أنقرة (زمان التركية) – في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري نال القس الأمريكي أندرو برونسون حريته، وكان قرار إخلاء سبيله واضحًا وجليًا لدرجة أن طائرة خاصة أمريكية كانت بانتظاره بالمطار طوال اليوم.
وبحلول المساء استقل برونسون وزوجته هذه الطائرة وتوجهوا إلى الطرف الآخر من المحيط.
ظل برونسون داخل سجن شاكران بمدينة إزمير لمدة عشرين شهرًا، حيث اتهمته وسائل الإعلام الموالية للنظام والملقبة بـ”جلادين الكرامة” بأنه “أخطر إرهابي”.
ومنذ يوليو/ تموز كان برونسون قيد الإقامة الجبرية بمنزله في إزمير، غير أنه بات حرًا الآن.
برونسون هو واحد من بين الآلاف الذين كانوا ضحايا لمن يزعم أنهم ” شهود سريون” الذين استخدمهم العدالة والتنمية لحبس كل من يعارضه، إذ أنه نجا من السجن لكونه مدعوما من دولة ذات إصرار وعزيمة مثل الولايات المتحدة التي يحمل جواز سفرها.
كنت قد تحدثت في بضعة مقالات عن إخلاء سبيل برونسون. وأعدت اقتباس تلك العبارات من مقال صدر في السادس من سبتمبر/ أيلول الماضي بعنوان “هل انتظرتم أن يصل سعر الدولار إلى 6.60 ليرة؟”:
“إلى اليوم لم يكن هناك احتمال كهذا، لكن المؤشر التف في الخامس من سبتمبر/ أيلول. خفف أردوغان حدة الأزمة الاقتصادية والمالية واستحوذت انتخابات المحليات على اهتمامه. ومن بعدها طوفان جديد، إذ أن التغييرات الأخيرة لا تعني عودة أردوغان للديمقراطية والقانون بل هو مهتم بفرصه.
تجاوز معدلات التضخم حاجز الـ25 في المئة يقود الاقتصاد إلى ركود شديد، فخلال شهر أغسطس/ فقط فقط تم إقالة أكثر من 150 ألف موظف.
الركود التضخمي هو تساوي معدلات التضخم مع الركود، وستحدد العودة للديمقراطية والقانون في تركيا إلى متى ستستمر الأزمة”.
هل انتهت الأزمة الاقتصادية؟
لا يوجد اختلاف بين إخلاء سبيل برونسون وإخلاء سبيل الصحفيين الألمان مثل دنيز يوجال ومشعلة تولو.
العالم بأسره استوعب سياسة الرهائن التي يتبعها أردوغان، إذ يجرون معهم لقاءات باللغة التي يفهمها في غضون بضعة أشهر يحصلون منه على ما يريدون.
وعلى الرغم من أن من يحطمون هواتف الأيفون بالمطرقة لا يريدون إدراك هذا فبالنظر إلى تركيا من الخارج تظهر ” دولة مسكينة أصبحت في قبضة أردوغان”.
نموذج ألمانيا كان مصدر إلهام للبيت الأبيض، ففي الثاني من أغسطس/ آب الماضي شنت الولايات المتحدة الأمريكية حملة بسيطة بعدما أدركت أن المواطنين الألمان الذين سجنوا بدون دليل إدانة واحد حصلوا على حريتهم بفضل “حزمة العقوبات” التي أعلنتها برلين في العشرين من يوليو/ تموز عام 2017.
أعلنت الولايات المتحدة مطلبها وانتظرت في سكون ولم تدخل في مناوشات، ولم تصدر أية بيانات رسمية باستثناء بعض التغريدات التي صدرت عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه مايك بنس.
كان سيتم إخلاء سبيل برونسون بدون شروط، وضمت القائمة شخصيات أخرى. هل تم تجاهلهم؟ لا، ينبغي ألا يشك أحد في أنه سيتم إخلاء سبيلهم واحد تلو الآخر.
وعلى الرغم من أنه خلال الأيام الأولى أجاب أردوغان على الحملة بهتافه “يا أمريكا” لكن تراجعات تصريحاته سريعا عندما ارتفع الدولار أمام الليرة بنحو 33 في المئة خلال شهر واحد.
قناة إن بي سي تكشف عن المفاوضات
قبل يومين أعلنت قناة إن بي سي نيوز الأمريكية توصل تركيا والولايات المتحدة إلى اتفاق وأنه سيتم إخلاء سبيل برونسون، وزعم أنه في المقابل سيتم إخلاء سبيل نائب رئيس بنك الشعب التركي السابق محمد هاكان آتيلا الذي حكمت عليه المحكمة الأمريكية بالسجن 30 شهرا ضمن قضية رضا ضراب.
لا أدري واقعة برونسون هى الواقعة الكم التي يتراجع فيها أردوغان الذي جعل من تركيا دولة تهديدات فارغة. ومن يهللون لكل ما يقوله سيدافعون أيضا عن تراجعه الأخير بزعم أنه يمتلك أسبابه الخاصة.
تعاني تركيا من ديون خارجية بقيمة 305 مليار دولار من بينها 222 مليار دولار للقطاع الخاص و85 مليار دولار للقطاع الحكومي، بينما يبلغ عجز الميزان الجاري 50 مليار دولار سنويا.
وارتفعت معدلات التضخم بسبب الفوائد ومؤشر العملات الأجنبية، وتعجز البنوك عن تحصيل القروض.
تجاوز إجمالي القروض غير المحصلة الـ80 مليار دولار بعدما كان يبلغ قبل ثلاثة أشهر 62 مليار دولار، وستزيد هذه الزيادة السريعة حاجة البنوك إلى رؤوس أموال.
البنوك في مأزق
ليس من المعروف كيف سيبقى حزب العدلة والتنمية الحاكم كل البنوك قائمة بعدما أنقذ ثلاثة بنوك حكومية بمنحهم 11 مليار مليار دولار من صندوق البطالة بطريقة منافية للقانون.
وستتواصل التأثيرات الارتدادية لأزمة المؤشر التي وقعت في أغسطس/ آب، فإذا أمعنتم النظر ستجدون أنه كل يوم يتم منح مهلة أخيرة قبل الإفلاس إلى شركات غير متوقعة. ومن بين الشركات التي قدمت طلب تسوية إفلاس -إجراء قضائي للحماية من الإفلاس- عملاق منتجات الألبان يورسان.
ارتفعت الفوائد حتى 50 في المئة، ولا يوجد أي تغيير. وتتناول وكالة بلومبيرج الاقتصادية أنباء عن تحكم الشرطة في أسعار معجون الأسنان، وعلق الخبراء على هذا الخبر في قناة فوكس نيوز والقنوت الأخرى بالضحك.
إخلاء سبيل برونسون لن يحقق ربيع مفاجيء في العلاقات التركية الأمريكية. وعلى الرغم من انخفاض حدة التوترات في الأسواق فإن الازمة المالية ستتواصل لحين عودة تركيا إلى القانون. هل هذا ممكن في ظل حكم أردوغان؟
لم يعد المستثمر يشعر بالأمان، وأصبحت تركيا التي أعلن أردوغان بها حكمه المفرد ” أحد أكثر الدول خطورة” بالنسبة للمستثمرين.
أصبحت تركيا تدار كشركة عائلية ولم يعد هناك قانون ونظام، وتعاملت المحاكم خلال قضية القس أندرو برونسون وفقًا لتعليمات القصر الرئاسي كما هو معتاد.
تقرير: سميح آرديتش