بوخارست (زمان التركية) – رأى المحلل الروماني فالنتين ناومسكو (valentin naumescu) أن التقارب الروسي التركي في المسألة السورية من الممكن أن يأتي بالفائدة لتركيا على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد فهو يخبئ أكبر وأعمق فخ لتركيا، بحسب رأيه.
كما ادعى المحلل السياسي للعلاقات الدولية ناومسكو أن عملية “غصن الزيتون” العسكرية التركية الأخيرة في عفرين شمال سوريا أدت إلى إعادة تشكيل التوازنات وسط سوريا والشرق الأوسط من جديد، وأن الغرب لم يستطع أن يتخذ موقفا موحدا بشأن الأزمة السورية على غير عادته، ويقول إن ما نعايشه الآن من أحداث لم يكن لأحد حتى أن يتوقعه منذ بضع سنوات.
أشار المحلل السياسي ناومسكو إلي عدة نقاط من خلال ما نشره على موقع “contibutors” تحت عنوان “مواجهات أمريكا وتركيا في عملية “غصن الزيتون” العسكرية وهي كما يلي:
أولا، أن تركيا في الحقيقة لا تريد ظهور دولة كردية حرة، أي إن العمليات العسكرية التركية في عفرين، والتي كانت من الممكن أن تهدد الحدود التركية نفسها قامت بها تركيا للحيلولة دون قيام دولة كردية في الجنوب، والتي تشكل الكابوس الدائم لتركيا. إن ضعف الدولة السورية نتج عنه ظهور حكم ذاتي من قبل بعض الأحزاب والجماعات مثل الحزب الديمقراطي و وحدات الحماية الشعبية الكردية. ومن ناحية أخري علينا أن لا نغفل الاستفتاء الأخير في إقليم كردستان من أجل الاستقلال عن العراق والذي أظهر أن 92% من الأكراد يدعمون الاستقلال وإن يتم الاعتراف بنتائج هذا الاستفتاء.
امتنعت روسيا عن اتخاذ موقف واضح تجاه العمليات الموجودة في عفرين، ولَم تقدم ضمانات للتصدي للتدخل التركي!!
بينما كان لإنجلترا وفرنسا اللتين لهما مصالح في الشرق الأوسط تصرف آخر، فقامت إنجلترا بمساندة حكومة أنقرة، أما فرنسا فإنها دعت الأمم المتحدة للاجتماع الموضوع.
ويبدو أن الغرب منقسم مرة أخرى حول التدخلات التركية وتأثيراتها بالمنطقة، ومن ناحية أخرى نجد تركيا تعزز علاقاتها مع روسيا…
بسبب جرائم “حزب العمال الكردستاني” لقي أكثر من حوالي 37 ألف شخص مصرعهم “وفقا للأرقام الرسمية” التي تقدمها تركيا.
بحسب مؤرخي الحرب الباردة، فإن “عبد الله أوجلان” حاز على دعم من الاتحاد السوفيتي في البداية.
وعلى الرغم من هذا الدعم إلا أنه قد ألقي القبض عليه في عام 1999 بدعم من الولايات المتحدة، وحكم عليه بالسجن المؤبد في تركيا!
في آخر عام 2002 اتجه أردوغان تدريجيا لاتباع النظام الإسلامي في الحكم. في البداية كان معتدلا، ولكن سرعان ما زادت طموحاته وكبرت، فبدأ بالبعد عن أمريكا والغرب الديمقراطي الليبرالي.
اليوم الوضع هكذا: روسيا تقف صامتة أمام التدخل التركي في سوريا. (من كان يمكن أن يفكر حدوث هذا قبل بضع سنوات)، أما الولايات المتحدة الأمريكية فتقوم بدعم الأكراد عسكريا وسياسيا.
ومن الجدير بالذكر أن الفصائل المتطرفة في الشرق الأوسط تقوم بإعادة تشكيل الخطط الإستراتيجية في المنطقة.
أي إن القرن 21 فرض شروطه هذه المرة بأن تكون الرمال المتحركة بالمنطقة هي اللاعب الأساسي في منافسات واتفاقيات القوى الكبرى، علاوة على استمرار تلك القوى الكبرى بابتكار إستراتيجيات واتباع سياسات خارجية مناسبة لظروف هذا القرن (القرن الحادي والعشرين).
بداية الحرب الباردة الثانية
في عام 2012 أعيد تنصيب فلاديمير بوتين من جديد، وبدأت بذلك الحرب الباردة الثانية رسميا في مارس/ أذار عام 2014 عندما قامت روسيا بضم “شبه جزيرة القرم “حتى وإن كانت بطريقة غير رسمية.
روسيا الآن استطاعت أن تستخدم تركيا كمطرقة تضرب المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط، كما أنها أحدثت برودا في العلاقات التركية مع القوى الغربية.
يبدو أن تلك الكتلة التي شكلت بين روسيا وتركيا في هذه الأيام تحمل الكثير من المزايا على المدى القصير ولكن على المدى البعيد تحمل لأنقرة عددا كبيرا من الفخاخ الثقيلة.
في الوقت الذي يوشك الوهم الأوروبي على الانقضاء في تركيا إلى حد كبير، تزداد فيه الرغبة التركية في أن تصبح قوة إقليمية، علاوة على أن مصالح نظام أردوغان مفهرسة في الشرق الأوسط وليس الغرب، بجانب حساب السلطة والقوة الداخلية.
لقد أدرك أردوغان شيئين:
أولهما أن الغرب لم يعد قوة موحدة، ولا يبدو أنه مستعد للقيام بدور نشط خارج المجال الثقافي التقليدي، وأن أمريكا تبتعد من أوروبا ومن العالم.
ثانيا: العثمانية الجديدة مع عدة خطابات ليبرالية غربية تجلب المزيد من الأصوات الانتخابية.
الخطابات التركية تخدم المصالح الروسية:
يوجد في عفرين 8 الآف أو 10 آلاف من المناضلين الأكراد، ولكن على الرغم من دعم الولايات المتحدة الأمريكية لجماعة “قوات سوريا الديموقراطية” إلا أنه من المستحيل اعتبارها جيشا حقيقيا. من ناحية أخرى تأتي الخطابات التركية المهاجمة للولايات المتحدة الأمريكية لخدمة المصالح الروسية.
وعلى صعيد آخر تبدي كل من إنجلترا وفرنسا رد فعل مختلف تجاه العمليات التي تقع في عفرين!
إيمانويل ماكرون؛ خلال زيارته المرتقبة للبيت الأبيض في أبريل/ نيسان سيناقش حلولا لتلك القضايا، فبعد خروج بريطانيا المحتمل من الاتحاد الأوروبي ستكون فرنسا هي الدولة الوحيدة في “الاتحاد الأوروبي” ذات القدرة العسكرية خارج أراضيها.
إن التحركات في عفرين تثير القلق لرومانيا وإن كان من بعيد، فمن الممكن أن تبدو العمليات في عفرين وغصن الزيتون أزمة بسيطة، ولكن الأمر ليس هكذا بالطبع، فإن الوضع يزداد تعقيدا في النظام العالمي وديناميكية العلاقات بين الدول الكبرى.
بداية نظام عالمي جديد
لقد قلت ذلك عدة مرات وسأكررها، لن ينفعنا -في تركيا- تفكك حلف الناتو وقدرة الولايات المتحدة على تطوير الحلول الأمنية على المستوى العالمي والإقليمي. إننا مقبلون على نظام عالمي جديد يتم فيه التفاوض على الضمانات الأمنية والمصالح الوطنية في مجالات متشابكة. وأريدك أن تدرك جيدا أن حقيقة ما يدور في العالم غير واضح بخلاف ما يقال. فهو مليئ بالألاعيب الملتوية.
إن المعاهدات والوثائق المطروحة على طاولة المفاوضات حاليا والتي لم يكن لها مثيل من قبل تضعنا في موقف شك دائم، لذلك علينا الاستعداد من خلال وضع حلول وخطط عمل واقعية لمواجهة كل هذه التحديات والمشاكل الراهنة.