أنقرة (زمان التركية)ــ اعتبرت سياسيتان تركيتان أن لجوء السلطات لمبدأ تفريق الاحتجاجات السلمية بالعنف “يمثل فضيحة كاملة في بلد ديمقراطي” وأن حزب العدالة والتنمية لم يوفي بوعوده للأتراك بالديمقراطية والحرية.
وفي مقابلة أجراها موقع (أحوال تركية) قالت عضو مؤسس للحزب الإسلامي الحاكم في تركيا -العدالة والتنمية- إن استخدام القوة لتفريق الاحتجاجات السلمية يقوّض شرعية الدولة، وذلك بعد أن أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على عمال نظموا إضرابا للاحتجاج على حالات الوفاة خلال أعمال إنشاء ثالث مطارات اسطنبول واعتقلت أمهات نظمن احتجاجات ضد اختفاء أبنائهن في جنوب شرقي تركيا ذي الأغلبية الكردية.
وفرّقت الشرطة والدرك الشهر الماضي احتجاجات ضد ظروف العمل السيئة التي قال أحد الأحزاب المعارضة إنها تسببت في مقتل 37 شخصاً في موقع بناء المطار الجديد، وهو مشروع ضخم ينفذه الرئيس رجب طيب أردوغان من قبيل الوجاهة والاستعراض. وفي أغسطس/ آب، اقتحمت الشرطة المسلحة بالهروات اعتصاماً في اسطنبول كانت تشارك فيه أمهات ضد ما يقُلن إنه اختفاء أطفالهن قسريا على يد قوات الأمن خلال الصراع الكردي في البلاد.
وقالت فاطمة بوستن ايزال إن “مسؤولي الدولة يجب أن يشعروا بالحرج لأنهم قضوا على الشرعية الأساسية للدولة. استخدام العنف ضد من تجمعوا للتعبير عن مظالمهم بشكل سلمي أمر غير وارد في أي نظام، كما أنه يمثل فضيحة كاملة في بلد ديمقراطي”. وايزال، إلى جانب أردوغان، كانت واحدة من 64 عضواً مؤسساً لحزب العدالة والتنمية عام 2001.
طرح حزب العدالة والتنمية نفسه على أنه بديل ديمقراطي ورع للأحزاب العلمانية التي ظلت تهيمن على الحكم في تركيا منذ أول انتخابات ديمقراطية في عام 1950. لكن منذ أن وصل الحزب إلى السلطة في عام 2002، يقول نقاد إنه صار لا يتسامح مع المعارضة ويتهمون أردوغان بأن نزعاته الاستبدادية تزيد يوما بعد يوم.
وقالت ايزال في مقابلة “بالطبع أنا خائبة الأمل للغاية” مشيرة إلى ما وصفته بالتزلف والنهب الذي يتسم به الحزب اليوم.
كانت الناشطة نورتان أرطغرل أيضا من أشد المؤيدين لحزب العدالة والتنمية في السنوات الأولى عندما صور نفسه على أنه قوة ضد السلطة تعكس الحنين إلى الديمقراطية والحرية بين الأغلبية الدينية المحافظة. لكنها تقول إن الحزب صار اليوم ضالاً لطريقه.
تقول أرطغرل إن “حزب العدالة والتنمية وصل إلى السلطة بخطاب ديني. خطاب حزب العدالة والتنمية باسم الإسلام لا وجود له في الإسلام. لا مجال لفهم الدين بصورة صحيحة هنا. لا أعرف إن كنتم تصدقونني أم لا، لكننا نفكر في الأمور نفسها فيما يتعلق بالحقوق والعدالة والديمقراطية والحرية”.
وردا على سؤال حول فعالية الاتحادات العمالية في تركيا، قالت ايزال “لو أن الاتحادات العمالية تكلمت، لكانت قضايا الانضمام لعضوية اتحاد عمالي، وساعات العمل الطويلة، وعدم الحصول على أجر قد تم حلها بالفعل. لكن لسوء الحظ، صارت الاتحادات العمالية فاقدة لوظيفتها تماماً وغير مؤثرة نهائياً لأنها صارت معادية تقريباً لبعضها البعض”.
وتفكر ايزال وأرطغرل كثيراً وبعمق في الأيام الأولى لحزب العدالة والتنمية عندما كانتا من أكثر المؤيدين حماسة للحزب.
ووفقا لأرطغرل، عندما خرج حزب العدالة والتنمية إلى النور، كان خطابه يتركز على كونه قوة ضد السلطة تعكس “حنيناً للديمقراطية” بين أغلبية المجتمع. وتعهد حزب العدالة والتنمية – الذي يطرح نفسه على أنه إسلامي – بتنفيذ وعوده بالديمقراطية والحرية.
أما ايزال فتقول إن الحملة على المعارضة السلمية ليست أمراً جيداً للديمقراطية.
وحول حظر ما يسمى باحتجاجات أمهات السبت ضد الاختفاء القسري وما أعقب ذلك من اعتقالات، قالت ايزال إن “وجود أماكن يتجمع فيها الناس ليعبروا عن آرائهم هو تأمين لكل نظام سياسي. يعتمد استقرار الأنظمة السياسية في الأجل الطويل على هذا. ومن ثم، أعتقد أن إغلاق هذه المساحات سيكون معناه عدم وجود تأمين، وبالتالي تزعزع الاستقرار”.
وقالت إن تفريق احتجاجات العمال في مطار اسطنبول الجديد والضخم، والذي من المقرر افتتاحه نهاية الشهر الجاري، يسلط الضوء على مدى ما وصلت إليه الحقوق من تدهور في بعض المجالات.
وعلقت ايزال قائلة إن “السلطات القائمة تهمش التعبير عن الشعور بالظلم وتجعل منه جريمة. حقوق العمال في التجمع والتنظيم والحديث بوضوح عن مظالمهم عبر مختلف الوسائل هي بعض من الحقوق التي أُقرّت في القرن الماضي. وما يحدث للعمال يُظهر مدى ما وصلنا إليه من انكفاء على الذات”.
أضافت “الحق في العمل بما يتفق مع كرامة الإنسان والحصول على أجر حق أساسي. يمكننا أن نفهم من مطالب العمال أنهم قلقون بشأن القضايا الأكثر حيوية مثل دفع أجورهم وسلامتهم”.
ومع تركز السلطة أكثر في أيدي أردوغان، صار الكثير من الأعضاء المؤسسين والقادة الذين أناروا طريق حزب العدالة والتنمية مهمشين. في الوقت ذاته، أُلقي بعشرات الآلاف في السجون وخسر نحو 150 ألفاً وظائفهم في حملة واسعة النطاق على المعارضة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في عام 2016، والتي تقول الحكومة إن حركة غولن السرية – الحليف الإسلامي السابق لحزب العدالة والتنمية – هي التي دبرتها.
ومن بين المسجونين هناك العشرات من الصحفيين. كما أن الغالبية العظمى من وسائل الإعلام والتلفزيون في تركيا صارت الآن في أيدي شخصيات مقربة من الحزب الحاكم.
وقالت ايزال “حرية الصحافة مهمة لتظل المجتمعات الديمقراطية حية وفي رفاه. لو كان هناك قانون واحد في العلوم السياسية، فهو أن السلطة مفسدة. ولكي نخفف الأثر الضار لهذه السلطة، فإن حرية الصحافة ظلت لزمن طويل مقبولة كأساس للديمقراطية”.
ولاحظت أرطغرل التباين بين الفكر الديني والفكر السياسي في أول يوم لها في المعترك السياسي. وتقول أرطغرل إنها انضمت عام 2014 إلى مجلس مدينة بينغول التركية في اجتماع لانتخاب نواب العُمَد وقال العمدة يوجيل باراكازي عن حزب العدالة والتنمية وقتها إن “النساء المتدينات والواعيات لا يمكنهن أن يصبحن نائبات للعمدة”. بعد ذلك قدمت استقالتها.
“إذا لم يكن التناقض هو المصطلح الذي ينطبق على عقلية تعمل مع المراة ليلاً ونهاراً، وتوصلها من الباب إلى الباب، وتلتقي بها في مراكز تنسيق الانتخابات بدون النظر إلى الأعراف الدينية العامة والكياسة، لكن تأتي اليوم بأعذار لإبقاء المرأة على الهامش، فما المصطلح اللائق بتلك العقلية إذاً؟”.