تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (زمان التركية) – “يجب علينا أن لا ننسى أننا في حرب مع منظمة فتح الله غولن ستستمر لعدد من الأجيال القادمة، لذا لا ينبغي تقديم أدلة على كل شيء؛ ذلك أنه لا يمكن محاكمة 500 ألف شخص والزج بهم في السجون في الظروف الراهنة…”.
هذه العبارات الباعثة على الدهشة والقلق وردت في ورشة عمل نظمتها الأكاديمية الشرطية في تركيا في أيلول/سبتمبر المنصرم وشارك فيها مجموعة من القضاة المكلفين بالنظر في القضية الرئيسية الخاصة بحركة الخدمة التي تتهمها حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان بتدبير ما سمته “الانقلاب الفاشل” عام 2016، رغم تأكيد تقارير دولية استخباراتية براءتها من هذه التهمة.
والجهة التي كشفت عن محتويات ذلك الاجتماع الخطير للغاية هي موقع “أودا تفي” (Odatv) الإخباري، الذي يعد أكبر المنافذ الإعلامية التابعة لتنظيم أرجنكون، الموصوف في تركيا بالدولة العميقة، الذي عقد تحالفًا مع نظام أردوغان بعد أن بات في زاوية ضيقة عقب الكشف عن فضائح الفساد والرشوة التاريخية في 2013.
وبحسب ما كتبته الكاتبة الصحفية ميسر يلديز في موقع أودا تيفي المذكور، فإن رئيس الأكاديمية العدلية يلماز أكتشيل، والنائب البرلماني من حزب العدالة والتنمية الحاكم أورهان آتالاي، ورئيس المحكمة الجنائية السابعة في العاصمة أنقرة أوغوز ديك، وعضو المحكمة العليا جعفر عاشق، ورئيس المحكمة الجنائية الرابعة المشرفة على تحقيقات حركة الخدمة سلفيت جيراي كانوا أبرز المشاركين في ورشة العمل التي حملت عنوان ” مكافحة حركة جولن”.
وطبقًا لما ورد في موقع أودا تيفي، فإن المشاركين في ورشة العمل طرحوا مجموعة من الاقتراحات لضمان نجاح “الحرب” –على حد تعبيرهم- مع حركة الخدمة، أبرزها كما يلي:
1) حبس أعضاء الأوقاف والجمعيات التابعة لمنظمة فتح الله غولن ما بين سنتين وخمس سنوات غير كافٍ.
2) هناك حاجة ماسة إلى موظفي تنفيذ القوانين متخصصين ومحترفين ليتولوا مهامات في تحقيقات منظمة فتح الله غولن.
3) لا يمكن الزج ب500 ألف شخص في السجن، ولا محاكمتهم في الظروف الراهنة، لذا يجب البدء من قيادات المنظمة العليا ثم الانتقال إلى القاعدة السفلى، وينبغي إجراء تعديلات على القوانين الحالية لفتح المجال أمام اعتبار المعلومات الاستخبارية أدلة إدانة قانونية.
4) يجب علينا أن لا ننسى أننا في حرب مع منظمة فتح الله غولن ستستمر لعدد من الأجيال القادمة، لقد حققنا انتصارا نسبيا في المرحلة الأولى، إلا أنه يجب أن لا يغيب عن بالنا أن هذه الحرب ستستمر.
5) استخدام تطبيق بايلوك (ByLock) للمحادثة الفورية وإيداع نقود في بنك آسيا التابع للمنظمة معايير وأدلة لانتماء الأشخاص إلى هذه المنظمة، لذا يتعين تطوير هذه المعايير وإدراجها ضمن القوانين واللوائح.
يرى مراقبون وخبراء القانون المحلي والدولي أن كل كلمة ترِد في هذه المقترحات تتناقض بشكل صريح مع الدستور والقانون التركي ومبادئ حقوق الإنسان العالمية، وتكشف في الوقت ذاته أن كل عمليات المطاردة والاعتقال والفصل عن الوظيفة الرسمية منذ الانقلاب الفاشل في 2016 مخالفة للقوانين واللوائح الجارية حاليًّا في تركيا.
ويستدلون على ذلك بإطلاق المشاركين في ورشة العمل على التحقيقات الخاصة بحركة جولن “الحرب” التي ستستمر عقودا طويلة بدلاً من “العملية القانونية”، واعتبار مجرد العمل في أي مؤسسة أو العضوية في أي وقف أو جمعية تابعة للحركة “جريمة” حتى ولو لم يرتكب المتهمون أي جريمة مادية.
يؤكدون كذلك أن المقترح “ينبغي إجراء تعديلات على القوانين الحالية لفتح المجال أمام اعتبار المعلومات الاستخبارية أدلة إدانة قانونية”، يتضمن اعترافًا صارخًا بأن الجرائم المنسوبة إلى المتعاطفين مع الحركة لا تشكل جريمة في القوانين واللوائح المطبقة حاليًّا في تركيا، لذالك ينصح بإجراء تعديلات قانونية.
وينبه المحللون في هذا السياق إلى أن 95٪ من التحقيقات القضائية التي يخضع لها كل من له أدنى صلة بحركة جولن منذ أكثر من عامين، تقوم على أساس اتهام استخدام تطبيق بايلوك بناء على معلومات توفرها المخابرات التركية، وذلك على الرغم من الأخيرة سبق أن أعلنت في وثيقة رسمية “أن الوثائق والمعلومات الاستخباراتية التى تقدم للمؤسسات المعنية، التى تعد بعد تقييم وتفسير الوثائق والمعلومات التى تأتى إلى جهازنا من مصادر مختلفة لا يمكن استخدامها كأدلة قانونية”، بالإضافة إلى اعتراف المشاركين في هذا الاجتماع بحاجتهم إلى تعديلات قانونية حتى تكون العمليات والتحقيقات في الإطار القانوني.
وكانت الأمم المتحدة أصدرت تعقيبًا في 18 أكتوبر / تشرين الأول 2018 حول هذا التطبيق، بعد التدقيق والتحقيق في شكوى تقدم بها مواطن تركي يدعى “مَسْتان يايمان”، أكدت فيه أن كل الأحكام القضائية والإجراءات المتخذة على أساس استخدام تطبيق بايلوك مخالفة للقانون، وأن مجرد استخدامه لا يمكن اعتباره دليل إدانة إن لم تكن هناك أدلة إدانة أخرى، وذلك بسبب مخالفتها للمادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان -التي تركيا طرف فيها- والذي ينص على أن “لكل إنسان الحق في حرية التعبير. هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة”.
يبدو أن هذه المقترحات التي تزيح الستار عن العقلية التي تقف وراء عمليات الفصل والاعتقال ومصادرة الممتلكات، وترى الشبهة كافية للإدانة، بحجة التصدي للانقلاب، ستثير ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والقانونية والمحافل الدولية.