بقلم : مايسترو
(زمان التركية)ــ حقاً لقد شهد العالم يوم السابع من يناير الجاري حدثاً رائعاً بافتتاح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبصحبته الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن لمسجد ” الفتاح العليم ” وكذا كاتدرائية ” ميلاد المسيح ” المعانقة للمسجد بالعاصمة الإدارية، والمسجد والكاتدرائية هما الأكبر من حيث المساحة في الشرق الأوسط وإفريقيا، وقد استغرق بناؤهما 18 شهراً فقط، وتم بأياد مصرية تصميماً وإنشاء، والمبهر في الأمر أن تمويل عمليات الإنشاء تمت بتبرعات المصريين من الداخل والخارج، والأكثر إبهاراً مشاركة العديد من المسيحيين في بناء المسجد وكذا مشاركة مسلمين كُثر في أعمال تشييد الكنيسة.. وهي رسالة تدل دلالة قاطعة على عمق مناخ المحبة والإخاء بين أبناء الوطن الواحد، ولم يتمكن أعداء الوطن أن يفرقوا عنصري الأمة على أساس الدين.. لقد أثبت المصريون للعالم كله صلابة وحدتهم الوطنية والتي تزداد متانة بعد الهجمات الخسيسة التي تستهدف المسيحيين.. وأكد الرئيس السيسي هذا المعني بقوله ” لن نسمح لأحد أن يؤثر سلباً في شجرة المحبة التي غرسناها معاً “.
وتجلت روعة الافتتاح في كلمة قالها الإمام الجليل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب
من داخل الكاتدرائية، وهكذا فعل قداسة البابا تواضرس بإلقاء كلمة عند افتتاح المسجد؛
وحملت كلمة الشيخ الطيب رسالة أكد فيها للعالم كله أن الدين الإسلامي يأمرنا بحماية حرية الاعتقاد والعبادة؛ كما يُلزم المسلمين بحماية كل دور العبادة.. ولعل رسالته نراها موجهة بشكل أخص للمتطرفين والإرهابيين المنتمين بكل أسف للإسلام، فقد ذكرهم الشيخ في رسالته بالآية القرآنية “وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”. (40 الحج) ودفع الله الناس بعضهم ببعض تعني أن منهم من سيعتدي وهناك أيضاً من سيدافع.. والاعتداء يستهدف إما صوامع الرهبان، أو البيع أي كنائس اليهود، أو مساجد المسلمين، وهو عين ما نشهده في واقعنا المؤلم الآن، والآية تؤكد على أن دفع هذه الاعتداءات هو الذي سيمنع الهدم؛ وسينصر اللهُ من ينصره.
وللأسف فإن المتطرفين تتسم شخصياتهم بالانعزالية، فهم لا يسمعوننا؛ فيتجنبون مشاهدة القنوات التليفزيونية العادية سواء التابعة للدولة أم القنوات الخاصة، وتحرص التنظيمات الإرهابية على عزلهم عن جهود التنوير والتثقيف ليظلوا محاصرين فكرياً في عالمهم المظلم.. وتحاط عقولهم بسياج من المفاهيم المغلوطة، ويظلون عليها عاكفين، ويتملكهم يقيناً زائفاً بأنهم على درب الحق سائرون، ولعل قولي المولى عـز وجـل : ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾(11 البقرة)، وكذا قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾(104 الكهف) ينطبق على حالهم. لذا فجهود مواجهة فكرهم المنحرف تحتاج لآليات غير تقليدية.. خاصة لمن دخل من المتطرفين لدائرة الإرهاب، حيث تصبح مهمة معالجته الفكرية شبه مستحيلة، فنحن بلا شك نحتاج لأساليب غير تقليدية لهذه المعالجة، من خلالها نصل إليهم أولاً، ثم نسعى لمواجهة معتقداتهم المنحرفة.. ونرى في آلية المناظرات العلنية وسيلة غير تقليدية لتحقيق الهدف؛ فعقد هذه المناظرات بين جانب من أصحاب الفكر المتشدد من ناحية وعلماء الإسلام الثقات من ناحية أخرى يمكن من خلالها تفنيد الأدلة التي يستندون عليها ودحض حجتهم.. حقاً لقد أساء المتطرفون والإرهابيون على شاكلة داعش والقاعدة والإخوان.. للدين الإسلامي وحقق بهم أعداء الدين هدفهم الاستراتيجي ألا وهو وقف الزيادة المضطردة في أعداد المنتمين للدين الإسلامي في العالم بشكل عام.. .
هذا وجدير بالذكر أيضاً أن قداسة البابا تواضرس في افتتاح مسجد ” الفتاح العليم ” قال كلمة طيبة أكد فيها على عمق الوشائج التي تجمع بين أبناء الشعب المصري عبر الزمان، وأشار إلى أهمية دور العبادة في الحياة الإنسانية، مـردداً قول السيد المسيح عـليه السـلام ” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان “ وقد أكدت العديد من البحوث العلمية الغربية على خطورة استغراق المجتمعات في الماديات وإهمال الجوانب الروحية في حياة الإنسان، ومن هنا تتجلى أهمية دور العبادة.