القاهرة (زمان التركية) – الوجود المصري التركي في شرق المتوسط والعوامل الجغرافية التي تجمع بين الطرفين والموارد والثروات الموجودة على امتداد البلدين متداخلة مع جارتهما اليونان وقبرص وتفرض عليهما الاحتكاك في عدة قضايا، أبرزها ظهور كنز من الغاز الطبيعي يشمل الحدود المائية لتلك الجارات الأربعة.
لقد تناول هذه المسأله الكاتب الصحفي أحمد عليم في مقال تحت عنوان “هل تهدد تركيا مصر في شرق المتوسط”، المنشور في موقع “مونيتور”، والذي تناول المناخ السائد الذي يحمل الكثير من التوترات من قبل تركيا تجاه مصر من ناحية وقبرص من ناحية أخري، والذي بدأ بالتهديد عندما أعلنت تركيا في 30 أوكتوبر /تشرين الأول عن بدء العملية الأولى للتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط.
جاء تصريح وزير الطاقة والموارد الطبيعيّة التركيّ “فاتح دونماز”، في خطاب شديد اللهجة خلال مراسم إطلاق سفينة التنقيب، حيث أكد أنّ القوّات البحريّة التركيّة ستقوم بما يلزم، في حال تعرّض تلك السفينة إلى أيّ مضايقات.
وذكر الكاتب عليم أن الدول الثلاث (مصر واليونان وقبرص) اتفقت في 10 اكتوبر /تشرين الأول على إنشاء منتدى غاز شرق المتوسّط، يكون مقرّه القاهرة، بهدف تنسيق السياسات الخاصّة باستغلال الغاز الطبيعيّ، بما يحقّق المصالح المشتركة لدول المنطقة من الاحتياطات الحاليّة والمستقبليّة من الغاز.
نجاح مصري وإخفاق تركي
أشار عليم في مقاله إلى نجاح مصر في توقيع اتّفاق مع قبرص في 19 أيلول/سبتمبر الماضي بشأن إقامة خطّ أنابيب بحريّ مباشر ينقل الغاز الطبيعيّ من حقل “أفروديت” القبرصيّ إلى مصانع الإسالة في مصر وإعادة تصديره، على أن يبدأ ضخّ الغاز القبرصي إلى مصر بحلول عام 2022 بطاقة استيعابية تبلغ 700 مليون قدم مكعب سنوياً، وذلك في إطار سعي مصر إلى التحوّل إلى مركز إقليميّ لتجارة الغاز والبترول وتداولهما.
أمّا تركيا فقد فشلت في التفاهم مع جاراتها متحججة بعدم قانونية الاتفاقية المبرمة بين مصر وقبرص والخاصّة باستغلال المصادر الطبيعيّة للبلدين في المنطقة الاقتصاديّة الخالصة لهما في شرق المتوسّط.
وتبع ذلك قيام تركيا في 11 شباط/فبراير الماضي بعرقلة سفينة تنقيب تعاقدت عليها قبرص مع شركة “إيني” الإيطاليّة للتنقيب عن الغاز الطبيعيّ في منطقتها الاقتصاديّة الخالصة، حيث زعمت تركيا أنّ السفينة تتّجه إلى التنقيب ضمن المنطقة السياديّة لها أو للقبارصة الأتراك.
الالتزام المصري باتفاقيات ترسيم الحدود والقوانين الدولية
وفي حديث خاصّ لعليم مع المتحدث الرسميّ باسم وزارة البترول المصرية الأستاذ “حمدي عبد العزيز” الذي صرح بأن “مصر لا تعنيها التحرّكات التركيّة في منطقة شرق المتوسّط؛ لأنّها تعمل ضمن اتّفاقيّات ترسيم الحدود مع قبرص واليونان، ووفق قواعد القانون الدوليّ المعترف بها، مضيفا أن مصر تسعى إلى أن تصبح مصدراً إقليميّاً للطاقة من خلال نقل الغاز القبرصي الموجود في شرق المتوسّط لتسييله وتصديره إلى الخارج، وبالتالي فهي قد حقّقت تقدّماً كبيراً من الصعب أن يؤثّر عليه أيّ طرف، ومصر قادرة على حماية مكتسباتها في شرق المتوسّط”.
أما في حديثه مع “إبراهيم الغيطاني” الباحث المتخصّص في دراسات الطاقة الذي يري أن “هناك نزاعاً بين قبرص وتركيا حول بعض المناطق التي تتبع إلى المنطقة الاقتصاديّة القبرصيّة في البحر المتوسّط، وبالفعل قامت تركيا خلال الفترة الماضية بتعطيل التنقيب عن النفط والغاز في بعض المناطق التابعة إلى قبرص”.
ويضيف الغيطاني أنّه “في ظلّ إمكان تأثّر قبرص بالتحرّكات التركيّة وسعيها إلى التنقيب في شرق المتوسّط، فإنّ ذلك ينعكس على مصر من خلال التأثير سلباً على خطّة مدّ خطّ أنابيب لنقل الغاز بين مصر وقبرص، ولكن من المستبعد أن تؤثّر تركيا على تنقيب مصر في منطقتها الاقتصاديّة الخاصّة في شكل مباشر”.
أما بالنسبة لمسألة المنافسة بين تركيا ومصر في إنتاج الغاز فتجد “الغيطاني” يستبعد تلك المنافسة في ظلّ اكتشاف مصر احتياطات كبيرة من الغاز في عام 2015 وتحقيقها الاكتفاء الذاتيّ منها، في حين أنّ تركيا ما زالت في حاجة إلى زيادة الإنتاج من الغاز لتوجيهه إلى السوق المحلّيّ ذات الاحتياجات الكبيرة، وبالتالي من الصعب أن تنافس تركيا مصر كمركز للطاقة في شرق المتوسّط، خصوصاً أنّ موقف مصر أقوى، بعد تعاونها البارز مع قبرص واليونان وحتّى إسرائيل.
مناورة تركية بعدم الاعتراف بالاتّفاقيّة بين مصر وقبرص (2013)
تناول أحمد عليم أيضًا الموقف التركي القانوني، واصفا اياه بالضعيف، مستندا إلى قول أستاذ القانون الدوليّ العامّ ورئيس جامعة “بني سويف” السابق الدكتور “أحمد رفعت”، موضحا أن تركيا إذا قامت بالتنقيب في المنطقة القبرصيّة الخاصّة أو تعطيل أعمال التنقيب فيها، يكون ذلك مخالفا للقانون الدوليّ واتّفاقيّة الأمم المتّحدة لقانون البحار.
وعلى الجانب الآخر تناول “رفعت” قانونية الخطوات المصرية في شرق المتوسط، حيث إن مصر لم تكن لتحقّق أيّ نجاحات في ملفّ الطاقة في شرق المتوسّط لولا اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص واليونان، مضيفا أن أي تعطيل تركيّ لعمليّات التنقيب لأيّ دولة منهم في شرق المتوسّط هو عمل عدوانيّ في الأساس، ويمكن أن تتّجه الدول المتنازعة إلى محكمة العدل الدوليّة من أجل الاحتكام إليها، ولو وصل الأمر إلى ذلك، فإنّ تركيا سوف تخسر القضيّة”.