القاهرة (زمان التركية)ـــ نشرت صحيفة (الأهرام) المصرية مقالاً للكاتب سيد عبد المجيد حول الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ألمانيا، والتي استبقها عدد من السياسيين الألمان بإعلان مقاطعتهم مأدبة عشاء أعدت على شرف أردوغان، فيما تنتظر أردوغان مظاهرات معارضة في برلين لدى وصوله.
وقال الكاتب إن أحلام أردوغان في إقامة علاقات أوروبية بعد توتر العلاقات مع الولايات المتحدة يقف أمام تحقيقها شرط “الديمقراطية” التى تهاوت بشدة في تركيا.
وجاء في المقال:
قبل ما يزيد على قرنين من الزمان، كتب لودفيج فان بيتهوفن سيمفونيته الشهيرة المعنونة بـ ـ«الايروكا»، والتى كادت تخرج للعالم بأسره مذيلة بلقب بونابرت تيمنا بـ«المنتصر الفرنسى العظيم»، لكنه سرعان ما أزال اسم بونابرت ليضع مكانه اسم «البطولة» احتجاجا ورفضا لنابليون الذى نصب من نفسه إمبراطورا طاغيا.
وبعد تلك العقود الطويلة والممتدة ، يعيد ورثة الموسيقى الخالد ذات المعانى رافضين استقبال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى كان حتى وقت قريب مصلحا جسورا تواقا للحق والعدل ، إلا أنه انقلب مستبدا ديكتاتورا على حد تعبير جيم أوزدمير الرئيس السابق لحزب الخضر الألمانى يدوس بقسوة على الديمقراطية ومناصريها ومكتسباتها.
أردوغان زار ألمانيا خلال أعوام حكمه المديد 15 عاما أكثر من 10 مرات عندما كان على رأس حكومته ثم رئيسا للجمهورية ومع ذلك تعتبر زيارته التى تبدأ غدا هى الأكثر صخبا وجدلا بعد أن أصبح يملك صلاحيات مطلقة ويقود بلاده منفردا زاد على ذلك ما عزز هواجس قطاع مؤثر من الألمان الذين لم يعتادوا منذ حقبة هتلر تلك الأنماط السلطوية أن مستقبليه سوف يستقبلونه بمراسم عسكرية ومأدبة رسمية بناء على طلبه.
هنا قرر نائبان بالبوندستاج عن حزبى «اليسار» والديمقراطى الحر عدم المشاركة فى المأدبة الرسمية التى سيقيمها الرئيس فرانك- فالتر شتاينماير على شرف نظيره التركي، وأعلن خبير الشئون الخارجية فى الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطى الحر، بيجان دجير ساراي، ونائبة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «اليسار»، التركية الأصل سيفيم داجدالين، فى تصريحات لصحيفة «دى فيلت» وبثتها وسائل إعلام محلية عزمهما رفضهما تلبية دعوة لحضور الأمسية الاحتفالية فى قصر «بيليفو» الرئاسى بالعاصمة برلين.
وذكر دجير ساراى أنه لن يشارك لأنه لا يمكن «لنائب فى البرلمان الألمانى أن يتناول الطعام مع شخص (فى إشارة لأردوغان)، بينما «يقبع مواطنون ألمان خلف السجون التركية، إضافة إلى إصرار أنقرة على الابتعاد عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان».
وبررت داجدالين هذه الخطوة بأنها لا تعتبر «الإطار الحالى للزيارة ، بمأدبة رسمية ومراسم عسكرية، مناسبا على الإطلاق»، مضيفة أنها ستسعى بدلا من ذلك إلى المشاركة فى الاحتجاجات ضد الزائر التركي.
ويعتزم ائتلاف «لا مرحبا بأردوغان» تنظيم مظاهرات كبيرة فى عدد من المدن الألمانية ضد الزيارة المنتظرة، وذكرت الشرطة أن المظاهرة التى دعا إليها الائتلاف يتوقع أن يشارك فيها 10 آلاف شخص وستقام فى ميدان بوتسدام بالعاصمة برلين يوم الثامن والعشرين من سبتمبر الحالى بدءا من الرابعة مساء ويعتزم الائتلاف تنظيم احتجاجات أخرى فى اليوم التالى كذلك.
وكانت السفارة التركية فى برلين أكدت فى وقت سابق أن الرئيس أردوغان لن يلقى خطبة أمام حشود من أتراك ألمانيا خلال زيارته الرسمية وذلك خلافا لزياراته السابقة، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام معارضة تراجعا واضحا عن سقف طموحات أنقرة التى سبق وتم التخطيط لها على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وأرادت من الزيارة أن تكون احتفالية صاخبة ورد اعتبار لرئيس سبق ومنعته المحكمة العليا فى ألمانيا من إلقاء خطاب أمام 40 ألفا من مؤيديه عبر رابط فيديو مباشر خلال تجمع فى مدينة كولن فى عام 2016، المهم أن هذا التعديل جاء نتيجة للنشاط الملحوظ الذى قامت به المعارضة وتضامن تيارات سياسية ألمانية رافضة الزيارة بمجملها.
المفارقة أن تركيا الرسمية, وهى التى أقرت بوجود نفور لم تشأ اتساعه أو تعميقه ومن ثم تجاوزت سحابات نعتتها بالمفتعلة، خاصة فى ظل ما تعانيه من أزمات اقتصادية لا تملك معها ترف الدخول فى سجال مع المعارضين بقدر البحث عن حلول وداعمين للخروج منها والقطب الألمانى يمكنه لو أراد مد يد العون .
لكل هذا تأمل أنقرة أن تأتى زيارة أردوغان رغم أجواء الغضب التى تصاحبها، بعهد جديد فى علاقاتها لا يقتصر على الدولة الألمانية بل يشمل كل بلدان الاتحاد الأوروبي، فالعلاقات مع الولايات المتحدة تمر بأسوأ مراحلها على الإطلاق، بيد أنها وصلت إلى تطبيق عقوبات على الحكومة التركية كانت نتيجتها، بجانب أوضاع داخلية متردية، أزمة اقتصادية خطيرة تداعياتها تتوالى ولا تتوقف.
ولدرء المزيد منها، ها هى المواقف المتناقضة والمتطرفة والتصريحات والانتقادات اللاذعة التى ظلت تصدر تباعا من أردوغان شخصيا، وكذا أطراف حكومته ضد بلدان بالقارة العجوز وفى مقدمتها ألمانيا تتجه الآن للنهاية. فعلى أعلى المستويات يسعى الأناضول إلى التقرب وإصلاح ما تصدع .
لكن فات على الذين يسعون، أنه لا تزال هناك معضلة تحول دون ترجمة الأمانى والأحلام الأردوغانية نحو أوروبا إلى واقع ملموس ألا وهى الديمقراطية التى تهاوت بشدة، وبالتالى عودتها هى شرط أوروبى أساسي كى لا يكون أردوغان هو الرمز نفسه الذى رآه بيتهوفن ديكتاتورا.