تقرير: ياوز أجار
برلين (زمان التركية) – على الرغم من التحديات الكبيرة التي أبدتها تركيا تجاه الولايات المتحدة، أقدمت أنقرة أمس الجمعة على خطوة متوقعة وأفرجت عن القس الأمريكي أندرو برونسون المحتجز منذ سنتين بتهم تصنفه “العقل المدبر للانقلاب الفاشل” في عام 2016.
لقد قضت محكمة تركية في أزمير أمس الجمعة، بإطلاق سراح القس الأمريكي آندرو برونسون وإلغاء منعه من السفر، بعد الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات وشهرا واحدا مع إيقاف التنفيذ، مع الأخذ في الاعتبار المدة التي قضاها بالسجن والإقامة الجبرية خلال محاكمته.
ونقلت تقارير تركية عن القس برونسون قوله في جلسة المحكمة: “أنا رجل بريء، وأحب كثيراً كلاً من المسيح وتركيا، وأريد أن تظهر العدالة في هذه القضية”.
بعد الإفراج عن القس الأمريكي برونسون، طالب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أنقرة بـ”الإفراج سريعاً” عن بقية الأمريكيين المحتجزين لديها أيضًا، وكذلك عن أتراك يعملون في بعثات دبلوماسية أمريكية في تركيا.
تبخر الاتهامات تجاه برونسون
وكان المسؤولون الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس أردوغان، يوجهون للقس الأمركي تهمة الصلة بحركة الخدمة التي تستلهم من فكر المفكر الإسلامي فتح الله كولن المقيم في مدينة بنسلفانيا الأمريكية والذي يتهمونه بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل في عام 2016، بالإضافة إلى تهمة الصلة بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من قبل تركيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي.
وجاءت خطوة الإفراج عن القس بعد أن غير أربعة شهود إثبات إفاداتهم السابقة بحقه، الأمر الذي أثار تساؤلات حول ما إذا كانت السلطات القضائية ستفتح تحقيقا مع هؤلاء الشهود أيضًا بتهمة “الخيانة الوطنية”؛ وذلك لأنهم تسببوا بشهادتهم الزور في اعتقال بريء 3 أعوام، وانهيار العلاقات بين تركيا وأمريكا، وتراجع الليرة وحدوث أزمة اقتصادية في البلاد، فضلاً عن تشويه صورة تركيا والرئيس أردوغان.
زعم فخر الدين آلتون، مستشار الرئاسة التركية، أن قرار الإفراج عن القس أثبت مرة أخرى أن جهاز القضاء في تركيا مستقل ومحايد، غير أن الرئيس أردوغان كان تحدى الإدارة الأمريكية أمام عدسات الكاميرات قائلاً: “لن يتم الإفراج عن هذا القس الإرهابي ما دمت على رأس السلطة في تركيا!”.
إعلام أردوغان: كان القس الأمريكي سيصبح رئيس سي آي إيه لو نجح الانقلاب في تركيا!
الإعلام التركي لا يجد مبررًا!
وضعت حادثة إطلاق سراح القس الإعلام الرسمي التركي في موقف حرج للغاية، وواجه صعوبات في تفسير وتبرير هذه الخطوة بعد التصريحات النارية، إذ علقت صحيفة “يني عقد” بقولها: “يستعد القس الأمريكي للهروب من تركيا بأول طائرة بعد إطلاق سراحه بحجة مضحكة”، ثم وجهت سؤالا إلى القس: ” ألم تزعم أنك تحب تركيا كثيرا؟! فإلى أين تهرب؟!”.
وأثارت الخطوة ردود فعل مختلفة بين أتباع التيار الإسلامي في تركيا، حيث وجه الكاتب الإسلامي فاروق كوسه الذي كان يكتب لصحيفة يني عقد سؤالين للرئيس أردوغان في غاية الأهمية عبر حسابه على تويتر قائلاً: 1) إذا تم الإفراج عن القس الأمريكي بموجب “القانون” فكيف سيستمر اعتقال عشرات الآلاف من المتهمين الآخرين بنفس التهم؟! 2) وإذا تم الإفراج عنه بموجب “السياسة” فكيف يمكن لنا الحديث عن سيادة واستقلال القانون بعد اليوم؟!
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز فيلسون “Wilson” للدراسات بواشنطن هنري باركي الذي زاره أردوغان في أمريكا قبيل تأسيسه حزب العدالة والتنمية: “إطلاق سراح القس الأمريكي برونسون أظهر مدى بُعْد القضاء في تركيا عن مفهوم العدل!”.
وتطرق حساب “نبض تركيا” إلى القضية ذاتها قائلاً: “أردوغان اتهم القس الأمريكي بما يلي: جاسوس أمريكي، مدبر الانقلاب الفاشل، داعم لتنظيمات إرهابية. شهد عليه سبعة شهود، وكان مطالبًا بالحبس 35 عاما! مع كل ذلك تم الإفراج عنه!”، ثم استدرك قائلاً: “طيب فما ذنب 704 أطفال و18 سيدة و50 ألف رجل قابعين في السجون رغم أنهم لا علاقة لهم بالانقلاب الفاشل؟”.
وتابع تبض تركيا: “أمريكا استطاعت إعادة القس الأمريكي من تركيا إلى بلده بشكل أو بآخر، وذلك على الرغم من أن أردوغان قال: ’لن يتم الإفراج عن ذلك الإرهابي ما دمت الرئيس‘، بينما فشل أردوغان في استعادة فتح الله كولن رغم أنه كان يطالب رئيس أمريكا قائلا: ’خذ قسك الذي عندي وأعطني قسنا الذي عندك‘ في إشارة منه إلى كولن! قدرته لاتكفي إلا على إقناع أنصاره المسحورين!”، على حد تعبيره.
وكشف نبض تركيا الستار عن السبب الحقيقي لاعتقال القس الأمريكي؛ إذ شدد على أن القس الأمريكي الذي يعيش في تركيا منذ عقود لم يكن إلا ضحية لأردوغان لكي يستخدمه كدليل على “الصلة الخارجية” المزعومة لانقلاب 2016، أي أنه كان أداة بيده لإقناع قاعدته الساذجة بوقوف الولايات المتحدة وراء حركة كولن المتهمة بتدبير الانقلاب، ثم أكد أن كل هذه المزاعم سقطت مع رحيل القس إلى أمريكا!
خيبة أمل
من جانبه، عبر حليف أردوغان، زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشالي عن خيبة أمله قائلاً: “لا بد أن يعود هاكان آتيلا إلى العاصمة أنقرة بمجرد وصول القس إلى الولايات المتحدة”، في إشارة منه إلى نائب رئيس بنك “خلق” الرسمي التركي المعتقل في أمريكا بتهمة خرق العقوبات على إيران بالتعاون مع رجل الأعمال التركي إيراني الأصل رضا ضراب.
وكان حساب “قنديل” (candle) قال قبل يوم من الإفراج عن القس بأنه يعتقد أن أردوغان لن يفرج عن القس الأمريكي برونسون ولن يفرط في مصداقيته بسهولة؛ ذلك لأنه بنى عليه كل أطروحاته الخاصة بالانقلاب الفاشل في 2016، وكذلك قدمت كل الصحف التابعة له هذا القس كعقل مدبر لهذه المحاولة، فإذا سلم القس لأمريكا فإن ذلك سيعني سقوط روايته عن هذه المحاولة الغاشمة.
لكنه عبر عن صدمته يوم الجمعة حيث تم الإفراج عن القس قائلاً: “بصراحة أنا مصدوم بتسليم القس الأمريكي للولايات المتحدة رغم كل تحديات أردوغان. إنني كنت أعتبر ذلك قضية حياة أو ممات بالنسبة له؛ لأن إعلامه بنى عليه كل مزاعمه الخاصة بالانقلاب الفاشل. وأنا أتذكر أن صحيفة تقويم كانت زعمت أن القس كان سيصبح رئيس سي آي إيه لو نجح الانقلاب، وكنت صدقت ذلك!”.
وأشار حساب قنديل رغم ذلك إلى أنه: “لكني ما زلت أعتقد أن أردوغان، وهو سياسي محترف يعرف قواعد اللعبة، سيحصل من واشنطن على شيء ثمين كفتح الله جولن أو المسؤول البنكي المعتقل في أمريكا أو شيء من هذا القبيل ليعوض به هذه الخسارة الكبيرة التي لطخت سمعته”، على حد تعبيره.
حساب نبض تركيا، كانت له تغريدة أخرى رصد فيها تراجع أردوغان أكثر من مرة عن مواقفه، جاء فيها: “أردوغان كان تحدى الولايات المتحدة قائلا: ’لن يتم الإفراج عن هذا القس الإرهابي ما دمت على رأس السلطة في تركيا‘. وقديما كان تحدى روسيا قائلاً: ’لن أعتذر لبوتين!‘. وقبل ذلك تحدى إسرائيل بقوله: ’لن يحدث تحسن في العلاقات ما دمت رئيس تركيا‘”، حصلت على إعجاب كبير من رواد الإعلام الاجتماعي، إذ وصلت إعادات التغريدة إلى نحو 1500 مرة.