أنقرة (زمان التركية) – المتابع لتصريحات الرئيس التركي رجيب طيب أردوغان طيلة عام مضى حول أزمة القس أندرو برونسون، سيلاحظ كيف كان الرفض الحاد من فقبله القبول بالإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونوسون، واعتبارها قضية سيادية.
إلا أن القضاء التركي فاجأ الجميع بقراره يوم الجمعة الماضي بالإفراج عن القس برونسون، الذي تعتبره السلطات التركية أبرز وأهم الأسماء في محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016.
أردوغان حنى رأسه أمام ترامب
ومن جانبه أعرب رئيس حزب الحركة القومية المتحالف مع أردوغان عن غضبه من قرار الإفراج عن برونسون، مشيرًا إلى أنه يزعج ضمير الشعب التركي؛ بينما علق حزب الشعوب الديمقراطية المعارض واصفًا الأمر بأن القضاء التركي أصبح في قبضة أمريكا وألمانيا.
أما الخبراء والمحللون فيرون أن أردوغان أُجبر على حني رأسه أمام الولايات المتحدة الأمريكية، وأن أردوغان قرر الإفراج عن برونسون لمنع تفاقم الأزمة الاقتصادية.
ويرى سياسيون أن الإفراج عن القس برونسون أفسد أكذوبة حكومة حزب العدالة والتنمية وأردوغان حول أن محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016 تمت من قبل حركة الخدمة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وكان القس همزة وصل بين الطرفين، على زعمهم.
ومن جانبها علقت صحيفة ” ذي أكونوميست” على تصريحات أردوغان بأن برونسون رهن المشاجرة المشتعلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حاول استغلال القضية في عقد صفقة مع واشنطن، وقال في تصريحات سابقة له يوم 28 سبتمبر/ أيلول 2017 أن الإفراج عن برونسون ممكنًا مع تسليم فتح الله كولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية لتركيا.
وفي يوليو/ تموز 2018 كان القضاء التركي أصدر قرارًا بخروج برونسون من السجن دون تبرئته ووضعه تحت الإقامة الجبرية ومنعه من السفر واستمرار اعتقاله على ذمة القضية، بحجة ظروفه الصحية.
إلا أن هذا القرار لم يؤد إلى تحسن وتطبيع العلاقات بين أنقرة وواشنطن مرة أخرى كما كان متوقعًا، وإنما تحول الأمر إلى دخول العلاقات بين البلدين في أكثر مراحلها توترًا في التاريخ.
وفي تلك الفترة قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إن اللقاء الذي جمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب على هامش قمة حلف الناتو، شهد مساومة بين الطرفين حول إطلاق سراح برونسون مقابل إطلاق سراح الصحفية إبرو أوزكان التي يجري محاكمتها في إسرائيل.
وأكد ترامب تلك الادعاءات في تصريحاته مع وكالة (رويترز) للأنباء، موضحًا أنه تم التوصل لاتفاق مع أردغان، مشيرًا إلى أنه بموجب الاتفاق سيتم إطلاق سراح التركية إبرو أوزكان التي اعتقلتها القوات الإسرائيليىة، في المقابل سيقوم أردوغان بالإفراج عن أندرو برونسون؛ بينما كذَّب أردوغان ادعاءات وجود مساومات أو مقايضة في هذا الملف.
وانعكس توتر العلاقات على قرار من الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات ضد وزيرين تركيين، وتأجيل تسليم تركيا طائرات F-35 التي ساهمت في تصنيعها.
وبعد قرار العقوبات بدأت الليرة التركية مسلسل الانهيار أمام الدولار الأمريكي، ليصل إلى 7 ليرة تركية للمرة الأولى.
كما قال نائب الرئيس الأمريكي مايك بينسي: “نحن مستعدون لتطبيق عقوبات على تركيا حتى يتم الإفراج عن القس أندرو برونسون”.
وأضاف بينسي: “هناك رسالة باسم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس التركي أردوغان وحكومة تركيا. أطلقوا سراح برونسون الآن، أو استعدوا لتحمل النتائج… فإن لم يتم إطلاق سراح ذلك رجل الدين البريء، ولم يعود إلى بلاده، سيتم تطبيق عقوبات خطيرة على تركيا حتى يتم إطلاق سراحه”.
كما قال الرئيس الأمريكي ترامب: “سنفرض عقوبات كبيرة على تركيا نتيجة الاعتقال طويل الأمد للقس برونسون”.
ورد وزير الخارجية التركي على تصريحات ترامب، قائلًا: “لا يمكن لأحد أن يخيف أو يهدد تركيا”.
وبعد سلسلة التهديدات والعقوبات الأمريكية، ها هو القضاء التركي يصدر حكمًا بالإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون ورفع قرار وضعه تحت الإقامة الجبرية ومنع السفر، رغم توجيه تهم له بارتكاب جرائم باسم حركة الخدمة وحزب العمال الكردستاني، والتورط في أعمال تجسس سياسي وعسكري.
وبعد صدور القرار بساعات قليلة غادر برونسون وزوجته تركيا متجهين إلى ألمانيا في طريقهم للعودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.