة دعوة للتطرف ؟
ولمواجهة القرار الأمريكي فقد اتخذت الدول العربية موقفاً سياسياً رافضاً للقرار؛ كما تم مواجهته في الأمم المتحدة بشكل جعل موقف أمريكا وإسرائيل من القضية منعزلاً عن الموقف العالمي منها.
ولعل أخطر تبعات قرار نقل سفارة أمريكا للقدس لم نره بعد؛ ألا وهو ردود أفعال يمكن أن تصدر من التنظيمات الإرهابية التي تتوشح بعباءة الإسلام، خاصة وهي في مرحلة ما قبل الانهيار.. فالقرار ربما يمنحهم فرصة ذهبية لادعاء بطولة هم أبعد ما يكون عنها؛ من خلال توجيه ضربات للمصالح الإسرائيلية على مستوى العالم، وبهذا يظهرون بمظهر المناضلين ضد الاستعمار، وهو ما يجعلهم أكثر قدرة على استقطاب المزيد من الأتباع، ويساعدهم كثيراً في محاولة الانتقال من دائرة الإرهابيين لدائرة أخرى شرعية ألا وهي دائرة المحاربين المدافعين عن قضية عادلة لتحرير وطن من الاستعمار.. لذا لم نستغرب من موقف محمد بديع ـــ المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ـــ عندما طلب الكلمة من قاضيه الذي يَمثُل أمامه في محاكمته عن جرائمه الإرهابية، وبعد أن سُمح له بالخرج من القفص ليدافع عن نفسه أمامه مباشرة، فإذا به يترك قضيته المُتهم فيها ويطلب من القاضي إخلاء سبيله ليقوم بواجبه في الجهاد من أجل تحرير بيت المقدس الذي يتعرض للضياع بعد قرار ترامب، قالها مرشد الإخوان اتجاراً بالقضية ليس أكثر.. فقد ظل تنظيمه في سدة حكم مصر سنة كاملة ولم يحرك ساكناً في هذه القضية..!
المتهم/ محمد بديع يطلب من القاضي إخلاء سبيله ليحرر القدس.. !
هذا وإذا كانت استراتيجية الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش والتي صدرت عامي 2002 و 2006 أهم ما ورد بها من توجهات هو ما يتعلق بالقيام بضربات استباقية« Pre-emptive Strategy » أي الهجوم وتدمير العدو قبل أن يتمكن من شن هجومه، وهو ما يدخل في إطار الحرب الوقائية.. وكان أبرز تطبيقاتها غزو العراق، إلا أن الرئيس الأمريكي السابق أوباما اتجهت استراتيجيته (عام 2010) نحو ما أطُلق عليه ” الصبر الاستراتيجي ” ليفسح الطريق للجماعات الإرهابية والفوضى لحرق المنطقة.. كما تبنى ما يعرف بــ ” استراتيجية الأمن القومي الذكي” والتي لا تستند فقط إلى القوة العسكرية، بل تحرك غالبية خيوط اللعب من الصفوف الخلفية؛ ولنعد بالذاكرة أيضاً لاستراتيجية ( الفوضى الخلاقة ـــ Creative chaos) التي أعلنتها كونداليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في عهد جورج بوش الابن في أبريل 2005، وذلك من خلال حديثها الصحفي بجريدة واشنطن بوست، حيث أشارت في هذا الشأن إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلى نشر الديمقراطية بالعالم العربي، وتشكيل ما وصفته بالـ ” الشرق الأوسط الجديد ” !!!
كما شاهدنا حلقات من مسلسل توظيف الإرهاب ضد الدول العربية وبخاصة مصر؛ في محاولات مستميتة لإسقاط الدول العربية في مستنقع الفوضى وإرغامها للاستجابة لإملاءاتهم وأطماعهم. أما ما يتعلق باستراتيجية ترامب للأمن القومي الأمريكي، والتي أعلن عنها في الثامن عشر من ديسمبر 2017 فإن أخطر ما ورد بها ما يتعلق بفرض السلام بالقوة، والمقصود به فرض الرؤية الإسرائيلية للسلام على دول المنطقة؛ وجدير بالذكر أن شرعية الجهاد لتحرير القدس يمكن أن تصبح مرتكزاً جاذباً تستقطب من خلاله قوى الإرهاب أنصاراً لها.