القاهرة (زمان التركية)ــ سلط الكاتب المصري أيمن سمير في مقال بصحيفة (الأهرام العربي) الضوء على ثمار حزمة العقوبات الأمريكية الجديدة المنتظر إطلاقها ضد إيران الشهر المقبل، طارحًا عدة تساؤلات هامة، كان أبرزها “هل سيتوقف برنامج إيران الصاروخى نتيجة تطبيق هذه العقوبات؟”.
وجاء في نص المقال: يبدأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يوم 4 نوفمبر المقبل تطبيق أكبر حزمة من العقوبات الأمريكية على إيران، فى محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية لإخراج إيران من سوق النفط العالمية، فهل تساعد هذه الحزمة الجديدة من العقوبات على جلوس إيران على مائدة التفاوض من جديد لإبرام اتفاق بديل عن اتفاق 5+1، الذى انسحب منه الرئيس ترامب فى مايو الماضي؟ وهل سيتوقف برنامج إيران الصاروخى نتيجة تطبيق هذه العقوبات؟ وإلى أى مدى ستنعكس هذه العقوبات سلباً أو إيجاباً على الوضع الداخلى الإيراني، وتحريك الشارع الإيرانى ضد الحكومة الإيرانية؟ وما الثمار التى يمكن أن تحصل عليها دول الجوار من تراجع النشاط الإيرانى ووقف “السلوك المزعزع للاستقرار” فى المنطقة العربية؟ وما الخيارات المتاحة لإيران حال تطبيق هذه العقوبات بصرامة؟
هدف الرئيس دونالد ترامب من هذه العقوبات هو إجبار إيران على العودة مرة أخرى لطاولة المفاوضات، لإبرام اتفاق جديد بديل عن الاتفاق الذى وقعه سلفه باراك أوباما فى يوليو 2015، بحيث يعالج نقاط القصور فى الاتفاق الأول وهى:
أولا: لم يتناول اتفاق 5+1 برنامج إيران الصاروخى، حيث تمتلك إيران منظومات متنوعة من الصواريخ (قصير ـ متوسطة ـ طويلة) المدى، فالمعروف أن إيران لديها صواريخ سجيل، وخليج فارس، وشهاب 4، وشهاب 5، وقدر، وقيام، وعاشوراء، وخرمشهر، وتزعم إيران بأن صاروخ شهاب 4 طويل المدى، الذى يصل مداه إلى 3000 كيلو متر، يهدد دولا فى آسيا وشرق أوروبا وليس الشرق الأوسط فقط.
ثانيا: لم يتحدث اتفاق يوليو 2015 عن التدخلات الإيرانية المزعزعة للاستقرار فى الشرق الأوسط، والمقصود بها دعم إيران لجماعات وميليشيات تدين بالولاء لطهرن مثل حزب الله فى لبنان، والميليشيات الشيعية فى العراق، والحوثيين فى اليمن، وما يسمى بقوات “الباسيج” فى شرق الجزيرة العربية، وترى إدارة ترامب وتحديداً وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون، أن الأموال التى يخصصها الحرس الثورى الإيرانى لفيلق القدس الذى يقوده قاسم سليمانى تأتى من عائدات النفط والغاز، وأن إخراج إيران من سوق النفط و”تصفير” الصادرات الإيرانية هو السبيل الوحيدة لمنع إيران من تمويل ميليشياتها فى الخارج خصوصا فى المنطقة العربية.
ثالثا: نص اتفاق 2015 على أن فترة العمل بهذا الاتفاق 10 سنوات، بمعنى أن العمل بما سمى “خطة العمل المشتركة” سينتهى عام 2025 ، ويتساءل ترامب، ماذا بعد هذا التاريخ؟ هل يمكن لإيران أن تمتلك أسلحة نووية بعد هذا التاريخ؟ وهو ما يسعى إليه ترامب بالتوصل لاتفاق مفتوح الزمن، بحيث لا يمكن لإيران أن تحصل على أى أسلحة نووية فى أى وقت.
رابعا: تعتقد إدارة ترامب أن “نظام التفتيش”، الذى تطبقه الوكالة الدولية للطاقة النووية على إيران “غير صارم”، ويرى جون بولتون أن السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 5% يمكن أن يتطور فى السر إلى نسبة 20% وهى النسبة التى وصلت إليها إيران قبل إبرام اتفاق عام 2015، ولذلك تريد واشنطن فى أى اتفاق جديد ألا تحصل إيران على هذا الحق، ويستند بولتون فى هذا التوجس إلى تصريحات إيرانية، قالت إنها ستعود إلى مستوى 95 ألف جهاز طرد مركزى الذى يخصب اليورانيوم فى خلال أيام قليلة حال انسحاب ترامب من الاتفاق.
عقبات أمام ترامب
لكن هل تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية تطبيق هذه العقوبات بداية من 4 نوفمبر بشكل صارم؟
المؤكد أن هناك عقبات كثيرة أمام التطبيق الكامل لهذه العقوبات لكن أبرزها:
1- أن حلفاء الولايات المتحدة ليسوا على قلب رجل واحد فى تطبيق هذه العقوبات، فالاتفاق وقعته الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا مع إيران، ولم تخرج منه إلا الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تزال باقى الأطراف متمسكة بالاتفاق، وتراه أفضل وسيلة لمنع حصول إيران على الأسلحة النووية، بل سعت الدول الأوروبية الثلاث مع روسيا والصين للالتفاف على العقوبات الأمريكية، ومحاولة حماية شركاتها التى تعمل فى إيران، لكن الشركات الغربية فى النهاية انسحبت من السوق الإيرانية خوفاً من العقوبات الأمريكية.
2- إن اتفاق 5+1 ليس اتفاقا ثنائيا بين إيران والولايات المتحدة ، لكنه وثيقة دولية، حيث ذهبت إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما إلى مجلس الأمن الذى وافق عليه بالإجماع ، بما يجعله وثيقة دولية من وثائق الأمم المتحدة.
3- هناك دولتان من الدول التى وقعت الاتفاق مع إيران وهما روسيا والصين تخضعان “لعقوبات” وحروب تجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والصين تشترى 33% من النفط الإيرانى، وتستطيع أن تشترى الحصة البترولية الإيرانية بالكامل والبالغة 2 مليون برميل يوميا، كما أن الدول الأخرى التى تشترى النفط الإيرانى غالبيتها فى آسيا، وهذه الدول غير مقتنعة بالعقوبات الأمريكية، وفى مقدمة هذه الدول الهند التى تشترى ما يقرب من 15% من النفط الإيرانى، وطالبت الولايات المتحدة الأمريكية باستثنائها من العقوبات على إيران.
4- أيضاً هناك مخاوف من أن الدول ذات الإنتاج العالى من النفط لا تستطيع تعويض “الحصة الإيرانية”، وتحديداً منظمة أوبك التى يريد الكونجرس فرض عقوبات عليها بموجب “قانون منع الاحتكار” الذى ظلت أوبك بعيدة عنه بموجب اتفاق تحفظ فيه أسعار النفط، ويخشى ترامب أن أى خلل فى هذا التوازن بين احتياجات السوق، وضخ النفط قد يؤدى لارتفاع سعر برميل النفط إلى 500 دولار، وهو ما يقوض كل المكاسب التى حققها خلال العامين اللذين قضاهما فى البيت الأبيض.
5- براعة إيران فى الالتفاف على العقوبات، وهى الخبرة التى اكتسبتها طهران خلال سنوات طويلة من العقوبات الدولية قبل 2015، ونجحت إيران فى نظام “المقايضة بالذهب” على مدار سنوات، وهو النظام الذى يقوم على بيع النفط الإيرانى بأسعار أقل من السعر العالمى لتجار فى أفغانستان وربما العراق، مقابل الحصول على الذهب، وهذا النظام يسمح للتجار ببيع هذا النفط فى الأسواق العالمية دون المرور على نظام swift الأمريكي، وهو ما يجعل العقوبات الأمريكية ليست ذات فاعلية.
6- دائماً ما استفادت الحكومات الإيرانية المتعاقبة من العقوبات من خلال “التعبئة الداخلية”، وأنها مستهدفة من “الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا حدث هذا سيكون عكس الهدف الأمريكى المعلن وهو تأليب الرأى العام الإيرانى ضد حكومة بلاده.
هل يمكن أن تندلع حرب إيرانية أمريكية فى المنطقة؟
1- المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تستثمر فى الأزمات، وكثيراً من استفادت من السلوك الإيرانى المزعزع للاستقرار فى المنطقة ، لذلك حافظت الولايات المتحدة وإيران على علاقاتهما دون الدخول فى حرب مباشرة برغم العمل دائما بنظرية “حافة الهاوية” من خلال التصعيد الإعلامى والسياسى بينهما دون اندلاع حرب مباشرة ، لكن المرجح استمرار “الحرب بالوكالة” بينهما فى المنطقة من خلال وكلاء إيران فى المنطقة، والخلافات الشديدة بين إيران من ناحية والدول العربية والخليجية من ناحية أخرى.
2- إذا فكرت إيران إغلاق مضيق هرمز فإنها هى الخاسر الأكبر بامتياز، لأن المملكة العربية السعودية لديها خط أنابيب لنقل النفط من المنطقة الشرقية إلى ميناء تبوك على ساحل البحر الأحمر، وإغلاق مضيق هرمز من شأنه أن يعطى الشرعية الدولية لأى عمل عسكرى على إيران، وهو ما لا يمكن أن تقدم عليه حكومة حسن روحانى فى الوقت الحالي.
3- الرهان على تأليب الرأى العام الإيرانى الداخلى ظل طموح الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، كما هى الحال بالنسبة للرئيس دونالد ترامب، لكن أوباما كان يراهن على زيادة “مساحة المعتدلين” فى المشهد الإيرانى من خلال تشجيع الإيرانيين على الانفتاح، لكن الرئيس ترامب يراهن على رفض الشعب الإيرانى للحكومة الحالية نتيجة المزيد من فرض العقوبات.
4- ستواصل أمريكا الضغط على إيران فى “الجبهات الأربع” التى تنشط فيها إيران، وهى العراق من خلال العمل على تقليص النفوذ الإيرانى هناك عبر دعم التيارات العروبية من الشيعة، وعدم تشكيل حكومة عراقية موالية بالكامل لطهران، وظهر ذلك فى الفوز الذى حققه مقتدى الصدر فى الانتخابات العراقية، وتتكفل إسرائيل بالجبهتين السورية ـ اللبنانية من خلال حرمان طهران من تعميق وجودها فى سوريا، ومنع السلاح من الوصول إلى حزب الله فى لبنان، أما الساحة الرابعة وهى جبهة الحوثيين فى اليمن من خلال الدعم الغربى لعمليات التحالف العربى لاستعادة الشرعية فى اليمن.
لكل هذه الأسباب ستكون الحزمة الجديدة من العقوبات الأمريكية بعد 4 نوفمبر محل اختبار لصرامة الولايات المتحدة الأمريكية ونفوذها فى العالم، كما ستكون نفس الفترة ساحة لاختبار المناورات الإيرانية فى الإفلات من العقوبات، وهو الأمر الذى برعت فيه قبل يوليو 2015.