بروكسل (زمان التركية) – على الرغم من أن الحكومة التركية تزعم أن تطبيق “بايلوك” للمحادثة الفورية كان وسيلة تواصل الانقلابيين في تركيا فيما بينهم، وتجري على أساس ذلك عمليات اعتقال وفصل طالت مئات الآلاف من المواطنين المدنيين، إلا أن رؤساء أربع مؤسسات قضائية دولية كبيرة نشروا بيانًا أكدوا فيه أن “بايلوك” لا يعدو كونه من تطبيقات المراسلات الفورية على الهواتف الذكية مثل واتس آب.
ونشر الاتحاد الدولي للقضاة بيانًا حول أوضاع القضاة المعتقلين في تركيا، وانتهاكات حقوق الإنسان، والقضاء على استقلالية القضاء في تركيا.
وتناول البيان بشكل مفصل محاكمة واعتقال رئيس الاتحاد التركي للقضاة والمدعين العامين مراد أصلان، مشيرًا إلى أن أصلان حصل على جائزة “Vâclav Havel” لحقوق الإنسان من مجلس برلمانات المجلس الأوروبي لعام 2017.
وأشار البيان إلى أن مراد أصلان متهم باستخدام تطبيق “ByLock” الذي تزعم حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا أنه استخدم في التخطيط لمحاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز، مؤكدة أن التطبيق كغيره من التطبيقات، مثل واتس آب، يستخدم للمراسلات والمحادثات.
وقال البيان: “تم الاستناد إلى استخدام مراد أصلان لتطبيق بايلوك على أنه دليل انتمائه لتنظيم ما. ولم تكن هناك دراسة كاملة عن محتوى التطبيق الذي يعتبر كتطبيق واتس آب أو كغيره من تطبيقات المراسلات”.
وحمل البيان توقيع كلا من رئيس اتحاد القضاة الإداريين في أوروبا إيديث زيلر، ورئيس اتحاد القضاة في أوروبا جوسي إجريجا ماتوس، ورئيس اتحاد القضاة من أجل القضاة تمارا تروتمان، ورئيس اتحاد القضاة من أجل أوروبا الديمقراطية والحرة فيليب جيسار ماركوس، وتناول حالات انتهاك الحقوق والحريات في تركيا بالتفصيل.
الأمم المتحدة: استخدام بايلوك ليس بجريمة
وكانت الأمم المتحدة أصدرت تعقيبًا في 18 أكتوبر / تشرين الأول 2018 حول هذا التطبيق، بعد التدقيق والتحقيق في شكوى تقدم بها مواطن تركي يدعى “مَسْتان يايمان”، أكدت فيه أن كل الأحكام القضائية والإجراءات المتخذة من فصل واعتقال ومصادرة على أساس استخدام تطبيق بايلوك مخالفة للقانون، وأن مجرد استخدامه لا يمكن اعتباره دليل إدانة إن لم تكن هناك أدلة إدانة أخرى.
وعلى الرغم من أن السلطات التركية تصف بايلوك بـ”التطبيق المشفر للرسائل النصية”، وتضفي عليه طابع “الجاسوسية” في نظر الرأي العام، بهدف توجيه الاتهامات العشوائية للمواطنين بكل سهولة، إلا أن الرأي الذي أصدره “فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي” في منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت وصف التطبيق بأنه “تطبيق عادي للمحادثة”، وأن المراسلة وتبادل الأخبار والمعلومات والآراء من خلاله تقع ضمن “حرية التفكير والتعبير عن الآراء”، ولا يمكن اعتباره جريمة.
واعتبر الفريق الأممي الإدانة بسبب استخدام بايلوك مخالفًا للمادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان -التي تركيا طرف فيها- والذي ينص على أن “لكل إنسان الحق في حرية التعبير. هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة”.
جهاز الاستخبارات يُقر بالخطأ
وكان خطاب أرسله جهاز الاستخبارات التركي في 27/05/2017 إلى وزارة العدل اعترف بحدوث خطأ كبير في البيانات الخاصة بمستخدمي تطبيق بايلوك، محذرًا من أن القائمة الخاصة بمستخدمي التطبيق قد تكون غير دقيقة، بسبب إمكانية مشاركة الإنترنت مع الآخرين عن طريق الشبكات اللاسلكية “واي فاي”، إلا أن الوزارة اكتفت بإرسال نسخة من هذا الخطاب إلى محاكم الجنايات المختصة في تاريخ 13/07/2017 فقط، من دون تصحيح الأخطاء الواردة في هذا الصدد بشكل دقيق، وإزالة المظالم التي تعرض لها عشرات الآلاف من المواطنين وتعويضهم. وبعد ظهور هذا “الخطأ” أقبلت المحاكم المشرفة على قضايا الانقلاب الفاشل على إصدار قرارات الإفراج عن آلاف المعتقلين والمعتقلات بتهمة استخدام هذا التطبيق، وأوضحت السلطات أن هناك حوالي 12 ألف شخص تم اعتقالهم بالخطأ!
من جانب آخر، كشف المحامي الشهير “مراد آكّوتش” عن مبادرة جهاز المخابرات إلى إخراج 278 ألف شخص من قائمة مستخدمي “بايلوك” البالغ عددهم 493 ألف و512 شخصًا وفق قائمة المخابرات دون اتباع أي معيار موضوعي، وهو أمر يكشف أن الأسماء الواجب اعتقالهم أو فصلهم من مؤسسات الدولة تم تحديدهم من قبلُ طبقًا لقوائم التصنيفات الأيديولوجية المعدة مسبقًا على نحو لا يشمل الوزراء ونواب وأنصار الحزب الحاكم.
فضلاً عن كل ذلك أن المخابرات التركية أعلنت بشكل رسمى في وقت سابق “أن الوثائق والمعلومات الاستخباراتية التى تقدم للمؤسسات المعنية، والتى تعد عقب تقييم وتفسير الوثائق والمعلومات التى تأتي إلى جهازنا من مصادر مختلفة لا يمكن استخدامها كأدلة قانونية”، الأمر الذي يدل على أن جميع عمليات الاعتقال بتهمة «استخدام تطبيق بايلوك» تعسفية وغير قانونية، حتى لو كانت المزاعم الواردة حوله صحيحة، ذلك أن هذه المزاعم مصدرها المخابرات التركية، غير أن السلطات القضائية تتغاضى عن هذه الحقيقة في ظل تعرضها لضغوط من السلطة السياسية.