تقرير: حسن كسكين
برلين (زمان التركية) – اعتاد رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان أن يفوز في كافة الانتخابات والاستحقاقات الانتخابية التي يخوضها حزبه منذ عام 2002، وكان القاسم المشترك بينها جميعًا هو قدرته على استغلال عدد من الأمور، أهمها القيم المعنوية بشكل محترف قبل كل الانتخابات.
ودخلت تركيا حاليا أجواء الاستعدادات لانتخابات المحليات المقررة في 31 مارس/ أذار 2019.
من جهته يرى رئيس الجمهورية التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان أن كل شيء جائز ومباح من أجل الفوز في الانتخابات، بل ولا يخجل من استغلال القيم المعنوية والوطنية إذا لزم الأمر، حتى يصل إلى هدفه المنشود.
فقبيل كل استحقاق انتخابي إما يظهر أمام الكاميرات أثناء أداء مناسك العمرة، أو في داخل المسجد أو خلال زيارة ضريح أو قبر معين. وفي أحيان أخرى كان يظهر قارءًا للقرآن.
وكانت أكثر أساليبه استخدامًا هي تصريحاته الداعمة لقطاع غزة الفلسطيني المحاصر من قبل القوات الإسرائيلية، والهجوم على إسرائيل. بهذا كان ينجح في سحر أعين التيارات الدينية المحافظة في تركيا.
العمرة
في عام 2015 شهدت تركيا انتخابات برلمانية في 7 يونيو/ حزيران، وقبيل الانتخابات حرص أردوغان على الظهور أمام الكاميرات أثناء أداء فريضة العمرة في 1 مارس/ آذار 2015.
وكانت تلك الصور ومقاطع الفيديو التي التقطت لأردوغان خلال زيارته لأداء العمرة قد انتشرت كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الإخبارية. الأمر الذي اعتبرته التيارات الدينية المحافظة انتصارًا وفتحًا رمزيًا، من خلال أن يكون رئيس الجمهورية قد ذهب للحج أو العمرة، بعد أن كان التيار الإسلامي والمحافظ يتعرض للقمع في تركيا منذ إعلان الجمهورية التركية في عام 1923.
زيارة الأضرحة
كذلك كانت الجوامع والأضرحة أحد وسائل أردوغان الناجحة للدعاية لنفسه أمام التيار المحافظ؛ ففي 1 مايو/ أيار 2018 أجرى أردوغان زيارة لدولة أوزباكستان قبيل الانتخابات العامة التي أجريت في 24 يونيو/ حزيران 2018، وأجرى خلالها زيارة لمدينة بخارى التاريخية، وزار ضريح النقشبندي، والذي يمثل أحد الطرق الصوفية الكبيرة في تركيا.
وباتت زيارته ضريح النقشبندي يستخدمها في جذب مريدي الطريقة النقشبندية في عموم تركيا. حيث نجح أردوغان بهذه الطريقة في جذب أصوات الناخبين من التيار الصوفي.
الصلاة في المساجد وتلاوة القرآن
كما كان الذهاب إلى المساجد وقراءة القرآن أحد أساليب أردوغان؛ إذ يحرص على الخروج أمام الكاميرات في صلاة الجمعة، ويلقي السلام على الشعب التركي. يكون بذلك أول رئيس جمهورية يقوم بذلك التصرف بعد السلاطين العثمانيين، الأمر الذي يؤثر على التيار القومي.
ويعاني التيار الديني من عدم قدرة الطلاب على قراءة القرآن الكريم بسبب نقص التعليم في المساجد، وعدم قدرتهم على الحصول على تدريب كافٍ، فيخرج عليهم أردوغان قارئًا للقرآن بصوت جميل ومجود، الأمر الذي يشعل إعجاب التيار الديني بأردوغان.
حرصًا منه قبيل الانتخابات على التأكيد على أنه ينتمي للتيار الإسلامي، لضمان الحصول على أصواتهم؛ أجرى زيادة لجامع وضريح السلطان أيوب في إسنطنبول وقراءة القرآن هناك، قبيل الانتخابات العامة التي أجريت في 24 يونيو/ حزيان 2018.
وقبيل انتخابات 10 أغسطس/ آب 2014 أجرى زيارة لمنزل أحد الشهداء في 24 مايو/ أيار 2014، وقرأ القرآن هناك أيضًا.
الحجاب
ويعتبر الحجاب من أبرز الرموز التي يستغلها خلال الانتخابات التي يخوضها. فقد ألغى أردوغان الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في تركيا، ويستمر في حصد ثمار هذه الخطوة في كل استحقاق انتخابي، من التيار الديني الإسلامي، وحول موقفهم تجاه حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي أسسه أتاتورك، وباقي الأحزاب اليسارية، إلى الانتقاد الشديد.
ولم يقتصر استخدام أردوغان للحجاب في الانتخابات فقط، وإنما كلعبة سياسية بشكل مستمر لحل المشكلات السياسية التي يتعسر عليه حلها بالحلول التقليدية.
على سبيل المثال: لم يخجل أردوغان من أن يلقي الاتهامات الجزافية والافتراءات على المتظاهرين الذين نزلوا إلى الميادين للاعتراض على سياساته هو وحكومة حزب العدالة والتنمية من خلال أحداث متنزه جيزي في عام 2013.
فقد زعم أن المتظاهرين يشربون الخمور داخل المساجد، وأنهم ممن قاموا بالاعتداء على سيدة محجبة في منطقة كاباتاش.
وقال أردوغان: “لدينا صرو ومقاطع فيديو سنكشف عنها يوم الجمعة”، إلا أنه لم يعرض تلك الصور أو مقاطع الفيديو حتى الآن. ومن جانبه نفى إمام الجامع تلك الادعاءات، مؤكدًا عدم تناول الخمور داخل المسجد.
كان أردوغان في موقف صعب للغاية بسبب تظاهرات متنزه جيزي العارمة، فقرر استغلال قصة مفتعلة لسيدة محجبة تعرضت للاعتداء بسبب ارتدئها الحجاب، ليتمكن بذلك من جذب أصوات التيارات القومية والمحافظة.
إنشاء المساجد
يتصرف أردوغان في الفترة الأخيرة مثل السلاطين العثمانيين من خلال إقامة وتشييد المزيد من الجوامع، ليلمع صورته أكثر أمام التيار الديني.
في 20 يوليو/ تموز 2012 فتح أردوغان جامع المعماري سنان بإسطنبول، وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 فتح جامع ملكة هاتون في أنقرة، وفي 29 سبتمبر/ أيلول 2018 فتح الجامع المركزي في ولاية كولن الألمانية، وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 أيضًا فتح جامع المشير خلوصي أكار في قيصري أمام المصلين. ومن المخطط أن يفتتح جامع تشامليجا بإسطنبول خلال شهر مارس / أذار 2019 وقبل الانتخابات.
وشارك أردوغان في مؤتمر القادة المسلمين في أمريكا اللاتينية الذي استضافته إسطنبول بتاريخ 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وقال إنه يريد أن يقيم جامعًا في كوبا التي يتحكم فيها النظام الشيوعي.
وخلال زيارته لكوبا في 11 فبراير/ شباط 2015 أبلغ رغبته للمسؤولين، إلا أن المشروع لم يطبق على أرض الواقع. ولو كان قد تحقق له هذا، لكان قد حقق فتحًا جديدًا في أمريكا الجنوبية.
التصريحات المهاجمة لإسرائيل
استطاع أردوغان من أن يفهم أن التيارين القومي والمحافظ يمكن التأثير فيهما من خلال نظريات المؤامرة، وكانت الانتقادات المستمرة لإسرائيل أحد نظريات المؤامرة التي لجأ لها أردوغان.
ينتبه أردوغان دائمًا إلى التوقيت الذي يخرج فيه بتصريحات منتقدًا إسرائيل. فالفترة التي تسبق كل استحقاق انتخابي في تركيا، دائمًا ما تشهد انفعالات كبيرة من أردوغان ضد إسرائيل التي تظلم وتنتهك حقوق الفلسطينيين في قطاع غزة. أما بعد الانتخابات فإما أنه يلتزم الصمت تمامًا، أو يطلق بعض التصريحات والانتقادات الخفيفة.
فعقب إعلان الولايات المتحدة الأمريكية التصديق على نقل سفارتها لدى إسرائيل إلى القدس الشرقية المحتلة، سقط خلال الأحداث 60 شهيدًا فلسطينيًا.
وكان لأردوغان صولات وجولات حيث كثف الانتقادات في الفترة التي زامنت مع التجهيز لانتخابات 24 يونيو/ حزيران 2018. واتهم إسرائيل بارتكاب الجرائم والمجازر. ونظم مؤتمرًا جماهيريًا في منطقة يني كابي بإسطنبول لدعم فلسطين. وبالرغم من كل ذلك، رفض البرلمان التركي بأغلبية أصوات نواب حزب العدالة والتنمية الاقتراح المقدم من المعارضة التركية لمقاطعة إسرائيل. وعلى الجانب الآخر استمر أردوغان في انتقاد إسرائيل حتى موعد الانتقادات، وبعد الانتقادات التزم الصمت التام.
كذلك كان أردوغان قد حادث الهجوم الإسرائيلي الغاشم على سفينة المساعدات الإنسانية لكسر الحصار على قطاع غزة “مافي مرمرة” في 31 مايو/ أيار 2010، وزعم خلال الانتخابات أنه من أرسل السفينة، إلا أنه عاد مرة أخرى وقال في تصريحات له بتاريخ 29 يونيو/ حزيران 2016 إن سفن المساعدات تلك لم تحصل على تصريح منه للخروج في تلك الرحلة.
اشتهر أردوغان بواقعة “One Minute” وهي العبارة التي قالها في مؤتمر دافوس في 29 يناير/ كانون الثاني 2009 مقاطعا رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. ليتمكن من خلالها من أسر قلوب المحافظين والقوميين.
يذكر أن التقارير الرسمية تشير إلى أن حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل سجل زيادة في عهد أردوغان بنحو 249.4%. ففي عام 2002 كان حجم التجارة البينية 1.4 مليار دولار أمريكي، وفي عام 2017 بلغت 5 مليارات دولار أمريكي.
الهجوم على المعارضة
كما يهاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل كل انتخابات في تركيا رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض وكأنه رئيس الجمهورية الذي يدير البلاد.
ويتهم أردوغان المعارضة بالفساد وعدم مواجهة التلوث بالمياه وعدم المساهمة في انشاء الكباري والمستشفيات والطرق عندما كان حزب الشعب الجمهوري في الحكم قبل 50 عاما متناسيا الأحوال الاقتصادية في تلك الأزمنة.