بقلم: فوزي سليم، رئيس تحرير موقع زمان التركية
بروكسل (زمان التركية) – من الصعوبة بمكان إشعال شمعة بدلاً من اللعنة على الظلام، خاصة عندما يقبل من كانوا في موقع المسؤولية العليا على ممارسة تعتيم وتضليل ممنهج للحقائق عبر آلية الإعلام العملاقة التي يسيطرون عليها.
ذلك هو ما يقوم به موقع “زمان التركية” الناطق بالعربية تمامًا منذ بدايات عام 2016 من مقره في عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي بروكسل، مع فريق عمل متواضع مكون من مجموعة صحفيين أنقذوا أنفسهم من مقصلة نظام أردوغان بشكل أو بآخر. فهو يحاول مواصلة العمل الصحفي بإمكانات محدودة لكن في إطار مبادئ وأخلاقيات الصحافة المهنية الدولية من أجل تسليط الأضواء على حقيقة الأوضاع والأحداث في تركيا التي يعمل النظام فيها على تغييبها عن الرأي العام المحلي والدولي.
قد يتعذر، بل يستحيل أحياناً، الوصولُ إلى الحقيقة، في خضمّ حرب المعلومات الهائلة التي يقودها أردوغان ضد كل خصومه سواء كانوا سياسيين أو مدنيين؛ إذ يمارس إعلامه تنويمًا مغناطيسيًّا على جماهير عريضة ويقوم بتشويه الحقائق وقلبها، ليس عن طريق كتمانها وإخفائها عن الناس، بل عبر عرضها أمام أعينهم عرضاً مباشراً، لكن مع تغليفها بكمية كبيرة من المعلومات الصحيحة، وتوزيعِ المعلومات المضللة النوعية المراد إيصالها فيها بمهارة فذّة. قد تكبر الأكاذيب والخزعبلات بعد اختلاقها مع مرور الأيام والشهور والسنوات، مثل كرة الثلج التي تنحدر من أعلى الجبل صغيرةً ثم تكبر شيئاً فشيئاً، فتبدو وكأنها لن ينالها الفناء والزوال أبداً، لكنها إذا ما تعرّضت لأشعة شمس الحقيقة فإنها ستتحطّم وتتلاشى بلا شكّ. ذلك أن طبيعة الحقيقة تأبى إلا الظهور بجلاء ولو كره الكارهون!
لقد تحول موقع زمان التركية خلال مدة قصيرة كثلاثة أعوام إلى مصدر رئيسي للإعلام العربي، بفضل أخباره ومقالاته التي تكشف الغطاء عما يحدث في تركيا، مع الحرص على التمييز بين السلطة الحاكمة بقيادة أردوغان وتركيا دولة وشعبًا. فمهما حاول نظام أردوغان التغطية على فشله في السياسة الداخلية والخارجية وتناقضاته الفجة في خطابه وخطواته ومواقفه، وكذلك على ممارساته القمعية التي بدأت بحجة مكافحة سفسطة “الكيان الموازي” في عام 2013، ثم وصلت إلى أوجها بحجة التصدي لما وصفه بـ”منظمة فتح الله كولن…” الوهمية التي اتهمها بتدبير الانقلاب الفاشل في 2016، إلا أنه فشل في تحقيق أغراضه بفضل وسائل الإعلام الحرة القليلة من حيث العدة والعدد التي قامت بتعريته للجميع بكل شفافية سواء في داخل تركيا أو خارجها.
ولا شكّ في أن زمان التركية يأتي في مقدمة وسائل الإعلام التي نقلت أوضاع تركيا وأحداثها على صورتها الحقيقية للإعلام وبالتالي للقارئ العربي، بحيث اتخذته الصحف الناطقة بالعربية التي تصدر في الوطن العربي كله، ودول أخرى من العالم، مصدرًا أساسيًّا لها في الشؤون الخاصة بتركيا. فبفضل أخبار “زمان” تعرف العالم العربي على ثنائيات أو تناقضات نظام أردوغان في: خطاباته الإسلاموية للحصول على دعم الجمهور التركي المحافظ مع تحالفه مع الدولة العميقة التركية الطورانية العلمانية الصارمة المعادية للإسلام وتواطئه معها في تدبير انقلاب صوري للتخلص من الدستور والقوانين في سبيل إعادة تصميم السياسة والمجتمع والجيش؛ وعلاقاته وأسرته مع إسرائيل مع تبني خطاب يعاديها في الظاهر لكسب تأييد الفلسطينيين والشعوب العربية الأخرى؛ وعلاقاته “المحرمة” مع تنظيمات ومجموعات مقاتلة في سوريا، وعلى رأسها داعش وجبهة النصرة، لإسقاط النظام السوري؛ وسياساته المتذبذبة بين المحورين الأمريكي والروسي، وعلاقاته العلنية والسرية مع إيران “القومية” ودورانه في فلكها مع التظاهر وكأنه يقف إلى جانب الدول الإسلامية والعربية.. وقضايا أخرى لو أردنا ذكرها لن يسعها حجم هذا المقال.
أريد أن أضرب مثالاً على مدى انتشار أخبار زمان التركية في الصحافة العربية بخبر نشرناه مؤخرًا تحت عنوان: “زعيم المعارضة التركية: أردوغان شريك في قتل خاشقجي” يكشف علم مخابرات أردوغان منذ البداية بكل الخطوات والإجراءات التي أدت إلى مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول. فمع أننا لم نقم بإحصاء شامل، إلا أن المواقع التي أخذت الخبر من “زمان” ونقلته إلى متابعيها زادت على 100 موقع من روسيا وبريطانيا ومصر والسعودية والأردن وفلسطين والعراق ولبنان وسوريا وتونس وغيرها.
كما نشرنا مؤخرًا ثلاثة مقاطع فيديو تكشف أن نظام أردوغان وظف قناصًا من أجل الإيقاع بين العسكريين والمدنيين وإشعال فتيل أحداث الشغب والفوضى في البلاد قبيل بدء أحداث الانقلاب الفاشل، ويعترف أحد المواطنين الموالين للنظام بأن مدنيين استخدموا السلاح، بل أن مسلحًا مدنيًّا يعترف بأنهم قتلوا أربعة من الطلبة العسكريين الذين كانوا عزلاً، ثم توجهوا لقتل العسكري الخامس المصاب المنطبح على الأرض لـ”إثلاج صدورهم”، على حد تعبير القتلة. لقد لقيت هذه المقاطع إقبالا ملحوظًا عليها أيضًا، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار أنها تكشف الأطراف الحقيقية التي تقف وراء هذا الانقلاب اللعين الذي ألصق بحركة الخدمة ظلمًا وجورًا.
وبهذه المناسبة أتقدم بالشكر الجزيل، بوصفي رئيس تحرير “زمان التركية”، إلى كل الزملاء الذين يبذلون كل ما في وسعهم لنقل المشهد التركي للعالم العربي بشكل صحيح، وأرجو منهم أن يَعُوا مدى أهمية الدور الإعلامي الذي يضطلعون به في ظل التشويه والتضليل والتوجيه الممنهج الذي يقوم به إعلام أردوغان، ويدركوا جيدًا أن صفحات التاريخ ستفرد لهم ولصحيفتهم الإلكترونية مكانة خاصة.