بقلم مايسترو
بتاريخ 19 ديسمبر 2016 تم اغتيال “أندريه كارلوف” السفير الروسي في أنقرة رميا بالرصاص على يد ضابط يعمل حارساً شخصياً يدعى مولود ألطنطاش، وذلك أثناء زيارة السفير لمعرض للصور، وتم تصفية منفذ الهجوم على يد الأمن التركي في حينه، وما لبث أن قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد الحادث وقبل التحقيقات باتهام السيد غولن بالوقوف وراء اغتيال السفير الروسي..! وباسترجاع الظروف التي أحاطت بواقعة قتل السفير فقد أفاد حضور الواقعة والتسجيلات أيضاً، أن القاتل أثناء الهجوم المسلح صاح صارخا “الله أكبر” وقال بعد إطلاق النار “نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا”، وقال أيضاً “كل من له يد في هذا الظلم سيدفع الحساب”. والتحليل المنطقي لهذه الكلمات إنما يفيد تطرف القاتل الديني؛ فهو صاحب فكر وعقيدة داعشية.. لا علاقة لها بالنهج السلمي الذي تلتزمه جماعة الخدمة وقائدها فتح الله غولن.
هذا ونقلت وسائل إعلام تركية عن المحققين في اغتيال السفير الروسي أن قاتله اطلع في الإنترنت قبل ارتكاب الجريمة على معلومات ليست حول السفير الروسي فحسب، بل والسفير الأمريكي جون باس كذلك، ورجح المحققون أن القاتل كان يستعد لتنفيذ عملية اعتداء على السفير الأمريكي، كما بحث أيضاً عن معلومات حول أنشطة مركز الثقافة الروسي والأمريكي في أنقرة..
مولود ميرت ألطنطاش قاتل السفير الروسي
ومع هذا أصدرت السلطات التركية مؤخراً مذكرات اعتقال بحق الداعية التركي فتح الله غولن وسبعة من أعضاء التنظيم؛ وهناك سبعة متهمين آخرين قيد الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيقات في جريمة اغتيال السفير الروسي. ولعله من المرجح أن تكون هذه التحقيقات مسيسة، لمطالبة تركيا واشنطن بتسليم غولن للمحاكمة بناء على الاتهامات المشار إليها، فهي جريمة ربما تتشابك فيها المصالح التركية الأمريكية.. ولكن هل ستلتزم موسكو الصمت إزاء توجيه الاتهامات لغير الجناة الحقيقيين ــ من هم وراء الإرهابي القاتل، الذي لقي حتفه على مسرح الجريمة ــ وذلك إن صحت فرضية تسييس التحقيقات؟؟؟ الحقيقة أنه يصعب تصور هذه الفرضية على ضوء سياسة بوتين الذي لا يتاجر بالدم الروسي.. وللإنصاف أيضاً فإنه يصعب أن يفعلها ترامب إذا كان الاستهداف للسفير الأمريكي؛ لذا فستتحرى موسكو عن شركاء القاتل؛ إن وجدوا.. .
وإنه لمن المؤكد اتضاح الرؤية بدرجة أكبر أثناء المحاكمة، وقد يٌقدم محامي ورثة السفير الروسي “المدعون بالحق المدني” لهيئة المحكمة ما لديهم من معلومات في هذا الشأن.. وهنا على المحكمة أن تثبت ما يقدم لها في هذا الشأن، هذا وإن كان للمحكمة صلاحية طرح ما يُقدم من أدلة جانباً.. إلا أننا نتوقع أنه سيؤثر هذا الطرح ـــ خاصة إذا كانت المعلومات ذات قيمة ثبوتية ـــ على مسار القضية ومدى مصداقية ونزاهة القضاء التركي…
هذا وفي سياق استكشاف الشركاء المحتملين للقاتل، فقد صرح “فرانتز كلينتزفيج”، نائب رئيس اللجنة الأمنية والدفاع الروسي، احتمال تورط حلف شمال الأطلسي “الناتو” في عملية اغتيال السفير الروسي، وأضاف أيضاً احتمالية وقوف تنظيم داعش، أو القوات الكردية التي تريد الإساءة للرئيس أردوغان خلف العملية.. ولم يستبعد كلينتزفيج فرضية تورط حركة غولن في الأمر من منطلق علاقاتها الوثيقة بالمخابرات الأمريكية.. كما أضاف نائب رئيس اللجنة الأمنية والدفاع الروسي إيران لقائمة الاحتمالات، فالاغتيال تم في لحظة محاولات تركيا إيجاد أرضية تفاهم بين روسيا والمعارضة السورية المسلحة في حلب؛ مما أثارت غضب إيران وميليشياتها في سوريا، وهو ما نبهت إليه “ماريا زاخروفا” المتحدثة باسم الخارجية الروسية، حيث صرحت بأن السفير “أندريه كارلوف” كان الاسم الوسيط في التواصل مع المعارضة السورية، وأنه كان يسعى دائما إلى خلق سبل للحوار معهم، فإذا لم يثبت التحقيق بأن الاغتيال عمل فردي خالص، فسيتحمل غالباً أحد الكيانات المشار إليها المسؤولية.. وستتحمل تركيا في ظل اتهام أجهزة التحقيقات أيضاً المسئولية حال ثبوت تسييسها للتحقيقات.