برلين (زمان التركية)ــ رصد تقرير منشور في صحيفة (الأهرام العربي) تحول مدينة إدلب آخر معاقل المعارضة والواقعى شمال سوريا، إلى مأوى للمقاتلين الأجانب الذين ترفض بلادهم عودتهم إليها، فيما يمهد “اتفاق سوتشي” بين تركيا وروسيا بحسب معدة التقرير “ميرفت فهد” إلى عودة المعتدلين من هؤلاء المقاتلين إلى موطنهم الأصلي، بعد إقناع سلطات بلادهم.
ويقول التقرير: منذ عام 2014، تسلل حوالي 40 ألف إرهابي أجنبي، من أكثر من 120 دولة إلي العراق وسوريا. حوالي 20 إلي 30 % منهم عادوا إلي ديارهم.
حالياً ترفض 86 دولة ينحدر منها ما صار يعرف بـ”شعوب تنظيم داعش” عودة أبنائها الذين قاتلوا في بؤر التوتر كـ سوريا والعراق وليبيا، واعتقلت الدول الأساسية المصدرة لمقاتلي التنظيم مئات العائدين، فيما يخضع آلاف آخرون إلى مراقبة شديدة، لكن الخوف الأكبر يظل من الأطفال الذين تتلمذوا لدى جيش “أشبال الخلافة” وغسلت عقولهم، وتربوا على تكفير كل مجتمع ليس مجتمع الخلافة.
في إدلب، شمال غرب سوريا، لا يوجد إحصاء دقيق لعدد هؤلاء المقاتلين. لكن يقدر وجود أكثر من 80 ألف إرهابى، وهو رقم ليس بالقليل. وبعكس الشائع، بأن التركستان (الإيجور الصينيون) هم أكبر كتل، حيث تنحدر غالبية المقاتلين الأجانب من الجمهوريات الروسية من شيشان وطاجيك وأوزبك. ويشكلون قرابة ثلث المقاتلين الأجانب. لكن ذلك الانطباع تشكل بسبب هجرة “الإيجور” منذ البداية كـ عوائل كاملة، وتمركزهم في مناطق محددة، شكلت حالة مجتمعية واضحة منغلقة على نفسها وتحديداً في قرى جسر الشغور بريف إدلب الغربى.
اتفاق سوتشي
لذلك تم التوصل إلي اتفاق بين كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان أطلق عليه “اتفاق سوتشى”، وهو يشمل تعهد تركيا بإلحاق المعتدلين من التنظيمات المتطرفة في إدلب بالمجموعات المعتدلة، كما يتيح الفرصة لمن يريد إلقاء السلاح من المسلحين السوريين القيام بذلك دون تدخل دمشق في تسويتهم”،بالإضافة إلى أنه يتيح الفرصة أيضاً للمقاتلين الأجانب للعودة إلى أوطانهم بموافقة سلطات بلادهم.
كما اتفق كل من الرئيس الروسي ونظيره التركي، على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب شمال غرب سوريا، بعمق 15 -20كم
الاتحاد الأوروبي
في ضوء التحديات التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي أمام عودة المقاتلين الأجانب إلى أوروبا، اعتمد الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة لتشديد الرقابة على حدوده، من أجل رصد ومتابعة على نحو أفضل لأولئك الذين سافروا للقتال في مناطق الحرب مثل سوريا أو العراق. وتلزم القواعد الجديدة دول الاتحاد الأوروبي بفحص البيانات الجمركية والجنائية، وتأشيرة أي شخص يغادر أو يصل إلى دول الاتحاد الأوروبى.
وتعتمد أغلب الدول الأوروبية على فئتين من السياسات في التعامل مع تدفق المقاتلين على ساحة القتال في سوريا والعراق:
أولا: يتمثل في ردع المتطوعين من الذهاب لسوريا والعراق من خلال العواقب القانونية المتمثلة في مصادرة جوازات السفر، وإلغاء الجنسية، والمحاكمة.
ثانيا: التركيز على مساعدة العائدين من سوريا والعراق على الاندماج في مجتمعهم، وتأهيلهم فكريا، ونزع التوجهات الراديكالية من معتقداتهم.
وعادة ما تجمع أغلب الدول الأوروبية بين كلتا السياستين في مكافحة تدفق المتطوعين على سوريا والعراق، حيث تجمع السلطات البريطانية – على سبيل المثال – بين حذف وتقييد الدخول للمواقع والصفحات المخصصة لتجنيد المتطوعين على شبكة الإنترنت، كما تقوم وزارة الخارجية البريطانية، بإلغاء وثائق السفر لمن يثبت التحاقهم بالتنظيمات الجهادية في سوريا.
وفي سياق مواجهة عودة المقاتلين الأجانب، أطلقت فرنسا برنامجا لمكافحة التطرف 2013 يتضمن إستراتيجية لمنع القاصرين من مغادرة فرنسا من دون موافقة أولياء أمورهم، وتشديد الرقابة على المواقع التي تجند المتطوعين للقتال في سوريا، وإطلاق حملات توعية لتشجيع الآباء والأمهات على الإبلاغ عن أي تحول في سلوكيات ومعتقدات أبنائهم.
كما حظرت ألمانيا ثلاث منظمات سلفية نتيجة تورطها في تأسيس شبكات تجنيد للمتطوعين للقتال في سوريا، بالإضافة إلى تأسيس مراكز لتقديم المشورة للأسر حول بوادر التطرف لدى أبنائها، أما هولندا فقد أصدرت قانونا يجرم التوجه للقتال في سوريا، وبموجبه منعت عددا من المقاتلين من العودة إلى هولندا، وأسست وحدة أمنية لتعقب العائدين ومحاكمتهم.
أنماط المقاتلين
ويمكن تصنيف أربعة أنماط للعائدين من سوريا:
أولا: نمط عدم التكرار مرة أخرى. وهؤلاء يكون لديهم الحماسة الشديدة للانخراط في القتال، ولكنهم يكتشفون بعد ذلك مدى بشاعة القتال ويقررون عدم المشاركة مرة أخرى، وهذا النمط لا يمثل خطورة.
ثانيا: نمط لا يقتصر فقط على الانزواء والندم ، ولكنه يحاول منع ذويه من الذهاب وخوض التجربة نفسها.
ثالثا: نمط السياح المجاهدين. وهؤلاء يحملون في البداية أفكارا مثالية عن القتال ثم يصطدمون بالأمر الواقع ، ولكنهم يحاولون خداع الآخرين بنشر أفكار عن عظمة الجهاد عند عودتهم إلى ديارهم، وهذا النمط يشكل خطورة على الدول الأوروبية.
رابعا: نمط الجهاد العابر للقارات. وهؤلاء لديهم التزام أيديولوجي للعنف باسم الإسلام في الداخل والخارج. وهؤلاء لا يعودون إلى ديارهم إلا بعد تنفيذ عدة هجمات في الخارج. ويعتبر النمط الأشد خطورة و الأكثر انتشارا.
سياسة مشتركة
يري جيل كيرشوف – منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب – أنه بينما من المحتمل قد ينفذ قلة منهم هجوماً إرهابيا، إلا أن الكثيرين قد يكونون مخذولين ويعانون من الاضطراب ما بعد الصدمة. ولربما قد يحتاج بعضهم ببساطة إلى إعادة الاندماج في المجتمع، لكن بشكل عام، يجب معالجة عنصرين رئيسيين عند بلورة أي حل للمشكلة وهما: لم الشمل بين العائدين المعزولين وعائلاتهم وأصدقائهم ومجتمعهم، وإبطال الأفكار العقائدية المتطرفة التي غرست في عقولهم. فضلاً عن ذلك، تحتاج أوروبا إلى وضع سياسة مشتركة بشأن العائدين، فالسياسات الحالية تتفاوت ما بين سياسة دانماركية تركز على إعادة الاندماج، وسياسة بريطانية تركز على منع عودة المقاتلين.
وفي الوقت نفسه، يري خبراء آخرون أن الاهتمام يجب أن ينصب ليس فقط علي المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ولكن من معهم من أفراد أسرتهم.
ويوضح ناثان سايز ـ سفير ومنسق لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية ـ أن من أهم التحديات التي تفرضها عودة هؤلاء المقاتلين من معهم من أفراد أسرهم. فهي ليست جماعة ذات وحدة متراصة وتناغم كلي، ولكن بعضا منها قد يكون تورط في أعمال إرهابية في مناطق الصراع، ويمثل تهديدا للمجتمع. وفي هذه الحالة، يجب اتخاذ رد الفعل المناسب متمثلا في تنفيذ القانون، وقد يكون البعض الآخر منهم ضحايا داعش، ومع ذلك، خصوصا الأطفال الصغار الذين شاهدوا العنف في صمت، قد يتعلمون مبادئ وحشية داعش أو يصبحون متحجرين العواطف أمامها.
ولمواجهة هذه الديناميكية المركبة، تقود كل من الولايات المتحدة وهولندا تحت رعاية المنتدي العالمي لمكافحة الإرهاب، مبادرة كشف تحدي عودة أسر المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وهذه المبادرة ـ مدتها عام واحد ـ ستعمل علي استمالة الحكومات الوطنية والمحلية والمنظمات الدولية وجمعيات المساعدة الطبية والنفسية، ومنظمات تدعيم الأسرة لتطوير مجموعة من الممارسات الجيدة غير الملزمة المعترف بها دوليا للتعامل مع النساء والأطفال الذين يعودون إلي الوطن من منطقة الصراع.
ومن الجدير بالذكر أن المنتدي العالمي لمكافحة الإرهاب هو منتدي عالمي يتكون من 29 دولة والاتحاد الأوروبي. مهمته تخفيض تعرض الناس للإرهاب بمنع ومقاومة ومحاكمة الأعمال الإرهابية، والحد من التحريض والتجنيد للإرهاب، ويضم المنتدي نخبة من الخبراء والممارسين من مختلف أنحاء العالم للاستفادة من الخبرة المشتركة، وتطوير الأدوات والإستراتيجيات لمكافحة تهديد الإرهاب المتزايد، ويرأس المنتدي كل من المغرب وهولندا.