أثينا (زمان التركية) – نشرت “المجلة الدبلوماسية” الشهيرة الصادرة في كندا مقالًا عن الأحداث الدرامية التي يعايشها المواطنون الأتراك اللاجئون إلى اليونان هربًا من ظلم وبطش نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
أعد المقال الكاتب الكندي جينيفر كامب بيل، تحت عنوان “Fleeing Oppression in Turkey” (الفرار من القمع في تركيا). وبدأ سرد الدراما المأساوية للاجئين الأتراك بقصة لاجئ تركي تعرف عليه في أحد المتنزهات العامة في العاصمة اليونانية أثينا.
ويقول كامب في مقاله: “إنه أب، يصطحب طفلته البالغة من العمر 7 سنوات، ويحمل على ظهره كل متاعه في الحياة الدنيا في حقيبتين للظهر”.
ولفت انتباهي أن هذا الشخص عالم مشهور ومعروف في الأوساط المرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية. وأوضح أنه كان يريد الذهاب إلى ألمانيا ولكن نقص الأموال لديه أجبره على حجز تذكرة إلى مدينة ميلان الإيطالية. فقد حاول قبل ذلك أربع مرات أن يغادر اليونان، ولكنه أخفق في كل مرة. وخلال عودة الكاتب من أثينا إلى العاصمة الكندية وصل اللاجئ إلى ميونيخ الألمانية، وهناك التقى بابنته الثانية البالغة من العمر 14 عامًا وزوجته. وهذا الرجل، ما هو إلا نموذج واحد من مئات النماذج التي راحت ضحية بطش نظام أردوغان واضطرت للجوء إلى اليونان.
ويضيف في مقاله:
“بعد الهرب من بلادهم خوفًا من الظلم، والسجن التعسفي، والتعذيب النفسي تارة والجسدي أيضًا في كثير من الأحيان، لم يجدوا أمامهم خيارا سوى الهروب بقارب مطاطي قابل للنفخ. كل منهم على ظهر هذا القارب الصغير لديه حكاية مختلفة عن الآخر. ولكن هناك شيء واحد مهم مشترك بينهم جميعًا: إنهم أعضاء “حركة الخدمة” الإسلامية الاجتماعية التي تستلهم فكرها من إرشادات دينية وأفكار نيرة للداعية المسلم السني فتح الله كولن، الأفكار التي تدافع عن التعليم والمجتمع المدني والسلام العالمي. يعيش كولن في ولاية بنسيلفانيا الأمريكية منذ عام 1999. وشكَّل حركة إسلامية اجتماعية تحمل اسم “حزمت”، أي “الخدمة”. ويقول أنصاره إنهم يعجبون بهذه الكلمة.
أما رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان فيعتبر هذه الحركة جماعة إرهابية. وبحلول يوليو/ تموز 2018، وصل عدد المفصولين تعسفيًا من العمل داخل تركيا إلى 170.372 شخصًا. كما تم القبض على 142.876 آخرين، واعتقال 81.417 شخصًا بزعم انتمائهم إلى الخدمة. كذلك تم غلق 189 مؤسسة إعلامية، واعتقل 319 صحفيا. ووصل عدد الأكاديميين المفصولين من وظائفهم 6021 أكاديميا. كما تم طرد 4463 قاضيا ومدعيا عاما. يبادر المدعون العامون إلى إلصاق تهم الإرهاب بهم، بينما تقوم قوات الأمن باصطيادهم من منازلهم.
هجرة جماعية من تركيا
ويضيف: إن السلطات التركية تقوم بمصادرة جوازات السفر وبطاقات الهوية وأي إثبات هوية أخرى خاص بالأشخاص الذين يثبت انتمائهم لحركة الخدمة. وفي كثير من الأحيان يقومون بإلغائها؛ حتى لا يتمكنوا من الذهاب بشكل قانوني إلى الدول الأخرى. أغلب المفصولين من وظائفهم يتم حبسهم. ومنهم من يحاول الهروب من المسؤولين من أجل عدم الذهاب إلى السجن. أما الفارون إلى اليونان، فيتعرض ذووهم في تركيا للظلم والبطش حتى وإن كان لا علاقة لهم بحركة الخدمة. لذلك فإن أغلب الذين أجريتُ معهم نقاشات، لا يريدون أن يكشفوا عن هويتهم. ما هم إلا جزء من هجرة جماعية من تركيا.
بالرغم من عدم التوافق بين اليونان وتركيا، إلا أن اللاجئين الأتراك، وبشكل خاص الأتراك المؤيدون لحركة الخدمة وفتح الله كولن، يتم استقبالهم بالترحاب في اليونان. فجهاز خدمات اللاجئين اليوناني يعرف ما يتعرضون له. وتحول سبب هرب المؤيدين لحركة الخدمة إلى قضية سياسية بين الدول. أما اليونانيون فلا يبعدونهم عن ضفاف نهر ماريتسا فقط؛ وإنما يساعدونهم ويسمحون لهم بالإقامة حتى وإن نفذت إمكانياتهم المادية. أغلبهم من الفقراء مكسوري الجناح؛ لأنهم عاطلون عن العمل منذ أشهر، ودفعوا كل مدخراتهم إلى أصحاب المراكب لنقلهم إلى الجانب اليوناني. بعضهم يحصلون على مساعدات مادية من أسرهم وعائلاتهم، والبعض الآخر ينفقون آخر ما يملكون من مدخرات في انتظار سكرات الموت. فقد شهدت أعداد الأتراك المتقدمين بطلبات اللجوء في اليونان قفزة كبيرة في الأشهر الستة الأخيرة، بينما كان عددهم 17 لاجئًا فقط في عام 2013، أما في عام 2017 فقد وصل عددهم إلى 1827 لاجئًا.
من بين هذه النماذج الدرامية المأساوية، السيد بكر وزوجته السيدة بتول، وطفلاهما البالغان من العمر 8 و9 سنوات، وابنتهما البالغة من العمر 18 شهرًا، في شقة مستأجرة في قلب العاصمة أثينا. فقد اضطروا لخوض مغامرة قاسية من أجل الوصول لهذا المكان. يقول السيد بكر: “أنا سعيد”، تدمع عيناه ولكنه يبتسم. ويقول: “لا أملك الأموال، ولكن أنا حر. أنا بصحة وعائلتي في أمان”، وأكد أنهم لا يملكون أي فكر عن نقطة انتهاء الرحلة أو موعد نهايتها. فالسيد بكر معلم كيمياء في أحد مراكز الدروس الخصوصية التمهيدية المؤهلة للجامعات، أما زوجته السيدة بتول ربة منزل تعمل بشكل تطوعي مع مؤسسات حركة الخدمة.
بأوامر وتعليمات من أردوغان، أغلقت مراكز الدروس الخصوصية وطرد من عمله في عام 2015. وبعد الانقلاب ترك منزله، لأن الحكومة كانت تعرف عنوانهم. ولو عثرت عليهم الشرطة، ستلقي بهم في السجن. وعاشوا والخوف مسيطر عليهم من أن يتركوا أطفالهم بدون أبوين. لم تكن تلك المخاوف مصطنعة أو محض خيالات، وإنما من وحي ما شاهدوه مما حدث للآخرين. ولجأ السيد بكر إلى بيع الجبن وزيت الزيتون من أجل كسب لقمة العيش. بعد ذلك تلقيا خبر حمل السيدة بتول في طفلهم الثالث بشكل مفاجئ قبل أيام من ولادته. فقد استمرت في حملها لمدة 8 أشهر دون أن تذهب لأي طبيب، ولكنها اضطرت للذهاب إلى الطبيب بعد أن أصيبت بنزيف. للأسف كان حضور زوجها لوضعها أمرًا خطيرًا للغاية، لذلك ذهبت شقيقته بدلًا منها مع زوجته.
واجه الأطباء مجموعة من التعقيدات الطبية في التعامل مع الحالة. ولكن كان هناك أمر أكثر سوءًا، حيث كان هناك أربعة من رجال الشرطة في انتظارها أمام باب المستشفى. كانوا يسألونها عن زوجها. كذبت عليهم وادعت أنهما انفصلا عن بعضهما. إلا أن رجال الأمن لم يصدقوا هذه الأكذوبة، وانتظروا حتى وضعت واصطحبوها مع رضيعها إلى مخفر الشرطة. أجبروها على صعود حافلة تابعة للشرطة ولكنها أخبرتهم بأنها لن تستطيع فعل ذلك بسبب الخياطة الموجودة إثر عملية الوضع. أصروا على صعودها للحافلة، مما أدى إلى تفتق الخياطة. قال الطبيب إنه يجب أن تستريح في المستشفى لمدة أسبوع، إلا أن الطبيب أيضًا أُجبر على تغيير تقريره بعكسه تمامًا.
عندما دخلت بتول إلى غرفة التحقيق كانت باردة للغاية. قضت 5 ساعات متواصلة مع رضيعها ترتعشان داخل الغرفة. استمرت التحقيقات لمدة يومين كاملين تقريبًا، ثم أطلقوا سراحها. في النهاية قررت الأسرة خوض مغامرة خطيرة للعبور إلى اليونان بشكل غير شرعي. قرروا خوض المغامرة بمفردهم دون الاستعانة بقائد مركب، بسبب ارتفاع الأسعار. كان شقيق السيد بكر قد سبقهم وهرب إلى اليونان، وأرسل لهم طريقة للهروب. اشتروا قاربًا قابلًا للنفخ، ونفخوا القارب، ثم بدأوا في سلك الطريق نفسه الذي سلكه شقيقه. كان معهم فقط حقيبة ظهر بها أغراضهم المهمة، وبعض الألعاب الخاصة بالطفل.
بدأت المغامرة برحلة سير طويلة. وتقول أغلب العائلات أن الرحلة تستمر ما بين 3-5 ساعات. يعتقد أن المسافة تصل إلى 20 كيلو مترًا. قضوا الليل سيرًا داخل الغابات، ثم بدأت مغامرة كبيرة داخل رحلة بقارب في النهر. ويسرد صحفي يوناني حكاية رجل تركي يهرب في قارب مطاطي مع تسعة آخرين، توفي ثمانية منهم غرقا في المياه المتجمدة لنهر ماريتسا، أما الأخير فيقيم الآن في ألمانيا.