القاهرة (زمان التركية) – ناقش الكاتب الصحفي المصري، نبيل نجم الدين، في مقاله بصحيفة (الحياة) مقترحيْن لاستعادة إرادة منظمة الأمم المتحدة عبر نزع حق “الفيتو” من الدول دائمة العضوية، بعد أن عجزت، من وجهة نظر الكاتب، عن تأسيس وفرض نظام سياسي عالمي يحقق العدل للدول الأعضاء.
وفيما يلي نص المقال:
يبدو أن منظمة الأمم المتحدة، التي تأسست في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1945 بحضور 51 دولة، ابتليت بالأمراض ذاتها التي قضت على عصبة الأمم التي فشلت في تحقيق أهدافها، وأدى فشلها إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها 80 مليون إنسان، وتسببت في خسارة الاقتصاد الأوروبي 70 في المئة من ثرواته. من المفيد استحضار غزو اليابان لمنشوريا عام 1931 وإفلاتها من العقاب بعد تقدّمها بطلب للانسحاب من عصبة الأمم، ثم قيام ألمانيا النازية في العام 1933 بالانسحاب من المنظمة الدولية ذاتها تمهيداً لتنفيذ خططها التوسعية التي أشعلت الحرب العالمية الثانية. ولنتذكر كذلك فشل المؤتمر الدولي الذي دعا إلى نزع السلاح في الفترة من 1932 إلى 1934، حيث رفضت الدول الكبرى أن تتخلّى عن أسلحتها، ثم جاء فشل عصبة الأمم في مواجهة احتلال إيطاليا لإثيوبيا، وأخيراً لم تستطع العصبة منع وقوع فنلندا تحت احتلال الاتحاد السوفياتي.
لا شك في أن المشهد الدولي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي المضطرب وغير المستقر هذه الأيام لا يختلف كثيراً، ولسان حاله: «كفانا سبعون عاماً من الفشل الدولي لمنظمة الأمم المتحدة، فإما تعديل ميثاقها لاستئصال أسباب الشلل فيها أو استبدالها بكيانٍ دولي جديد فاعل لا تتحكم فيه دولٌ خمس بحق الاعتراض VETO. فلا الأمم المتحدة قادرة على التعامل مع الكوارث الطبيعية المتزايدة في كوكب الأرض من فيضانات وأعاصير وأوبئة وتغير مناخي تسببت فيه انتهاكات الدول الصناعية الكبرى، ولا هي مؤهلة للتصدي بحزم للصراعات والحروب المستعرة هنا وهناك، ناهيك عن عصابات الاتجار في البشر والسلاح والمخدرات، فضلاً عن عجزها عن نزع أو الحد من انتشار السلاح النووي الذي يمكن بخطأ سياسي واحد أن يضع نهاية للحياة على الأرض. كما أن الأمم المتحدة عاجزة عن وقف الانتهاكات السافرة التي ترتكبها دول بعينها بحق ميثاقها وقراراتها، عبر احتلالها أراضي الغير بالقوة المسلحة الغاشمة، وتهجير السكان في ما يمكن وصفه بالتطهير العرقي، والتغيير غير القانوني لطبيعة تلك الأراضي المحتلة. تماماً كما تفعل إسرائيل الدولة العضو في هيئة الأمم المتحدة التي تمارس كل أشكال البلطجة على فلسطين الدولة والشعب. كل هذه الإجراءات غير القانونية تمارسها إسرائيل إما بسند ودعمٍ فاضحٍ، أو بتغاضٍ مخزٍ من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
إن قائمة ما يرتكب من انتهاكات وجرائم خلافاً وتعارضاً مع ميثاق الأمم المتحدة ذي الثمانية عشر فصلاً، وخلافاً لمقررات منظماتها المختلفة، تدعو للأسف والأسى على حال هيئة الأمم المتحدة، فمن مأساة فلسطين المحتلة إلى مأساة الروهينغا، ومن هجرات الأفارقة غير القانونية وموتهم في مياه البحر المتوسط هرباً من الصراعات المسلحة والفساد والديكتاتورية في بلادهم، إلى عربدة أجهزة الاستخبارات ومراكز القوى الدولية شرقاً وغرباً في دول عربية كاليمن وليبيا وسورية والعراق والصومال، وفي دول غير عربية في أميركا اللاتينية وفي أفريقيا وفي بعض دول شرق أوروبا.
عجزت منظمة الأمم المتحدة عن تأسيس وفرض نظام سياسي عالمي يحقق العدل والأمن والسلم والاستقرار، كما أنها عجزت عن تأسيس نظامٍ اقتصادي عالمي عادل يقلل الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ويحفظ للفقراء نصيبهم من ثروات هذا الكوكب الهائلة. وأهم أسباب فشل الأمم المتحدة في فرض السلم والأمن والعدل والاستقرار في العالم هو استئثار خمس دول بحق الاعتراض (VETO)، هذا الحق الذي طالما عرقل وقيَّد إرادة الجمعية العامة (193 دولة).
لذا فالخطوة الأساسية نحو استعادة إرادة الأمم المتحدة السليبة هو تعديل الميثاق بما ينزع هذا الحق التميزي «الفيتو» من الدول دائمة العضوية، ويتم ذلك من خلال تعديل المواد الخاصة بآلية عمل الجمعية العامة بحيث تتمتع قراراتها بالصفة التنفيذية الواجبة التي تعلو إرادة أي دولة.
وبعبارة أخرى، منح الجمعية العامة للأمم المتحدة الحق في إصدار قرارات لا تخضع للفيتو، والحق في سحب الثقة من الدول أعضاء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة. فإذا نجح التعديل، فالبحث عن تأسيس كيانٍ بديلٍ هو أمر واجب لاستعادة الأمن والعدل والسلم.