أنقرة (زمان التركية) – يلعب الإعلام دوراً هاماً داخل كل مجتمع، من حيث تثقيف الناس بالأخبار والمعلومات والأفكار التي تؤثر على عملية اتّخاذ القرار والتنفيذ، إذ تعد وسائل الإعلام مصدراً مهمّاً من مصادر التوعية وبناء الفكر المجتمعي بالسلب أو بالإيجاب .
نشر موقع “أحوال تركية” مقالا للكاتب الصحفي المعروف “أرغون باباهان” عن الإعلام التركي تحت عنوان “وسائل إعلام المركز في تركيا خانت مهنتها ووطنها.”
بدأ باباهان مقاله بالإشارة إلى إشادة “قدري غورسل” في برنامج تلفزيوني في قناة “تي آر تي”، بوسائل الإعلام الرئيسية، وقوله إن المركز (العاصمة) خرَّجَ صحافيين شرفاء.
ويشبه باباهان هذا الحديث باشتياق المسلمين -الذين لا يتذكرون الصراعات الدامية بين الخلفاء وعائلاتهم إلى العصر الذهبي للإسلام؛ وحديث العلمانيين -الذين لا يتذكرون محاكم الاستقلال “البعيدة عن القانون والعدل”، عن عصر مصطفى كمال أتاتورك وشوقهم هم إلى تلك الأيام.
وأضاف بأن وسائل الإعلام الرسمية في العاصمة عجزت عن إخراج الصحافيين الشرفاء أصحاب الضمير؛ ولا سيما اعتبارًا من النصف الثاني من عام 1980، إذ غضت الطرف عن الواقع الكردي وواقع المسلمين وواقع العلويين وحقيقة الإبادة الجماعية للأرمن، وتجاهلت كل هذا لسنوات طويلة. ولم يقتصر الأمر على إحصاء تلك الوقائع، وإنما تعداه إلى استهداف من يذكرون تلك القضايا ويناقشونها، وغالبًا ما كان ذلك عبر نشر أخبار كاذبة وزائفة بشأنهم.
يضع باباهان صحيفة “حريت” التي اصطفت مؤخرًا في طابور وسائل الإعلام الخاضعة للسلطة بعد شرائها من قبل رجل أعمال قريب لأردوغان، على رأس قائمة وسائل الإعلام المخزية والمضللة التي تعاونت مع البؤر العميقة للدولة. وكان كل من يقوم بمضايقة محافل الشر والظلام في أنقرة يأخذ نصيبه من أخبار وأعمدة هذه الصحيفة.
ويستدل بذلك على الأخبار والتعليقات التي نشرتها صحيفة حريت بشأن من كانوا يزعجون العسكر بدءًا من أرَن كسكين إلى الروائي الشهير أورهان باموك، ومن المطرب اليساري المعروف أحمد كايا إلى الصحفي أرمني الأصل هرانت دينك الذي اغتيل بنيران مجهولة.
وفي سياق متصل يقول باباهان إن وسائل الإعلام الرئيسية في الدولة التركية تتبنى فهمًا إعلاميًا يعتمد على مبدأ “السكوت والإسكات”؛ السكوت عن القضايا التي تقلق الدولة، وإسكات مَن يثيرون هذه القضايا ويتناولونها، مما أدى إلى ترسيخ سياسة حكم الرجل الواحد.
يصف باباهان وسائل الإعلام التركية بالحراسة الراتبة للنظام، وذلك بتسخير كل أداتها لتلميع صورة النظام ودفع الشبهات عنه، وكانت تأخذ مقابل هذا العمل بسخاء من الدولة. والدليل على ذلك شراء مجموعة دوغان بنك “ديش بنك” وشركة “بترول إوفيسي” من خلال مصادر “إيش بنك”؛ وشراء مجموعة صباح بمواردها غير الكافية بنك “أيتي بنك” المفلس كانت نتيجة لهذا التعاون.
ومع تبني الوصاية العسكرية النظام الوحدوي أو المركزي كانت تصمت على النهب الاقتصادي، بل وتدعمه.
ومن ناحية أخرى يرى باباهان أن هناك تطابقا في طريقة تعامل وسائل الإعلام الرسمية في الماضي مع “الحركة الكمالية” ومع المحافظين المسيطرين على الوضع الحالي في تركيا، فمن كانوا يعملون بالأمس في خدمة نظام الوصاية العسكرية وينشرون عناوين رئيسية ضد أردوغان مثل “يستحيل أن يكون مختارًا”، أصبحوا اليوم يخدمونه ونظامه بشكل ناضج في صحفه هو أيضًا.
ويقول باباهان: “إن القطاع المسمى بوسائل إعلام المركز في تركيا خان مهنته ووطنه. لقد ظل صامتًا على كل أنواع انتهاكات حقوق الإنسان والفساد الدائرة في البلاد من خلال عملية ثراء وقحة وثقافة الاستهلاك. لقد أصبح شريكًا مباشرًا في هذا الفساد”.
ويستخلص باباهان أن الحل يتمثل في التخلص من نظام وسائل إعلام المركز المتهاوي؛ لأنه لا توجد ديمقراطية ولا مراعاة لحقوق الإنسان ولا استقلال تحريري. وإنما صفقات، ومتابعة للعمل، وأخبار كاذبة وتبلد في الشعور بالواقع، واستبدالها بكوادر صحفية منظمة، حصلت على الاستقلال التحريري من مالكيها، وتحترم المبادئ العالمية للمهنة.