وانطلاقًا من هذه الدوافع السياسية، لم تكتف السلطة الحاكمة في تركيا بالإجراءات التعسفية التي تمارسها ضد منسوبي حركة الخدمة أو من تشتبه في انتمائهم لها في الداخل بل سعت إلى استخدام كافة الإجراءات القانونية وغير القانونية في الخارج لمطاردة متطوعي حركة الخدمة من مدرسين وإداريين، عبر وصمهم بأنهم إرهابيون، يجب أن يُسَلَّموا إليها، ليعامَلوا معاملة المجرمين والمتورطين في قضايا عنف وتطرف وإرهاب.
تركيا تروج لوقف معارف
لم تتوقف الحكومة التركية عند هذا الحد، بل قامت بإنشاء مؤسسة أطلقت عليها اسم “المعارف” للتربية والتعليم لتقديم خدمات التعليم والتدريب في الداخل والخارج من خلال فتح المدارس والمؤسسات التعليمية وتقديم المنح الدراسية، بحيث تكون وفق ما ورد في المرسوم الرئاسي “الممثل الرئيسي لتركيا كدولة في الخارج في مجال التعليم”، وأن “تكون وسيلة وأداه قوية تتصدى لمدارس كولن”.
وقال أردوغان في لقاء مع إدارة المؤسسة “ستنتشرون في 193 دولة، مع إعطاء الأولوية للدول التي فيها مدارس لكولن، ولا تسمحوا بإطلاق مصطلح (المدارس التركية) على مدارس كولن”.
أردوغان يضغط على الحكومة الباكستانية
كانت حركة الخدمة قد أسست من خلال مؤسسة (PakTurk ICEF) التعليمية-منظمة تركية دولية غير حكومية-أول مدرسة في عام 1995 ونمت شبكة مؤسسة PakTurk التعليمية لتشمل ثمانية وعشرين (28) مدرسة.
كان يعمل بالمدارس حوالي 1500 معلم مدرَّب، وقبل 15 نوفمبر 2016 كان عدد المعلمين الأتراك 120 معلمًا. بينما بلغ عدد الطلاب المسجلين حوالي 11.000 طالب في مرحلة ما قبل المدرسة إلى المستوى A.
وعلى الرغم من الخدمات الجليلة التي كانت تقدمها تلك المدارس المشهود لها بالكفاءة من قِبل روادها، إذ تحرص على بناء الشخصية والانضباط الأخلاقي، وتسهم في تطوير التعليم مما يُسهم في ارتفاع مستوى الخريجين الباكستانيين؛ استجابت الحكومة الباكستانية للضغوط التي يمارسها أردوغان وحكومته لإغلاق تلك المدارس.
ففي 23 يوليو 2016 صرح سفير تركيا بباكستان قائلاً: “لقد تواصلنا مع كل الدول الصديقة وطلبنا منهم منع فعاليات حركة الخدمة” هذا التواصل تم تعزيزه خلال الزيارة التي استمرت يومين إلى باكستان من قبل وزير الشؤون الخارجية التركية في الفترة من 1-2 أغسطس.
وفي استجابة سريعة لتلك الزيارة نقل عن مسؤول باكستاني في هذا الوقت قوله “على الرغم من أننا لم نتلق طلبًا رسميًا من أنقرة (فيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية التي تديرها مؤسسة باك ترك) فإن العلاقات العميقة مع تركيا تتطلب منا ألا ننتظر الشكليات حتى نزيل مخاوف أنقرة، وهذه الأولوية يجب تحقيقها بأي ثمن”.
بعد بضعة أيام (بداية أغسطس 2016) طالبت الحكومة التركية رسميًا نقل ملكية مدارس وكليات “باك ترك” الدولية من المالكين الحاليين (حركة الخدمة) إلى مؤسسة معارف وهي شركة رسمية تابعة للحكومة التركية تديرها منظومة تتبنى مفهوما متشددًا، وتتبنى في برنامجها التعليمي أفكار الإسلام السياسي المؤدلج.
قامت وزارة الداخلية الباكستانية بإلغاء تأشيرات المدرسين الأتراك وعوائلهم في نوفمبر 2016م قبل أحد زيارات أردوغان لباكستان بيومين، وطلبت من المدرسين الأتراك وعوائلهم (حوالي 450 فردًا) أن يغادروا باكستان خلال ثلاثة أيام. تدخلت الأمم المتحدة وقبلت المدرسين كلاجئين عندها. وظل البعض مقيمًا في باكستان لأسباب اضطرارية مثل انتهاء مدة جواز السفر.
في هذه الأثناء اتخذت إدارة المدارس قرارًا بانسحاب الأتراك من كافة المناصب الإدارية في المدارس وتركها للباكستانيين وظل الأتراك يعملون كمدرسين فقط، وتم تشكيل مجالس إدارة من الباكستانيين فقط، وبالتالي أصبحت المدارس باكستانية.
معارف تستلم المدارس
بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لتركيا، يومي 3 و4 يناير الجاري، تلبية لدعوة الرئيس رجب طيب أردوغان، وضمن جهودها لمحاولة السيطرة على مدارس الأستاذ كولن في العالم، أعلن وقف المعارف التركي أنه تسلم إدارة مدارس باك ترك التابعة لحركة الخدمة في باكستان، وذلك وفقا لما ذكرته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية.
مناشدة القضاء الباكستاني
إننا نؤكد على أن أنشطة حركة الخدمة التي تعتبرها الحكومة التركية -لأسباب سياسية-غير قانونية، رغم أنها لم ترتكب أي شيء يتعلق بمخالفة القوانين المحلية والدولية؛ فالخدمة لا تقوم بشيء غير الأنشطة الخيرية المشروعة تمامًا، مثل الجهود التعليمية، والعمل الخيري، وأنشطة المجتمع المدني، وكلها من الحقوق الإنسانية العامة، ولكن الحكومة التركية تصف من يقوم بهذه الأعمال الخدمية المشروعة بأنه عضو في منظمة إرهابية. ولا شك أنه عندما يستعيد القضاء التركي استقلاله وحياديته فسيقضي حتمًا بكيدية الاتهامات الموجهة لهؤلاء الأفراد، لأن دوافعها سياسية وليس لها أي سند قانوني.
كما أن الأستاذ كولن قد تحدث طوال حياته عن السلم الاجتماعي، وأهمية التعليم، والتعدد، والتسامح والحوار. وهذه القيم والآراء تحض على الالتزام بالقانون. فربط الأستاذ كولن بالإرهاب انطلاقًا من بعض الاتهامات ذات الدوافع السياسية لا يمكن أن يتوافق مع العدالة والحقوق والقوانين والمعايير العالمية.
ولذلك فإننا نحث الحكومة والمحكمة العليا في باكستان على إعادة النظر في حكمها فيما يتعلق بمدارس Pak Turk، التي خدمت الشعب الباكستاني لعقود ليس فقط من خلال توفير فرص تعليمية ممتازة ولكن أيضًا من خلال تقديم منهج بديلة للمساهمة في السلام والأمن في سياق مكافحة الإرهاب والتطرف في باكستان وفي جميع أنحاء العالم.
بقلم/ هدى درويش
المصدر: موقع النسمات