تقرير: محمد عبيد الله
إسطنبول (زمان التركية) – باتت “المستحيلات” ممكنة في تركيا التي يحكمها حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان منذ 16 عامًا، حيث طالبت النيابة العامة في إسطنبول باعتقال خمسة صحفيين من جريدة “سوزجو” بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة، على الرغم من أن جميعهم معروفون بعلمانيتهم الصارمة ومعارضتهم الشديدة للحركة.
لقد أعدت النيابة العامة في إسطنبول مذكرة ادعاء باعثة على الضحك والسخرية، في حق مجموعة من الصحفيين، بينهم الكاتبان المعروفان “أمين تشولاشان” و”نجاتي دوغرو”، والمدير العام للنشر بالجريدة “متين يلماز”، ومنسق الأخبار على الإنترنت “يوجال آري”، والمدير العام للنشر على الإنترنت مصطفى تشاتين، مطالبةً المحكمة بإنزال الحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح ما بين 7.5 عامًا و15 عامًا، وذلك بتهمة “مساعدة منظمة فتح لله جولن.. مع عدم الانتماء لها”، العبارة التي لا ترِد في القانون والدستور.
ومما يبعث على السخرية وكذلك يكشف عن العقلية التي تقف وراء عمليات الفصل والاعتقال الجماعية بتهمة “الانتماء إلى منظمة فتح الله جولن…”، أن النيابة العامة تقول في مذكرة اتهامها بأن معارضة حركة الخدمة وتوجيه الإهانة والشتائم لها لا تعني براءة الإنسان من الانتماء إليها، مبررًا ذلك بأن فتح الله جولن، ملهم الحركة، ينصح لمؤيديه بإخفاء هويتهم وتهجهاتهم الحقيقية عن طريق توجيه الإهانة والشتائح لشخصه، على حد زعمها.
وقالت النيابة العامة: “المعارضة الشكلية لمنظمة فتح الله جولن، وتوجيه انتقادات لاذعة لها، بل حتى توجيه الإهانة والشتم لها بصورة علنية لا تعني بمجردها البراءة من الانتماء إلى هذه المنظمة وتأييدها”، العبارات التي اعتبرتها الأوساط القانونية والصحفية والسياسية فضيحة، ورأت أنها تعارض روح القانون والدستور وتتجاوز مبدأ “الحكم بالظاهر” إلى “قراءة النوايا”.
وفي إطار تعليقه على رأي النيابة العامة الوارد في مذكرة الادعاء، أكد الكاتب الصحفي والمذيع المشهور على قناة “فوكس” التركية “فاتح برتقال” أن تهمة الانتماء أصبحت سيفًا تسلطه السلطة السياسية على كل من ترغب في اعتقاله، أبدى دهشته إزاء تصريحات النيابة قائلاً: “هذه العبارة الواردة في لائحة الاتهام تدل بشكل واضح على أن الجميع في تركيا مهددون بتهمة الانتماء إلى منظمة فتح الله جولن. وحتى يمكن أن يتم اعتقالي غدًا لأنني قلت ذلك”.
ويؤكد مراقبون أن أردوغان بدأ يستهدف الكاتب الصحفي المخضرم أمين تشولاشان ونجاتي دوغرو منذ شروعهما في نشر القصص المأساوية التي تصل إليهما من ضحايا “قانون الطوارئ” في عامودهما بصحيفة سوزجو، ووصفهما محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 بـ”الانقلاب البلاستيكي”، وانتقادهما شمول تحقيقات الانقلاب الفاشل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والحوامل، وذلك انطلاقًا من المبادئ الإنسانية المشتركة فقط وليس بسبب ولاءهما لحركة الخدمة.
تجدر الإشارة إلى أن السلطات التركية احتجزت واعتقلت مئات الآلاف من المواطنين “المدنيين” بحجة مشاركتهم في انقلاب 2016 “العسكري” الذي تصفه الحكومة وأردوغان بـ”الفاشل”، فيما تصفه المعارضة بـ”المدبر”، بالإضافة إلى إغلاق 116 مؤسسة إعلامية، بينها وكالة أنباء و18 قناة تلفزيونية و22 إذاعة راديو و50 صحيفة و20 مجلة، وذلك بموجب المراسيم الصادرة في إطار حالة الطوارئ التي أعلنت عقب المحاولة الانقلابية بدعوى التصدي للانقلابيين، علمًا أن هذه الأرقام مرشحة للزيادة نظراً لاستمرار الاعتقالات الجماعية بهذه التهمة الجاهزة، وذلك على الرغم من دعوة منظمات حقوقية عالمية، بينها الأمم المتحدة ومحكمة حقوق الإنسان الأوروبية ومنظمة العفو الدولية إلى الكفّ عن هذه العمليات وتعويض المتضررين منها.
واحتلت تركيا مؤخرًا المرتبة الـ157 من بين 180 في “مؤشر حرية الصحافة” الدولي الذي تصدره منظمة صحفيين بلا حدود سنويًا.