برلين (زمان التركية) – تواصل الحكومة التركية حملاتها المتتابعة لإسكات الأصوات المعارضة، وذلك من خلال عمليات الاعتقال والاحتجاز والفصل لكل من يعارضها من قريب أو من بعيد، حيث اكتظت السجون بفئات وأعمار وأجناس أيضا مختلفة، والتهم جاهزة وهي “الانتماء لجماعة إرهابية”، الأمر الذي جعل الدستور والقوانين حبرا على ورق.
لم تهدأ في تركيا عمليات الاعتقال والفصل الجماعية منذ بدء تحقيقات الفساد والرشوة في عام 2013 وما سمي الانقلاب الفاشل في عام 2016، حيث عمد الرئيس رجب طيب أردوغان إلى معاقبة كل الضباط وأعضاء الهيئة القضائية التي أشرفت على تحقيقات الفساد التي طالت حكومته وأفرادًا من عائلته بجرائم لم ينص عليها الدستور والقانون التركي، لأن القوانين لم تكن تسعفه في القضاء على معارضيه، فاحتاج إلى سنّ قوانين جديدة غير واضحة المعالم يستطيع من خلالها اعتقال كل معارض، كما تمكنه من السيطرة التامة على كافة أجهزة الدولة، فسنَّ عبر نوابه في البرلمان تهمة “الانتماء إلى الكيان الموازي” أو “منظمة فتح الله كولن…”، بدلاً من الجرائم المعرَّفة في الدستور والقانون كـ”سوء استخدام السلطات” و”تجاوز المهام القانونية” و”ارتكاب الجريمة الفلانية”.
وهذه التهمة ليس لها تعريف محدد دستوريًّا وقانونًّيا، ولكن أردوغان من خلالها استطاع أن يزجّ بعدد كبير من معارضيه في السجون والمعتقلات ويعزل عشرات الآلاف من وظائفهم ليحل محلهم موالون له ولحلفائه من الدولة العميقة جماعة أرجنكون الأوراسية والإسلامويين الموالين لإيران.
كما سن قانونًا آخر باسم “قانون الاشتباه المعقول” وضع بموجبه كل من يشتبه صلتهم بمنظمة إرهابية في المعتقلات حتى تتوفر أدلة إدانته، في مخالفة لمبادئ الدستور والقانون التركيين ومعايير القانون الدولي ومحكمة حقوق الإنسان الأوروبية.
أجرى كذلك تغييرات جذرية في الهيئة القضائية ونجح في هيكلة مجلس القضاء الأعلى من خلال عدة تغييرات على نظامها، وعين فيها موالين له، وألغى المحاكم العاملة في البلاد منذ عقود وأسس بدلاً منها محاكم جديدة أطلق عليها محاكم الصلح الجزائية استخدمها أداة لقمع معارضيه.
تلك الإجراءات التعسفية التي اتتبعها حكومة العدالة والتنمية والتي طالت مئات الآلاف من المواطنين، بينهم نساء حوامل وشيوخ ركع وأطفال رضع، لم تقتصر على الأتراك فقط، بل طالت الأجانب المقيمين في تركيا أيضًا، الأمر الذي زاد من الفجوة والخلاف مع جاراتها في أوروبا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص، وظهر ذلك التوتر في خطابات وتصريحات كلا الطرفين.
وأشهر من أخذ نصيبه من هذه الإجراءات هو القس الأمريكي “أندرو برونسون” الذي قبع في السجون التركية قرابة عامين، بسبب تهمة التعاون مع “الكيان الموازي” أو “منظمة فتح الله كولن…”، والاشتراك في الانقلاب الفاشل في 15 يوليو /تموز 2016، إلا أنه تم الإفراج عنه في شهر أكتوبر الماضي بسبب العقوبات التي فرضتها أمريكا علي تركيا، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في تركيا.
حاول أصحاب الجنسيات الأخرى القابعون في السجون التركية اللجوء إلى القضاء التركي لنيل حريتهم ولكن دون جدوى. ومن بين هؤلاء الصحفية والمترجمة الألمانية التركية “ميسال تولو” التي تم احتجازها في تركيا على مدار شهور والتي نصحت المواطنين الألمان الآخرين المحتجزين لأسباب سياسية لدى أنقرة بالتوجه إلى الرأي العام.
وقالت تولو في تصريح لصحيفة “فيلت أم زونتاج” الألمانية الأسبوعية في عددها الصادر اليوم الأحد، بحسب وكالة الأنباء الألمانية (dpa): “في الواقع، تلقيت نصيحة من مسؤولين ألمان بإعطاء فرصة للدبلوماسية الهادئة دائما”، ولكنها أشارت إلى أن ذلك يعد طريقا خاطئا وفقا لتجربتها.
وأضافت: “إذا صبر المرء داخل زنزانته وصمت، لن يحدث شيء.. تركيا ليست دولة دستورية.. الانتظار يعني وضع المصير في أيدي آخرين.. وكل يوم هناك هو يوم بلا فائدة”.
الجدير بالذكر أنه قد تم إيقاف “تولو” واعتقالها لمدة سبعة أشهر بتهمة الانتماء لجماعة إرهابية، وفي أغسطس الماضي أخلي سبيلها وتم السماح لها بمغادرة تركيا.
ولا يزال هناك حاليا خمسة ألمان، على الأقل، محتجزين في تركيا لأسباب سياسية.
وكانت سلسة من الاعتقالات لمواطنين ألمان في تركيا تسببت في أزمة كبيرة بين برلين وأنقرة العام الماضي.
ومن أبرز الحالات الأخرى إضافة إلى تولو، حالة دينيز يوجيل، مراسل صحيفة “فيلت” الألمانية، والناشط الحقوقي بيتر شتويتنر اللذين تم السماح لهما بمغادرة تركيا أيضًا بعد فترة اعتقال مديدة.