بقلم : مايسترو
الاستراتيجية الأمنية لمكافحة الإرهاب والتطرف هي التوجهات الأساسية التي تعلنها القيادة السياسية للدولة لمواجهة هذه الأخطار خلال فترة زمنية معينة، وتلتزم مؤسسات الدولة المعنية بوضعها موضع التنفيذ، ومتابعتها وتقييمها.. وصحيح الأمر أن من يضع الاستراتيجية هم خبراء من تخصصات مختلفة، ثم يتم طرحها على القيادة السياسية للدولة لإقرارها ثم تعلن. ونؤكد على أن جانباً من هذه الاستراتيجية لا يعلن رسمياً.. ومع هذا فيمكن رصده باعتباره واقعاً مشهوداً.
هذا وعلى مسرح الإرهاب العالمي هناك تنظيمات متفق على تصنيفها باعتبارها إرهابية أبرزها : القاعدة؛ داعش؛ بوكو حرام؛ الشباب… هذا وتعتبر العديد من دول العالم تنظيم ” الإخوان المسلمين ” تنظيماً إرهابياً ـــ كمصر، والسعودية، والإمارات وسوريا، وكندا، ودول منظمة معاهدة الأمن الجماعي منها روسيا وست دول أخرى ـــــ إلا أن الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية تتحفظ على هذا الإعلان بحجة أن التنظيم لا يهدد أمنهم القومي ! وبتتبع تنظيم الإخوان نجد أن بريطانيا كانت وراء نشأته عام 1928 ثم دعمه؛ أما عن تنظيم القاعدة فالرعاية أمريكية بحسب الأصل، حيث قامت بتسليح التنظيم ودعمه لوجستياً.. ثم توظيفه لمواجهة الوجود السوفييتي في أفغانستان؛ كما أن نشأة داعش عام 2014 كانت برعاية أمريكية بريطانية فقد تم خلق الفراغ الأمني الذي سمح بظهور التنظيم وتمدده.. ثم تم توظيفه ــــ وما زال هذا الوضع سارياً ــــ لضرب استقرار المنطقة العربية وإيقاف التمدد الإسلامي بتشويه صورة الإسلام على جانب يد أتباعه.
وبالطبع فإن هذه التنظيمات قد مارست بعضاً من أنشطتها الإرهابية ضد رعاتها.. وكان هذا متوقعاً من قبل هؤلاء الرعاة الرسميين لهذه التنظيمات، إلا أن الأهداف الاستراتيجية لهؤلاء الرعاة لا شك أنه قد تحقق جانب منها. وغني عن البيان أن صناعة هذه التنظيمات كانت بهدف توظيفها بشكل أو آخر لزعزعة استقرار دول بعينها.. ولعل خير شاهد على هذا الدعم المادي الذي يقدم لتنظيم داعش من قبل دول بمنطقة الشرق الأوسط؛ وهي استراتيجية خطيرة.. فإذا كان من السهل صناعة التنظيم الإرهابي، فإنه من الصعب جداً ضمان التحكم في مسارات حركته؛ كما أن هذه الاستراتيجية ستخلق استراتيجيات مضادة.. وبالطبع النتائج ستنتهي إلى خسائر للجميع.
هذا وعلى ضوء قرار الرئيس الأمريكي الأخير بسحب قواته من سوريا، فلا يعني هذا الثقة في قيام تركيا بمكافحة تنظيم داعش، خاصة والأماكن المتبقية في يد داعش بسوريا تبعد حوالي 300 ميل من الحدود التركية، لذا فمن غير المنطقي أن يتمكن الجيش التركي من شن حرب فعالة ضد داعش في تلك المناطق وفرض سيطرته عليها، كما أن تركيا لن تستطع الاعتماد على الجيش السوري الحر في هذه المهمة، فهو جيش غير نظامي ومحدود القدرات؛ بل وغير مؤمن من منظور أمني.
ولا شك أن هذا الانسحاب الأمريكي سيمنح التنظيمات الإرهابية على المسرح السوري القدرة على العودة النشطة مرة أخرى؛ وهو ما صرح به السيناتور الجمهوري الأمريكي البارز ” ليندسي جراهام ” حيث طالب الرئيس الأمريكي بإعادة النظر في قرار الانسحاب من سوريا، على خلفية تفجير منبج الانتحاري الأخير الذي راح ضحيته أربعة أمريكيين، وقال: إن قرار الانسحاب أثار حماسة ” داعش “، بينما علق نائب الرئيس الأمريكي ” مايك بنس ” بأن الولايات المتحدة ستقاتل لتضمن هزيمة داعش، مُجدداً تأكيده بسحب القوات الأمريكية من سوريا.. لذا نرى أن الاتجاه الأمريكي غالباً سيعتمد على مقاتلين مرتزقة تكررا لتجربة بلاك ووتر في العراق.
وأخيراً وبحساب الأرباح والخسائر فإن الخسائر التي أصابت الولايات المتحدة الأمريكية على يد تنظيم القاعدة في الأرواح والأموال لا شك أنها جسيمة؛ حيث يتصدرها خسائر الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما تلاها من هجمات إرهابية ما زالنا نرى أحداثها حتى الآن وستستمر.. فقدت فيها أمريكا ودول أوربا الكثير من الضحايا، أما عن أهم المكاسب التي تحققت فتتمثل في انسحاب الروس من أفغانستان ـــــ ورغم هذا لم تنتهي حتى الآن وجود التنظيمات الإرهابية، بل ولها سيطرة وسطوة خطيرة على الإقليم الأفغاني، بينما انسحبت القوات الأمريكية ـــــ ولعل الهدف الاستراتيجي الأهم الذي سعت إليه القوى الغربية إنما يتمثل في تشويه صورة الدين الإسلامي والنيل منه على يد المتطرفين والإرهابيين المنتمين إليه، وقد تحقق إلى حد ما لهم هذا الهدف.. ومع هذا لم يدرك أصحاب هذه الاستراتيجية أن الإسلام يتعرض على مدى التاريخ لهذه المحاولات وينتصر، فإذا كان هناك الغلاة أو المتشددين المسلمين، فهناك أيضاً أمثالهم في الديانات الأخرى، فسيظل الإسلام الوسطي المعتدل هو الغالب. وغني عن البيان أن حساب الأرباح والخسائر لصناعة الإرهاب وتوظيفه يتحمل أن تكتب فيه مؤلفات.. إلا أننا نعرض الأمر بإيجاز لمحدودية الموضع؛ وأترك لقارئي الكريم كلمة الفصل في تقييم تلك الاستراتيجية الذي أشرنا إليها.. وخير كلمة ننهي بها هذا المقال قول الحق في كتابه الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهم وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ (8 الصف).