بقلم مايسترو
القاهرة (زمان التركية) – التظاهر وفقاً للقوانين المقارنة على المستوى الدولي حق مشروط بممارسة سلمية يعبر فيها المتظاهرون عن رأيهم أو احتجاجاتهم..
وفي هذا السياق عرف المشرع المصري التظاهر ــ المادة الرابعة من القانون رقم 107 لسنة 2013 بشأن تنظيم التظاهرات السلمية ــ بأنه “التظاهرة هي كل تجمع لأشخاص يقام في مكان عام أو يسير في الطرق والميادين العامة يزيد عددهم على عشرة، للتعبير سلميًا عن آرائهم أو مطالبهم أو احتجاجاتهم السياسية“. وبهذا فخروج جمهور التظاهر عن السلمية فهو بهذا يدخل في دائرة التجريم، وهنا على قوات الأمن واجب قانوني يحتم عليهم التصدي لهذا الانفلات.
والحقيقة أن التدخل الأمني لمواجهة التظاهرات يحتاج لقادة على مستوى عال من الاحترافية؛ فقد يؤدي استخدام القوة المفرطة إلى تفاقم الأوضاع، خاصة وعلى الجانب الآخر توجد غالباً عناصر محترفة تقود المتظاهرين وتدفعهم للقيام بردود أفعال عنيفة تستخدم فيها العديد من الوسائل.. ولعل في مقدمتها استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لإثارة الجماهير والتحريض على العنف ضد الشرطة، بل وقد يصل الأمر إلى ارتكاب جرائم ضد جانب من المتظاهرين لإيقاد نار الغضب واتهام الشرطة بارتكاب هذه الأفعال.. وقد شاهدنا فصولاً لهذه الأحداث خلال ما سمي بثورات الربيع العربي عام 2011؛ فكم من المتظاهرين قُتلوا في ميادين التظاهر.. والقاتل بالتأكيد هو من كان يُريد لهذه التظاهرات أن تنقلب إلى ثورة ضد أنظمة حاكمة…
هذا وربما ظنت الدول المتقدمة أن الانفلات الأمني الذي يتحول فيه الحق في التظاهر إلى شغب وجرائم للحريق العمد والسلب والنهب هو بمثابة تصرفات لجماهير الشغب في دول بها أنظمة حكم استبدادية فقط.. وقد أثبت الواقع عكس هذا؛ ولنقدم جانباً من النماذج التي تمثل انفلاتاً أمنياً صاحب أعمال التظاهر مثالا على تقارب مشاهد الشغب في الدول بشكل عام؛ على النحو الآتي:
* لقد شهدت لندن في 6/8/2011 أحداث شغب لم تشهدها منذ 1981، فاجتاحتها موجة من الاضطرابات والعنف بدأت في مدينة توتنهام، وسرعان ما انتقلت للعديد من المدن شمال لندن، وذلك على أثر قتل الشرطة لمجرم بشكل غير مشروع، حيث لم يكن الأخير مسلحاً وقت مطاردته، وانتشر خبر وتفاصيل القتل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.. ولم تكثرث شرطة توتنهام باحتجاجات الجماهير التي بدأت بالعشرات منهم فقط، لكنها سرعان ما تزايدت وأصبحت بالآلاف، حيث استُخدمت مواقع التواصل الاجتماعي لدفع الجمهور للتظاهر ضد الشرطة ثم تحول الأمر إلى عنف مفرط وجرائم للحريق العمد لممتلكات عامة وخاصة، وأعمال سلب ونهب ارتكبها جمهور الشغب…
مشهد لحرائق للممتلكات في أحداث شغب لندن 2011
وصرح وقتها ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني بأنه سيفعل كل ما هو ضروري لإعادة الانضباط لشوارع بريطانيا، وتوعد مثيري الشغب ومرتكبي الجرائم بعقوبات صارمة مخاطباً إياهم “ستشعرون بـقوة القانون”، والغريب أن جانباً ممن قاموا بأعمال الشغب تواصلوا على الهواتف المحمولة ودعوا للمشاركة بعبارات منها “تعالوا وشاركوا معنا في هذه المتعة..” ولجأ سكان لندن إلى تشكيل لجان شعبية للمساهمة في أعمال تأمين الأحياء لعدم قدرة أجهزة الأمن على القيام بتلك المهام في ظل ظروف أعمال شغب واسعة النطاق، ورغبة من بعض العناصر الهدامة التي تهدف إلى استمرار حالة الفوضى بإثارة الفتن، فقد صدمت سيارة مجهولة ثلاثة رجال مسلمين من أصول أسيوية كانوا يحرسون مبنى في مدينة بيرمنغهام…
هذا ورغم فداحة أعمال الشغب المشار إليها.. إلا أن الشرطة البريطانية كانت حريصة عند التعامل مع العناصر الإجرامية على القيام بأعمال القبض في مواجهة مقترفي الجرائم دون اللجوء لإزهاق روح أي منهم، حتى لا تتفاقم أعمال الشغب، وإن كان القانون يسمح لها باستخدام السلاح في مواجهة أعمال إضرام الحريق العمد في الممتلكات، إلا أن الشرطة ونظراً لرغبتها في احتواء المواقف وعدم التصعيد تمسكت بضبط النفس والحرص الشديد على عدم استعمال السلاح الناري إلا في أصعب الظروف؛ أي في حالات الضرورة القصوى، وإذا كانت حصيلة القتلى خلال الاضطرابات خمسة أشخاص فإنهم جميعاً قضوا لأسباب لا دخل لقوات الشرطة بها.. فكلها ترجع لأعمال إجرامية صاحبت تلك الأحداث.
* ونشير في هذا السياق أيضاً إلى تظاهرات منتزه ميدان تقسيم في تركيا، والتي بدأت في 28 مايو 2013؛ حيث احتج ناشطون في مجال البيئة اعترضاً على إزالة أشجار في ميدان تقسيم وإعادة إنشاء ثكنة عسكرية عثمانية (هدمت في 1940)، وتطورت الاحتجاجات إلى أعمال شغب بعد أن هاجمت قوات الشرطة المحتجين؛ واتسع الاحتجاجات لتشمل الاعتراض على سياسات الحكومة.
مظاهرات عارمة تجتاح تركيا 2013
واجتاحت المظاهرات إسطنبول وأنقرة وإزمير وموغلا وأنطاليا.. واستخدمت الشرطة القوة المفرطة ضد المتظاهرين، حيث أصيب المئات وتم اعتقال حوالي ألف متظاهر من المشاركين في الاحتجاجات، واعترف أردوغان رئيس وزراء تركيا وقتها بتجاوزات الشرطة ودعا لوقف أعمال التظاهر.
ونشاهد الآن فصولاً من أعمال شغب حركة “السترات الصفراء” التي تجتاح فرنسا منذ السابع عشر من الشهر الماضي ـــ ومازالت مستمرة حتى تاريخ كتابة هذه السطور ـــ وقد صاحبت هذه الاحتجاجات أعمال عنف تعد جرائم خطيرة؛ ممثلة في جنايات للحرائق العمدية وأعمال السلب والنهب.. وذلك رغم تراجع الحكومة عن الضرائب التي فرضتها على المحروقات؛ وكذا مع وعود قطعها الرئيس ماكرون بزيادة الرواتب والمعاشات وتحسين أحوال المعيشة.. بل وهناك مكمن آخر للخطورة؛ ففي ظل أعمال الشغب المشار إليها تنشط حركة الجرائم الجنائية والإرهابية.. حيث تجد العناصر الإجرامية الفرصة مواتية لارتكاب جرائمهم في ظل انشغال أجهزة الأمن بمواجهة الاضطرابات؛ لذا فإن المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة عليه أن يتصدى لإعادة تنظيم ضوابط الحق في التظاهر وكذا الحق في الإضراب أيضاً.. .