بقلم : مايسترو
حوار ماكرون وشرطي فرنسي نشرته الصحافة؛ وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي :
ماكرون : شكرا على تضحيتك لحماية وطنك فرنسا.
الشرطي : لا شكر علىواجب سيدي الرئيس فهذا عملي، لكنني أيضاً متضرر من الضرائب التي خرج بسببها الشعب،وأشعر بالخزي عندما أقمع أشخاصاً خرجوا للدفاع عن حقي وقناعاتي الشخصية ! !!
وتعليقاً على هذا الحوار القصير بالغ الدلالة ــ وربما غير المُكتمل ــ الذي دار بين ماكرون والشرطي الفرنسي فإنه يؤكد على روعة حرية التعبير والديمقراطية الفرنسية.. ولكن،،، الرئيس الفرنسي في الغالب لم يفته أن يؤكد للشرطي بأن التظاهر احتجاج سلمي.. وأن ما حدث في فرنسا من أعمال شغب وجرائم للحريق العمدي والسطو المسلح والقتل… وغيرها قد شوه سمعة باريس؛ وهنا على الدولة التزام بحماية مواطنيها والمحافظة على الممتلكات.. وواجبها هنا أن تُشعر الجناة بقوة القانون.. فما حدث بمثابة رِدة على المشروعية.. وإن كانت هذه هي لغة القانون إلا أن للسياسة أحكاما أخرى.. .
وقد فوجئت حقاً بإعلان نقابة الشرطة الفرنسيةVIGI) ) يوم الجمعة الموافق السابع من الشهر الجاري إضراباً مفتوحاً يبدأ من السبت ــ اليوم التالي لهذا الإعلان ــ وصرح نقيب الشرطة ألكساندر لانغولا لوكالة “نوفوستي” الروسية بأن أفراد الشرطة لن ينضموا إلى الاحتجاجات التي تنظمها السترات الصفراء ولكنهم يدعمونهم، وربما بهذا تتجنب بهذا الشرطة الفرنسية التصادم مع الحركة الاحتجاجية.. إلا أن هذا الموقف ربما يدعو العناصر الإجرامية لانتهاز فرصة حياد الشرطة المريب الذي يحمله الإضراب.. للسطو على الممتلكات وارتكاب المزيد من الجرائم.. فعلى الشرطة واجب وطني لا يُقبل تقاعسها عنه؛ ألا وهو الحفاظ على الأرواح والممتلكات، لذا فهذا الإضراب قد يشين الشرطة الفرنسية؛ فلن يَغفِر لها الشعب الفرنسي النتائج الوخيمة التي يمكن أن تترتب على هذا الإضراب في هذه الظروف الحرجة.. .
هذا ولعل توشح حركة الاحتجاجات الفرنسية بردائها الأصفر؛ الذي استوحته من السترة الصفراء الفسفورية التي يرتديها من تعطلت سيارته على الطريق ليلفت نظر الآخرين لمساعدته؛ وهو التزام يفرضه القانون في مثل هذه الحالات؛ إلا أن الرسالة التي يحملها أصحاب هذه السترات مفادها : “نبحث عن منقذ” فالسيارة التي تعطلت ربما تُمثل الدولة الفرنسية، وقد ارتدى ركابها ستراتهم بحثاً عن قادة يجعلون حياتهم أفضل.. بتبني إصلاحات اقتصادية حقيقية يَشعُر بها المواطن في حياته وليس العكس.. وإذا كانت حركة السترات الصفراء التي بدأت احتجاجاتها في 17 نوفمبر الماضي ومازالت مستمرة حتى تاريخ كتابة هذه السطور، رغم تراجع الحكومة الفرنسية عن قرارها بفرض الضرائب المشار إليها وإعلان رئيسها عن عدم فرضها خلال العام المالي 2019.. ومع هذا مازالت الاحتجاجات تتصاعد وربما تجبر الحكومة على الاستقالة.. ما لم تسارع لعرض خُطط عاجلة يرى معها الجمهور الفرنسي أن القادة السياسيين يحترمون بها متطلبات الطبقة الوسطى في المجتمع؛ وبالأحرى تلبي احتياجات الطبقات المهمشة.
هذا ومن منظور قانوني فما فعله جانب من المحتجين يَدخل في دائرة التجريم؛ فليس ما شاهدناه من قبيل التظاهر، فالتظاهر في جميع دول العالم يعني الاحتجاج السلمي على أوضاع معينة، فإذا خرج المتظاهرون عن السلمية فنحن أمام شغب.. بل وأحياناً نكون أمام جناة يرتكبون تحت ستار الاحتجاجات جرائم خطيرة منها الحرائق العمدية، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وجنايات سطو على الممتلكات، بل وطالت جرائمهم أيضاً بعض الآثار الفرنسية؛ التي تحطمت في خضم تلك الأعمال الإجرامية.
نعم ساعد في تأجيج الأوضاع جناحا التطرف: اليميني ــ وتمثله مارين لوبان ــ واليساري ــ ويمثله جان لوك ميلانشون ــ ولكن يجب أن نشير إلى أن ماكرون منحهم هذه الفرصة نتيجة سوء تقديره للخطوة التي أقدم عليها؛ فليس من المستساغ مطلقاً أن يُحمل الطبقة الوسطي إضافة للطبقات الكادحة فاتورة ثقيلة.. بدعوى حماية البيئة والمناخ؛ بفرض ضرائب باهظة على بعض أنواع الوقود، بما من شأنه إرهاق المواطن الفرنسي إرهاقاً جسيماً.. لذا لم نستغرب أن يتضامن أكثر من 70% من الفرنسيين مع حركة السترات الصفراء؛ فوضع بهذا الرئيس نفسه في خانة الأغنياء؛ تاركاً الغالبية العظمى من الشعب خارج حساباته، فخسر سياسياً وتدهورت شعبيته بدرجة فاقت كل تصور.. .
ونؤكد هنا على أن أعمال الشغب هذه أشد خطراً من الجرائم الإرهابية.. حيث يصعب على أي جهاز أمني مهما كانت قدراته التصدي الحاسم لها.. لذا فالحلول الأمنية وحدها لا تكفي، وإن أعلنت الحكومة الفرنسية عن حشد 90 ألف شرطي لمواجهة أعمال الشغب المحتملة للحركة الاحتجاجية مع بداية هذا الأسبوع.
مرة ثانية نؤكد أن الحلول الأمنية ليست كافية لدرء مخاطر الأخطاء الجسيمة للساسة؛ فجدير بالذكر في هذا السياق التنظير إلى الخطايا التي يرتكبها الرئيس أردوغان على المستويين الداخلي والخارجي، حيث استخدم أجهزته الأمنية في قمع الآلاف من المواطنين الأتراك؛ وعلى المستوى الدولي فقد خسر حليفه الأمريكي رغم تسليمه للقس أندرو برونسون، رغم ضبطه متلبساً بجرائم تتعلق بأعمال تجسس، فيتوعده مجلس الشيوخ الأمريكي بعقوبات اقتصادية رادعة ما لم يتراجع عن صفقة s 400 مع روسيا؛ وخسر من ناجية أخرى أغلب دول الخليج خاصة السعودية بموقفه من قضية خاشقجي، الموقف الذي يبعد تماماً عن أي حكمة سياسية.. لذا ـــ وبكل الأسف ـــ فإن الاقتصاد التركي من المنتظر أن يعاني كثيراً خلال الفترة القادمة.. وهنا ستظهر سترات أخرى بلون في الغالب دموي.. حيث ستصبح الاحتجاجات المرتقبة أشد خطورة من قرينتها الصفراء.
وفي نهاية مقالنا هذا، نرى في الأفق إحياءً لحركة “احتلوا وول ستريت” فربما تكون حركة “السترات الصفراء” بمثابة المفجر الذي يعيد احتجاجات وول استريت من جديد.. وقد يندمجان معاً؛ وهنا ربما يتولد عن هذا الاندماج انفجار هائل.. من المؤكد أنه سيتجاوز حدود فرنسا وأوروبا.. .