مولده ونشأته:
كان ذكياً فطنًا، لبيبًا، دمث الأخلاق، حلو الحديث، ثاقب الرأي سديدة، راجح العقل رزينه، لقد كان خير معين وملاذ لأقرانه، كان منهل علم لا ينضب لتلاميذه، ومصدر معرفة لا يجف ولا يفتر، لك في مؤلفاته فهم صائب، ورأي ثاقب، وقول محكم سديد، كاتب ألمعي، ومُعلم وفيّ، وأديب رقيق الوجدان، مثمر البيان، لقد صال وجال في بحر الكتابة لم يكن مِداده مغشوشاً، ولا كلماته مشلولة، بل كرَّس قلمه لعلاج العِلل والأدواء، ولم يرها تستعصي علي العلاج، هو الشيخ الإمام العَالِم ِشهابُ الدين أحمد بن محمد بن عماد بن علي أبو العباس القرافي المصري المقدسي الشافعي الفرضي الحاسب، الشهير والده بالهائم(3).
وُلد سنة ست وخمسين وسبع مائة من الهجرة في أحد أحياء القاهرة المُسمي “القرافة الصغرى”، وفي القاهرة تلقي- شأن أقرانه- تعليمه، فحفظ القران الكريم، ودرس العلوم العربية والإسلامية، وانتظم من غير شك في حلقات الدروس التي كانت تُعقد وتُقام في مجالس العلم بصحن الأزهر الشريف وأروقته، ولا ريب في أن نشأته في أسرة لها القِداحُ في حُبّ العلم، والحرص علي نشره، كان لها أثرٌ قويٌّ فيما وصل إليه من مكانة مرموقة بين علماء عصره نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر،أمثال:
*عالم الفلك والرياضيات والهندسة، “علي بن الشاطر”، من مؤلفاته ( الأشعة اللامعة في العمل الجامعة) ، وذكر فيه أنه اخترع آلة لتكون مداراً لأكثر العلوم الرياضية ..
* الفقيه العَالِم الجليل، “أحمد بن المجدي”، من مؤلفاته ( كشف الحقائق في حساب الدرج والدقائق)..
* عالم الرياضيات “عماد الدين الكاشي”، مؤلف ( اللباب في الحساب) الذي احتل منزلة رفيعة في تاريخ الرياضيات
مشايخه:
يذكر مؤرخو حياة “ابْنِ الهَائِم المَقدِسي” أن ممن تلقي عنهم العلم ودرَّسوا له، طائفة ممن ذاع صيتهم، وانتشرت أسماؤهم لبلوغ درجة من العلم عالية، وذلك مثل: شيخ الإسلام “سراج الدين البُلقِيني”، و”التقي ابن حاتم”، وكذلك درس علي “أبي الحسن الجلاوي المالكي” ، و”الجمال الأميوطي”.. وغيرهم..
إسهاماته العلمية:
ابتكر “ابْنِ الهَائِم المَقدِسي” طرقًا مبسطة لعمليات ضرب الأعداد ببعضها، (فمثلاً يكون ضرب أي عدد في خمسة عشر بجمع نصف قيمة ذلك العدد إليه ثم الضرب في عشرة)، ولقد أودع هذه الطريقة في كتابه المعروف باسم (اللمع في الحساب) وهي رسالة تجمع بين العلم والأدب.
وقد كان لاهتمام “ابن الهائم” بعلوم الشريعة أثر كبير في توجيه علم الرياضيات لخدمة الدين، فاهتم اهتمامًا بالغًا بعلم الفرائض، ومسائل حساب الميراث، وتوزيع التركات حتى أصبح أعلم أهل زمانه في هذا العلم.
كان “ابن الهائم المقدسي” يقضي نهاره في التدريس، ثم ينتقل بعد ذلك إلى المسجد، فكان يقضي وقته هناك يعظ الناس ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويفقههم في الدين حتى صار من كبار فقهاء الإسلام في الدعوة والإرشاد والإفتاء.
رحلاته:
كان “ابْنِ الهَائِم المَقدِسي” يجوب كل فج، ولا يسأم طلب العلم، ولا يمل الدأب؛ لأن من طلب جلب، ومن جال نال، فقد كانت رحلاته كلها مثمرة وخير، كما أفصح هو عنها لتلاميذه، فقد ارتحل إلي القدس الشريف واشتغل بالتدريس، والإفتاء، وتولي التدريس بمدرسة الصلاحية نيابة عن أستاذه “الزيَّن القمني”(4).
تلاميذه:
- ابن حجر علامة عصره المتوقي سنة 852هـ،
- العماد بن شرف
- الزين ماهر
- التقي القلقشندي
مؤلفاته:
لقد ترك لنا “ابْنِ الهَائِم المَقدِسي ” عشرات المصنفات التي دبجها بقلمه، منها ما أنجزه في حياته، ومنها ما لم يُقدّر الله له أن يكملها.
أولاً: المؤلفات التي أكملها
- التبيان في تفسير غريب القرآن..
- المعونة في الحساب الهوائي..
- التحرير لدلالة نجاسة الخنزير..
- رسالة التحفة القدسية في أخبار الرجبية..
- تحقيق المعقول والمنقول في نفي الحكم الشرعي عن الأفعال قبل بعثة الرسول..
- الحاوي في الحساب..
- خلاصة الخلاصة في النحو..
- شرح الأرجوزة الياسمينية في الجبر والمقابلة..
- رسالة اللمع في الحساب..
- غاية السول في الإقرار بالدين المجهول..
- مرشد الطالب إلى أسنى المطالب..
- المقنع في الجبر والمقابلة..
- المفتاح في الحساب..
- نزهة النفوس في بيان حكم التعامل بالفلوس..
- المسمع في شرح المقنع..
ثانيًا: المؤلفات التي لم يكملها
- إبراز الخفايا في فن الوصايا..
- البحر العجاج في شرح المنهاج..
- شرح الجعبرية في الفرائض..
- العقد النضيد في تحقيق كلمة التوحيد.
وفاته
توفي “ابْنِ الهَائِم المَقدِسي” عام 845هــ، ودُفن بمقبرة”مأمن الله” بالقدس الشريف(5)، كان جهده محمود، لا مراء في ذلك، عليه سحائب الرحمة والمغفرة، قدر ما قدَّم للإنسانية من علم.
بقلم/ أيمن عبد السميع حسن
المصدر: مجلة حراء