القاهرة (زمان التركية)- نشرت مجلة الأهرام العربي تقريرا مطولا حول أشطة الحكومة التركية برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ووفق خطة ممنهجة، تسعى تركيا إلى “تتريك” الشمال السورى منذ دخول قواتها إلى هناك، حيث تعتمد على ما يسمى “بالجيش الحر” ونحو نصف مليون تركمانى، من أجل استحضار “الروح العثمانية الاحتلالية” لشمال سوريا من خلال “تتريك” المناهج الدراسية، وخلق كيانات اقتصادية مثل البنوك والبريد وغيرها مرتبطة بالكامل مع تركيا، وتغيير أسماء الشوارع العربية إلى تركية، ومنع تسمية الأطفال الجدد بالأسماء العربية، وطرد العرب وإحلال الإرهابيين الذين نزحوا من الغوطة الشرقية، وبعض الويجور (ينتمون للعرق العثمانى) محل السكان العرب الأصليين، فهل ستنجح هذه السياسة فى تحويل شمال سوريا على غرار الشمال القبرصى الذى احتلته تركيا عام 1974؟ وهل هناك علاقة بين النهاية القانونية لاتفاقية لوزان 2023 بالتحركات التركية؟ وكيف يمكن للشعب السورى والدول العربية حماية “عروبة” شمال سوريا من خطط التتريك الأردوغانى؟
منذ احتلال إقليم عفرين السورى من قبل القوات التركية، بمساعدة الميليشيات الموالية لهم من المعارضة السورية، ومحاولات التتريك قائمة على قدم وساق، بدءا من فرض اللغة التركية فى المعاملات، إلى تغيير أسماء الشوارع إلى التركية حتى فرض المناهج التركية.
ومنذ أن استباحت تركيا أراضى شمال سوريا، لم يسلم البشر والحجر من همجيتهم وغطرستهم، فمن خطف البشر وأسرهم إلى هدم الحجر وتدمير الآثار التاريخية والقلاع.
ومنذ احتلال عفرين فى شمال سوريا، بدأت مرحلة جديدة من النهب والسلب لثروات أهالى البلد والتنكيل بأبنائها، ما اضطر مئات الآلاف من سكانها إلى النزوح، ولم يعد فى إقليم عفرين سوى ما يقرب من ٪5 من سكانها الأصليين، وعملت القوات التركية على توطين الآلاف من عملائها من الإرهابيين النازحين من الغوطة وغيرهم من جنسيات أخرى، وتمنع القوات التركية النازحين من العودة إلى ديارهم.
وأجبر الاحتلال التركى وعملاؤه طلاب المدارس فى شمال سوريا، على حمل العلم التركى وترديد الأناشيد القومية التركية، والدفع بالطلاب إلى تقديم عبارات الشكر لأردوغان، وتقوم القوات التركية وعملاؤها بكتابة اللافتات للأماكن ومقرات المستشفيات والمواقع الحكومية إلى اللغة التركية، بالإضافة إلى العربية، وتم تعيين والى وقائمقام لمدينة عفرين وربطها بولاية أنطاكية التركية، “بطاقة إقامة تركية”، وتقدم القوات التركية وعملاؤها من عناصر التنظيمات الإرهابية، بهدم النصب التذكارى فى عفرين للشخصية الأسطورية “كاوا الحداد”، وهو رمز للشعوب المحتفلة بالنيروز ومنهم الكرد.
وتم تدمير منشآت خدمية، ومواقع أثرية عديدة فى شمال سوريا، مثل معبد عين داره الشهير، وموقع براد الأثرى الذى يضم ضريح مار مارون، والمسجل على لائحة موقع التراث العالمى اليونسكو، ويمارس الأتراك سياسات تشكل تهديدا مباشرا على النسيج الاجتماعى للشمال السورى الذى يتميز بالتعدد الإثنى والعرقى والطائفى والمذهبى، وكانت تمثل نموذجا للتسامح والتعايش السلمى وقبول الآخر.
وتجسد الصلف العثمانى فى الكلمة التى ألقاها أردوغان أمام حشد تجمع لإحياء ذكرى تعود للحرب العالمية الأولى، فقد تضمنت فخره واعتزازه باحتلال مدينة عفرين ورفع العلم التركى فى وسطها.
أطماع ليست جديدة
الباحث السورى طالب زيفا، اعتبر أن الأطماع التركية فى سوريا والعراق، وحتى فى بقية الدول العربية ليست بالجديدة، خصوصا بعد انقلاب حزب الاتحاد والترقى على السلطان عبد الحميد الثانى والذى اتبع سياسية التتريك، أى محاولة فرض اللغة التركية والتاريخ الطورانى على الدول العربية، خصوصا فى سوريا والعراق من خلال مطالبتها بالموصل وشمال سوريا بحلب، فما زالت عين تركيا بكل أحزابها المتعددة، تعتبر بأن المعاهدات التى فرضت على الدولة العثمانية غير مقبولة ويجب أن تتعدل، ولا تزال الميزانية التركية تضع الموصل وحلب بميزانياتها القومية وتكتب بجانبها “صفر إنتاج”.
وحاليا فى ظل ما يجرى فى سوريا، توضحت السياسات التركية من خلال حكومة العدالة والتنمية الإخوانية، بأن الأطماع فى سوريا والعراق تجلت بمواقف عدة، منها محاولة إحداث تغيير ديموجرافى فى الشمال السورى، من خلال إعطاء الجنسية وفرض تغيير الأسماء كما ينص القانون التركى، مقابل ميزات معينة.
ولفت الباحث زيفا الأنظار إلى أن الأطماع التركية، تجلت من خلال احتلال أكثر من ثلاثة آلاف كم مربع، وتهجير السكان وإحلال جماعات مسلحة، بما فيها (الإيجور) الصينيون وغيرهم وتوطينهم مع أسرهم فى الأراضى والمناطق التى تحتلها فى الشمال السوري.
وكشف زيفا عن أن تركيا أقامت المؤسسات من مدارس ومستشفيات وهاتف وبريد ومصارف، تتعامل بالدولار والليرة التركية كعملة رسمية، برغم إبقاء التعامل بالليرة السورية من قبل المواطنين السوريين فى المناطق الخارجة عن السيطرة التركية، كريف حلب ومنبج وبعض المدن المجاورة والقريبة من ميليشيات درع الفرات الموالية لتركيا.
ويضيف زيفا: من هنا يمكن القول إن المطامع التركية، خصوصا بدعمها لجميع الجماعات المسلحة بما فيها النصرة، يدل على محاولة إسقاط الدولة السورية، وضم أراض بحجة دعم الشعب السورى ومحاربة من تصفهم بالإرهابيين (الكرد) وترحيلهم من أراضيهم، وإنشاء ما سمى المجلس الوطنى المعارض وميليشيات الجيش الحر، ودعم كل عمل عدائى ضد الدولة الشرعية السورية.
ويقول زيفا، إن أردوغان لن يحقق أهدافه فى سوريا، لأن الظروف الدولية لا تساعده، خصوصا بعد الخلافات (التكتيكية) مع أمريكا، وعلاقات الضرورة مع روسيا وإيران وتراجع ا(الإخوانية) فى المنطقة.
وأن النجاحات الميدانية والجيوستراتيجية لحلفاء دمشق، والارتباك الأمريكى،كلها عوامل لن تساعد حكومة أردوغان التى استخدمت الدين كوسيلة للوصول للأهداف، أمراً مستبعداً فى التحقق على أرض الواقع.
واختتم زيفا قائلا: وفى الخلاصة فإن الموقف الوطنى السورى، يؤكد أن الدولة السورية تعمل جاهدة على استعادة كل الأراضى المحتلة، وأنها تتحضر للمراحل المقبلة لتحرير كل شبر من الأراضى السورية، وأن الشعب السورى لا يزال يتمسك بهذه الأرض ولن يتخلى عن شبر واحد من أراضيه.
شهادة من لواء الإسكندرون
الناشط سومر سلطان (من لواء الإسكندرون)، وفى حديث خاص لـ «الأهرام العربى»، قال: إن التتريك بشكله المنهجى المعروف اليوم، بدأ للمفارقة مع الحكم الجمهوري، الذى نطلق عليه تجاوزاً اسم “السلطة العلمانية”. لقد أسس الجمهوريون الأوائل مؤسسة التاريخ التركى ومؤسسة اللغة التركية. وبدأوا من خلالهما ابتداع نظريات غير صحيحة علمياً، وفرضها بقوة الأمر الواقع على الشعوب المحلية. فمثلاً أصبح الكرد “أتراك الجبل” بالنسبة لإحدى هذه النظريات التى تعتبر أن تسمية الكرد أتت من “صوت الدوس على الثلج”.
وتابع الناشط سومر، أنه وبالتوازى مع هذا، هناك حملة جدية لطمس الآثار السورية، وعلى سبيل المثال هناك مدينة تاريخية سورية اسمها آلالاخ، تقع قرب بلدة قرقخان فى لواء إسكندرون اليوم، ولا تقل أهمية عن مدن إيبلا وأوجاريت وأفاميا، غير أن الحكومة التركية حولت الموقع الأثرى إلى أرض عمرانية لطمسه، كما أن الأكاديميين بدورهم يخضعون للضغوط، فيعلنون أن الآثار السورية المكتشفة إنما هى حثية، فى محاولة لمحو أى وجود أو معلم سورى أو عربي. وللإمعان فى محاربة اللغة العربية، تمتنع الحكومة التركية عن السماح بمعادلة شهادة الطلبة اللوائيين الذين يدرسون فى سوريا، وذلك لإجبارهم على الدراسة فى مكان آخر لا يكون المنهج فيه عربياً.
وأكد الناشط سومر، أن الناشطين اللوائيين يواجهون اليوم معركة الصمود أمام التتريك بالدرجة الأولى، والعمل على إعادة الاعتبار للغة العربية، لغة أجدادنا لكنها معركة ليست سهلة، فهناك حملات اعتقال دورية وطرد من الوظائف الحكومية وغير ذلك من الوسائل.
سياسة التتريك وجماعة الإخوان الإرهابية
بينما محمد فرج أطميزه، الكاتب والمحلل الإستراتيجى الأردنى قال: تتناول الأوساط السياسية مسألة التدخل التركى فى عفرين، كمسألة سياسية مستقلة عن السياق التاريخى الطويل لأطماع الأتراك فى المنطقة، والذى تكرس فى المنطقة منذ حقبة الدولة العثمانية.
حيث ينظر الكثير من العرب إلى تركيا وكأنها ممثلة السنة فى المنطقة، لكن المزيد من التمعن فى التاريخ يثبت عكس ذلك تماماً، فالأتراك الذين انتصروا فى معركة مرج دابق، كانوا قد هزموا التمثيل السنى الحقيقى للعرب، وهو المماليك، ولم يتورعوا عن تجريف تراثهم. لذلك تنطوى فكرة النظرة إلى تركيا كممثل المكون السني، وحامى الإسلام على درجة عالية من الغبن، والاستغفال التاريخيين.
ويرى أطميزه أن استخدام الشعار الإسلامى السياسى فى تركيا، له معان سياسية أعمق، تتطابق مع شعار “الرابطة الإسلامية”، الذى تبناه السلطان عبد الحميد الثاني، للحفاظ على عرش الدولة العثمانية، والاستمرار فى إهانة العرب تحت نفس الشعار، كان هذا الشعار لازماً فى مرحلة تفكك الدولة العثمانية، وانكفائها على طائفة معينة، فى ظل عجزها عن بناء مشروع دولة يحتضن الجميع، فقررت فى تلك اللحظة الاستغناء عن كل المكونات، و”إرضاء” مكون واحد فى سبيل الحفاظ على السلطة، وفى سياق ذلك ارتكبت مجازرها فى حق الأرمن والسريان واليونانيين.
واعتبر محمد فرج أطميزه، أن ذلك لا يختلف عما جرى بعد انكماش المشروع إلى “تركيا الحديثة”، فالدولة الناشئة لم تنجح فى مشروع أتاتورك، واللحاق بالغرب، وصرف الأنظار عن الشرق، وعندما وصل العثمانيون الجدد إلى السلطة، أحيوا النظرية القديمة بشكل جديد؛ لسنا بحاجة إلى اللحاق بالغرب، بل نحن بحاجة إلى الهيمنة على الشرق، والسبيل هو استرجاع شعار “الرابطة الإسلامية من جديد”، الذى يهيئ – حسب اعتقادهم – للدولة التركية القدرة على الاستيلاء على المزيد من الجغرافيا فى المنطقة، وتحويل الدول العربية المحيطة إلى أسواق يتم فيها تصريف البضائع التركية، لتعود بذلك بالمنفعة على الاقتصاد التركى، والضرر على الاقتصاد العربي.
وأوضح أن سياسة التتريك الجديدة تلعب على شعار “الرابطة الإسلامية” الجديد، وعبره تحاول التغلغل فى النسيج الاجتماعى العربى وتفكيكه، وفرض الهيمنة على الأسواق العربية، لقد اتبعت الدولة العثمانية المذهب الحنفى لهدف واحد، أنه يهيئ لها فقهياً أن يكون خليفة المسلمين غير عربي، وهم يريدون الآن أن يكون الخليفة الاقتصادى والاجتماعى فى المنطقة هو الدولة التركية الحديثة، وهنا من المهم الإشارة إلى أن الدولة التركية الحديثة لا تعبث بالتفرقة الإثنية والعرقية فى الداخل، ولكنها تفعل ذلك فى جغرافيا المنطقة العربية، لأن ذلك يمثل السبيل الوحيد لكسب التأييد عند الطائفة التى تمثل الأغلبية العربية.
وأضاف المحلل الإستراتيجى محمد فرج أطميزه: كما أن الدولة العثمانية عملت سابقا على تأليب الأكراد على الأرمن، ولم يستجب الأكراد سنوات طويلة لذلك، ورفضوا قتل إخوانهم الأرمن، الذين سكنوا معهم مناطق مشتركة لسنوات طويلة. للأسف، عام 1894م اتبعت الدولة العثمانية خطة ممنهجة، وتمكنت فى نهاية المطاف من تشكيل الأفواج الحميدية، المكونة من الأكراد، الذين استجابوا وقتها لدعاية الباب العالى فى وجوب قتل الأرمن، باعتبارهم خونة وكفارا، على الرغم من مساهماتهم الاستثنائية فى بناء الدولة.
وأكد أطميزه أن ما تحاول تركيا الحديثة فعله لا يختلف كثيرا، ففى علاقتها مع الإخوان المسلمين، تعتبر أن أية تيارات سياسية أخرى هى خيارات خارج الملة السياسية.
الدور التركي عبر التاريخ في التطهير العرقي
من جانبه قال محمد فرج محمد فرج أمين عام التثقيف وإعداد القادة بحزب التجمع المصرى وعضو الأمانة العامة، إن تصاعد الصراع التركي عبر التاريخ ظهر مع العديد من القوميات التي تواجدت في إطار الإمبراطورية العثمانية، والتي تواجدت فروعها في إطار الدولة التركية أو على حدودها، ووصل حد الصراع الاستئصالي والتطهير العرقي مع بعض القوميات كالأرمن، ومحاولات الاستئصال بالقمع والحصار مع الكرد الأتراك والكرد السوريين، ووصل حد ضم الأراضي السورية إلى الخرائط التركية مثلما حدث مع لواء الاسكندرونة، وهو دور جوهره فرض هيمنة القومية التركية على غيرها من القوميات المتواجدة في إطار الدولة التركية أو المتواجدة في الإقليم، وكانت أدواته في الصراع، خاصة مع تدهور وتراجع أوضاع الإمبراطورية العثمانية، وفي فترة الحرب العالمية الأولى، وصل حد الاستئصال والتطهير العرقي وضم الأراضي والتغيير الديموجرافي والعمل على سيادة القومية التركية في منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف فرج: أن تركيا أردوغان بتواجدها في الأراضي السورية العربية، والتي تحولت بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي، تعمل على استعادة دورها الإمبراطوري العثمانلي، واستعادة هيمنتها القومية على غيرها من القوميات الأساسية أو الفرعية، خاصة في ظل ضعف المشروع القومي العربي، وفي ظل سيادة مشروع تفكيك المنطقة وتفتيت مجتمعاتها وهدم دولها الوطنية، في مخطط إعادة رسم خريطة البلاد العربية ومخطط الشرق الأوسط الكبير، مؤكدا أن تركيا هنا دخلت بقواتها العسكرية وسيطرت على العديد من المناطق في شمال سوريا، وقامت بالتعاون مع العديد من الجماعات والفرق بعمليات قتل على الهوية، ضد السوريين العرب، والسوريين من الكرد، وقامت وتقوم بتغيير أسماء البلدان والمناطق، وتسعى لتنفيذ خطتها في إيجاد منطقة عازلة في شمال سوريا، مشيرا إلى أن الدور التركي العثماني القديم يعود في إقليم عفرين السوري، فهل يكرر التاريخ نفسه؟ هذا هو السؤال الذي سيجيب عليه الشعب السوري وجيشه الوطني.
وتابع فرج: أظن أن مواجهة هذه السياسات يحتاج لتضافر جهود عديدة، المجهود الأول والأساسي فيها هو ما يقوم به الشعب السوري والجيش الوطني السوري، الصمود والمقاومة في المعركة الوطنية الدائرة على الساحة السورية، لكن المجهود الأساسي الثاني لمواجهة العدوان التركي على شمال سوريا فهو يخص الشعب السوري بمكوناته المختلفة في شمال سوريا، وأقصد الحفاظ على وحدة السوريين في الشمال في أطار التنوع العرقي والديني والقومي، على قاعدة رفض الغزو والعدوان والإرهاب بالحفاظ على وحدة وسلامة الدولة الوطنية السورية، ولكن هذين المجهودين الأساسيين يحتاجان لمجهود سياسي مصري وعربي.
وأكد فرج أن خطورة الدور التركي لا تقف عند حدود الغزو والعدوان والتطهير العرقي والتتريك، بل تتعدى كل هذه المخاطر عبر التعاون مع جماعات وميليشيات العنف والتطرف والإرهاب المتأسلم، بإشعال حرائق العنف القومي والطائفي والمذهبي في سوريا وفي المنطقة العربية كلها، وهي ليست مجرد حرائق عنف وتطرف، بل المادة الخام لدفع مخطط تمزيق وتفتيت سوريا وبلاد المنطقة العربية، وتحويلها إلى دويلات وكنتونات طائفية وعرقية ومذهبية، وهو المخطط الأصلي لأصحاب نظرية صراع الحضارات والفوضى الخلاقة، وهو مخطط استعماري للهيمنة على المنطقة وثرواتها بالتعاون مع جماعات وتيارات وميليشيات التأسلم السياسي المدعومة من التنظيم الدولي للإخوان وأطراف إقليمية على رأسها تركيا.
وأضاف: لا يمكن تفادي الآثار المدمرة لهذا المخطط إلا عبر مشروع سياسي جديد، جوهره مقاومة مخططات العنف والتطرف والإرهاب بالحفاظ على وحدة وسلامة الدولة الوطنية في كل قطر عربي، ورفض التدخلات الإقليمية والدولية لتغيير الأنظمة السياسية، ورفض الانجرار نحو بناء أحلاف عربية او إقليمية أو دولية لتأجيج الصراعات العرقية او المذهبية، والجدية في بناء مشروع عربي جديد، يقوم على قواعد راسخة من بناء القوة العربية، وإحياء مشاريع الدفاع العربي المشترك، والسوق العربية المشتركة، والتنمية والتكامل العربي.
تكريس التتريك وأبعاد غير عسكرية
الكاتب والإعلامى الفلسطينى مروان الخطيب، أوضح أن الهيمنة التركية تمضى بوتيرة عالية على مناطق ما تسمى “درع الفرات”، والمناطق الممتدة على طول الحدود السورية – التركية، وهى مناطق عملت السلطات التركية قبل نحو عامين إلى اعتبارها أراضى تقع تحت سلطتها، ولا تقتصر الهيمنة التركية فى المناطق السورية على الوجود العسكرى والأمنى التركى، بل تتجاوز ذلك إلى ما هو أخطر وأبعد، أى عملية “تكريس التتريك”، ومحاولة جعله أمرا واقعا فى تلك المناطق، والتى تناهز مساحتها نحو ثلاثة آلاف كيلو متر مربع فى ريف حلب الشمالي،وكشف الخطيب عن أن سياسة التتريك هى المحور الأساسى الذى تعمل عليه أنقرة، فى محاولة لاستعادة نفوذها التاريخى، الذى كان حاضرا إبان الحكم العثماني.
هذه المعطيات تعيد إلى الأذهان الدور التركى أو العثمانى. فى حقبة مضت ارتكبت فيها العديد من الجرائم بحق شعوب المنطقة، خصوصا الأرمن الذين هاجروا إلى سوريا، مرورا بالدور التركى الذى استهدف سوريا، وعلى وجه الخصوص مدينة حلب وريفها ،وحتى مناطق واسعة من إدلب عبر أدواتها المسماة بالجيش الحر، أو غير ذلك من المجموعات المسلحة المدعومة تركيا، والتى حاولت إحداث تغير داخلى فى هوية المواطنين السوريين فى مناطق ريف حلب، وهو الأمر الذى يحمل مخاطر جمة، تنذر بخطورة كبيرة لجهة تشويه الهوية الوطنية السورية لأبناء هذه المناطق باستخدام القوة.
الفن يكشف محاولات التتريك
أثناء متابعة المسلسل السورى “إخوة التراب”، الذى يعرض فى إطار درامى ملحمى، قصة الثورة العربية فى سوريا، التى اندلعت ضد الاتحاديين الذين سيطروا على الحكم داخل الدولة العثمانية وعزلهم للسلطان، وبعد أن اضطهدوا العرب وتعصبهم للقومية التركية، ودخول الدولة العثمانية الحرب ضد بريطانيا وفرنسا وروسيا إلى جانب ألمانيا، وفرض التجنيد الإجبارى على العرب، والمسلسل تم إنتاجه عام 1996، وعرض فى عدة محطات خليجية، إلا أن عرضه توقف نتيجة الضغط التركى على تلك المحطات، ولقد توقفت أمام المشهد المؤلم الذى يصور إعدام شاب سورى بالخازوق، والذى أدى إلى احتجاج تركيا رسميا، واعتباره يحرض على كراهية الأتراك.
مؤلف المسلسل الكاتب السورى المعروف حسن يوسف، أرجع المعترضين على مشاهد العنف التركى فى المسلسل، إلى مذكرات الملك عبد الله ملك الأردن الأسبق، حيث قال فى الصفحة 69 ” وكانت الفظاعة من الجند التركى، بإحراق القرى وتقتيل الأبرياء السبب الأول فى الثورة الأخيرة، حيث قال الأمير (ليس من هؤلاء خير للعرب)، ولقد عٌرضَت عليه أربع جثث شويت على النار شَيّا،
إن أول إرهاصات القومية العربية كانت فى بلاد الشام، جاءت فى أحد أسبابها كرد فعل على الغطرسة والتتريك التى تنتهجها القوات التركية الاستعمارية ضد شعوب المنطقة من عرب وكرد وغيرهما من المكونات العرقية والمذهبية، والتى أدت إلى غرق المنطقة فى بحر الجهل والفقر، بينما تستولى القوات التركية على ثروات المنطقة وتستنزف طاقات أبنائها لخدمة مصالح تركيا الاستعمارية،
فى البداية كانت مطالب القوميين العرب محدودة بالإصلاح داخل الدولة العثمانية، واستخدام أوسع للغة العربية فى التعليم والإدارات المحلية، وإبقاء المجندين العرب فى وقت السلم فى خدمات محلية. طرأ تشدد على المطالب إثر ثورة عام 1908 فى الآستانة وبرنامج التتريك الذى فرضته حكومة لجنة الوحدة والترقى (والمعروفة بتركيا الشابة)، إلا أنه حتى ذلك الوقت كان القوميون العرب لم يمثلوا تيارا شعبيا يعتد به حتى فى سوريا معقلها الأقوى آنذاك.
لقد أسهم القمع العنيف للجمعيات السرية فى دمشق وبيروت، من قبل جمال باشا وإعدامه الكثير من الوطنيين، فى تقوية المشاعر المناهضة للأتراك، فضلا عن مشاركة عدد من كبار المفكرين والمثقفين العرب فى إذكاء روح الحماسة للانفصال عن الدولة العثمانية، مثل الأديب عبد الرحمن الكواكبى ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا ومحمود شكرى الآلوسى وقاسم أمين، الذى نادى بتحرير وتعليم المرأة.