برلين (زمان التركية) ـــ أبرز الشخصيات في التاريخ التركي الحديث مصطفى كمال أتاتورك ورجب طيب أردوغان، شخصيتان متناقضتان في كل شيء، دخلا تاريخ تركيا الحديث من أوسع أبوابه، ويمارسان تأثيرهما بقوة في الحياة السياسية، الأول من قبره الذي دفن فيه منذ ما يقرب من قرن من الزمان، والثاني من القصر الرئاسي.
نشر موقع “أحوال تركية” مقالا للكاتب المعروف “ياووز بيدر” تحت عنوان “أتاتورك مقابل أردوغان.. معركة الأساطير”، يشير فيه إلى الانقسام الحقيقي في المجتمع التركي بين كلتا الشخصيتين .
القسم الأول يمثله الذين يحترمون ويوقرون مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، أما القسم الثاني فهوالذي يحترم أردوغان، وبالنسبة لهم، فإنه معصوم من الأخطاء، ويؤيد هذا سيطرته الكاملة تقريبًا على وسائل الإعلام التركية.
ويري “بيدر” أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يكنّ بداخله الحقد على شخص أتاتورك بسبب الشعبية التي تمتع بها لعقود من الزمان بعد وفاته. ويتجلى هذا في مداومة أردوغان في خطاباته بإلقاء اللوم علي أتاتورك في “قمع السنة المتدينين”.
وذكر الكاتب يوما يعد شاهدًا على هذا الانقسام وهو يوم العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام الذي يعتبر أحد الطقوس المهمة بالنسبة لتركيا، حيث تُسمع فيه النواقيس وهي تدق في تمام الساعة التاسعة وخمس دقائق صباحًا وهو التوقيت الذي مات فيه أتاتورك “أبو الأتراك” في عام 1938. ويتوقف الأشخاص في مساراتهم في الأماكن العامة ويقدم القادة التعازي إلى الأمة. وتمتلئ الصفحات الأولى من الصحف وشاشات التلفزيون بصورة أتاتورك.
وبالنسبة للنصف الآخر من الأتراك – وهم غالبية الموالين لأردوغان – فإن ذكرى وفاة أتاتورك تمثل بالنسبة لهم مسألة لا مبالاة بشكل عام، باستثناء الذكرى السبعين لوفاته والتي شابها بعض الحوادث.
وتطرق الكاتب إلى حدث مثير للجدل وهو قيام علي أرباش، رئيس هيئة الشؤون الدينية التركية، بزيارة شخصية رمزية مثيرة للجدل اشتهرت بما يعتبره العلمانيون لغة تشهيرية ضد ذكرى أتاتورك، الأمر الذي يعد جريمة طبقًا للقانون التركي.
بالإضافة إلى أحداث أخرى في أنحاء البلاد، ففي أحد الأقاليم الحدودية مع سوريا، هاجم أحد اللاجئين تمثالًا لأتاتورك، كما هاجمت امرأة في الأناضول الغربية تمثالًا لأتاتورك أيضًا.
ويضيف بيدر: “ربما يريد أتباع المذهب السني المتشدد وأبرزهم أردوغان، والذي تضرب جذوره في المجتمع التركي، نزع صفة الأسطورة عن الأب المؤسس للجمهورية التركية أتاتورك ومن ثم إلحاقها لشخص أردوغان بدلا عنه”.
وتابع بيدر: “في هذا السياق علينا أن لا نغفل أبرز ما قامت به الحكومة التركية، وعلى رأسها أردوغان، للقضاء على دولة أتاتورك، وذلك من خلال تهميش للجيش التركي المعروف بجذوره العلمانية والسيطرة عليه مع باقي مؤسسات الدولة”.
يشبه بيدر ما يحدث بالمعركة الطويلة والتي تسير ببطء لأن أتاتورك قد بنى دولةً ومجتمعًا من أنقاض إمبراطورية كان عمرها 600 عام. وبإصرار وعزيمة تصل إلى حد العناد، قام بالبناء على أرضية متصدعة، وكان هذا عبارة عن مجتمع يتكون من جماعات متلاصقة ببعضها البعض بطريقة صناعية بعض الشيء فيما يتعلق بالانتماء التركي. وقد كان مجتمعًا لا يوجد به مكان للأقلية. وكان العمود الفقري للجمهورية التركية نموذجًا قاسيًا من العقيدة العلمانية التي تسببت في مشاكل طويلة المدى.
وقال إن تركيا الجديدة التي يسعى أردوغان لتأسيسها لن تختلف كثيرًا في سماتها الرئيسية عما أسسه أتاتورك، فهو يريدها أن تكون انعكاسية ومنقسمة بشدة، ومعارضة لأتاتورك، وأن تكون هويتها سنية واضحة بصورة تمامًا، بمعنى أن النظام القديم سيستمر بصبغة جديدة وحاكم جديد.
ويؤكد بيدر أن أردوغان على دراية تامة بأنه يمكنه تحقيق هدفه المتمثل في التحول إلى الزعيم الأبدي لتركيا مثل أتاتورك من خلال مساعدة وتأييد الحشود من القوميين اليمينيين المتطرفين، بالاضافة إلى الإسلامويين والمحافظين، لذا يسعى إلى دمج أيديولوجيتين معًا ألا وهما القومية التركية والإسلامية التركية ويلعب على هذا الوتر.